تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
لم تكن هذه المرة الوحيدة التى تم إبعاد جذور الفتنة السياسية بالجلسة التى أدارها المشير عبدالحكيم عامر بمنطقة رشدى بالإسكندرية بين حمدى عاشور المحافظ وقتها وحسن إبراهيم، فبرغم صفاء الجلسة، إلا أن الأخير شعر بأنه يتعرض لتيارات غريبة سوف يدفع ثمنها صحيًا عقب صدور قرارات الإبعاد واعتذر بالاستمرار بأمانة الاتحاد الاشتراكى، وقال ليبلغ الرئيس أننى أرشح الأستاذ الليثى عبدالناصر؛ ليقوم بتشكيل المكتب السياسى، وقال لقد أديت واجبى في قيادة معركة انتخابات مجلس الأمة، فهو مجلس به عناصر قوية وموالية للنظام دون اتباع أسلوب العزل السياسى وتحقيق التوازن بالقوى داخل المدينة، وتم من خلالها تقديم واجهة جامعية؛ ليكون وزيرًا للزراعة، وهو الدكتور شفيق الخشن، ومن كبار رجال الصناعة المهندس نزيه أحمد والمهندس محمد إسماعيل ومن بينهم حسن الشابورى وعامل في ورش إصلاح السفن وهو أحمد يوسف وقبطان بحرى هو حسن عفيفى وشيخ حارة عبدالرازق حنطور بينما سقطت جميع القيادات العمالية، منهم صلاح غريب ومحمد العيسوى ومن رجال الثورة محمد محمد أبوغار رئيس شركة الأخشاب بينما سقط الدكتور عبده سلام، الذى أصبح فيما بعد وزيرًا للصحة وفاز المهندس جعفر حسين وسعد عيد ومحمد عبدالرحيم.
إن الاقتراب أكثر من اللازم والعلاقات الأسرية لأسرة الحاج عبدالناصر حسين، وفى مقدمتهم نجله الأكبر جمال عبدالناصر بعد أن تولى قيادة البلاد له محاذيره وحساباته وذمة المعاملة ليس الغرض منها إشاعة مناخ التقديس حولهم، لأن كل فرد منهم هو الذى سيدفع الثمن إذا أخطأ، فهناك تحذيرات مشددة بعدم الخروج من الضوابط الصارمة التى وضعها الرئيس، صحيح أن الوحيد الذى كان يسمح له باستخدام حقه في الأبوة هو والده فهو لم يناده بصفته الرئاسية ويناديه.. يا ابنى أو جمال.. أما أشقاؤه فكانوا يمنحونه مايستحقه من التوقير كرئيس دولة.
قبل قيام الثورة فاتحهم بالأمر وحذرهم من تسريب أى تفاصيل والالتزام بما يقرره لهم من تكليفات، وسرى هذا على الأساتذة بالترتيب عز العرب والليثى وشوقى، أما مصطفى فقد كان ما زال في سن الشباب ولا يستوعب مثل هذه المواقف.. ويدل هذا على أنه طلب من شقيقيه عز والليثى أن يقيما مع السيدة تحية كاظم في المنزل ليلة الثورة وأبلغهما أنه إذا تحركت قوات سلاح الفرسان والمدرعات حاليًا سيكون هذا إشارة بنجاح الثورة وشخص ثروت عكاشة هو بمثابة كلمة السر، وفى حالة الفشل فقد طلب إليهما الاتصال بالأستاذ إبراهيم طلعت المحامى لكى يتخذ شئونه دفاعًا عنه.
وفى الإسكندرية كان عز العرب مع والده في منزلهم بمنطقة (غربال) وعندما أذيع البيان الأول جرى عز العرب؛ لكى يبلغ والده بما سمعه في الإذاعة عن حركة الجيش، وكان تعليق الوالد.. على العموم جمال مالوش في الموضوع.. ولم يكن يعلم أن ابنه هو قائد هذه الحركة والثورة.
وكان جمال عبدالناصر عطوفًا على جميع أشقائه فلم يفرض على عز الالتحاق بصفوف القوات المسلحة وليس هذا من باب المجاملة، فأحدهم كان في المخابرات العامة وهى هيئة يستحيل أن تضم في صفوفها شخصا محسوبا عليها، وحسين ضابط طيار مقاتل ولا يجرؤ أحد على أن يجامل فيها.. والثالث رفيق وهو ضابط بحرى وهى قوات يستحيل التجاوز فيها؛ لصعوبة علوم البحر والمناورات والغواصات، وهو نفس السلاح الذى التحق به نجله عبدالحميد جمال عبدالناصر، وتعرض في المرحلة الأولى للدراسة لقسوة شديدة في التعامل، ولم يضع تحية كاظم حضرت أول زيارة للطلاب المستجدين وأشهد الله أننى حضرت هذا اليوم لدرجة أن الحرس المرافق وهو الأستاذ محمود فهيم التزم الجلوس وليس لرئيس دولة أو قائد أعلى للقوات المسلحة.
ومن أطرف ما يروى عن الرئيس أنه نظرًا للظروف التى كانت تمر بها البلاد عقب هزيمة يونيو، وكان قبلها تحدد موعد زفاف شقيقته الوحيدة السيدة عايدة عبدالناصر، ورفض الرئيس تأجيل أى ارتباطات مراسمية، ووقتها كان يتعرض الوالد لفترة صحية حرجة، لكن الوالد قرر أن يتحول الزفاف إلى جلسة عائلية فقط بمنزله في رشدى، وأوفد الرئيس السيدة تحية كاظم والأبناء لحضور المناسبة وفى أضيق الحدود، وبعدها حينما سمحت إرتباطاته دعا العروس وعريسها ووالدتها السيدة عنايات الصحن إلى فنجان شاى في القناطر وجلس إليهم الرئيس وأثناء المقابلة وجه الرئيس سؤالًا إلى عبدالحميد شاهين زوج شقيقته سائلًا تعرف إيه في موسيقى حسبالله التى تعزف بالقرب من القناطر؟.. وهنا قال عبدالحميد شاهين، لا ما أعرفش هى الموسيقى دى بتعمل إيه؟.. فرد الرئيس بخفة دم دى بينادوا فيها على لحمة عيد الأضحى كوسيلة للتسويق وإذا ما كنتش تقدر تسأل حماتك، يقصد السيدة عنايات الصحن، وذكرها بأن هذه الوسيلة التى كان الجزارون يروجون بها لحم العيد في كوم حمادة، وهو نفس الأسلوب في القناطر.. فردت السيدة عنايات.. هو حضرتك فاكر!.. فضحك الرئيس وأخذ يروى ذكرياته عن كوم حمادة.
والغرض من هذه الروايات الوصول إلى عمق الاتصالات الأسرية في حياة الرئيس جمال عبدالناصر على عكس ما يتبادر أو ما يروى من وقائع كاذبة حول طبيعة العلاقات ورسوخها وعمقها دون أى رواسب أو مركبات نفسية.
وهذا يطرح السؤال المهم من صعوبة القرار الذى اتخذه عبدالناصر باعتقال شقيقه في القلعة، وشقيقه هو ضابط عامل بالمخابرات العامة ومسئول عن أمن ميناء الإسكندرية، وأخيرًا رئاسة الجهاز في عهد الوزير أمين هويدي.
وهنا نتوقف هل يمكن أن تكون العلاقة على هذه الدرجة من النضج والإخلاص، بأن يتعرض أحدهم لأى قرار صعب بإلقائه في الزنزانة، وقبل ساعات كان يمارس عمله بالمقر القيادى في جهاز حساس، وبعدها بقليل يتم القبض عليه من كابينة الرئاسة بالمعمورة في عز لهيب أغسطس للقاهرة دون تهمة محدودة وجهت إليه.. لا شك أنه قرار صعب!