اجتمع قادة العالم هذا الأسبوع لحضور الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية، التى افتتحت هذا العام وسط كثير من الصخب حول سير انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية في الطريق المؤدى إلى تغيرات مناخية كارثية في العقود المقبلة، وعقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس القمة الخاصة في ٢٣ سبتمبر حول تغير المناخ بهدف الضغط على الدول لمزيد من الاهتمام بهذه القضية.
وتعد قمة المناخ ٢٠١٩ بمثابة انطلاقة لمفاوضات المناخ الدولية في عام ٢٠٢٠، كونه الموعد النهائى للدول لتقديم وعود بخفض الانبعاثات، عملًا بنص اتفاق باريس لعام ٢٠١٥ بشأن تغير المناخ، حيث إن الغرض الأساسى للقمة هو حشد الإرادة السياسية لتحقيق أهداف باريس.
والقمة في ظل أحداث عنيفة شهدها العالم متنوعة اجتمعت تحت مظلة كوارث «تغير المناخ العالمي»، بما أدى إلى تزايد التوقعات قبل القمة بعدة أشهر، وبلغت ذروتها بملايين الأشخاص الذين شاركوا في احتجاجات المناخ في جميع أنحاء العالم يوم ٢٠ سبتمبر.
وشهد العالم في الآونة الأخيرة استمرار ارتفاع متوسط درجات الحرارة، بما تسبب في ارتفاع مستوى سطح البحر، وتواتر العواصف العنيفة، والأعاصير، والجفاف الشديد، وبالتبعية استمرار تصاعد التكاليف الاقتصادية المرتبطة بهذه الكوارث بجانب الخسائر البشرية والمادية.
وفيما يتعلق بكارثة الاحترار العالمي، فقد أعلنت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في تقرير أصدرته في ٢٢ سبتمبر- قبل قمة المناخ- أن الفترة من ٢٠١٥ إلى ٢٠١٩ تمثل الفترة الأشد حرًا منذ بدء تدوين درجات الحرارة، وأشارت إلى أن متوسط درجات الحرارة ارتفع بمقدار ١.١ درجة مئوية منذ فترة ما قبل الصناعة، أى أنه زاد في عام واحد فقط بمقدار ٠.١ درجة مئوية، حيث تشير البيانات إلى أنه في عام ٢٠١٨ كان يبلغ درجتين فهرنهايت (أى ما يعادل ١ درجة مئوية سيليزية) بما يوضح أن المتوسط يزيد بشكل مطرد.
وفى الفترة ذاتها، ارتفعت معدلات زيادة ثانى أكسيد الكربون بما يُقارب ٢٠٪ أعلى الخمس سنوات السابقة.
كما يشهد العالم ظاهرة ارتفاع مستوى سطح البحر، ففى الفترة من ٢٠١٤ إلى ٢٠١٩ بلغ معدل الارتفاع العالمى في مستوى سطح البحر ٥ ملم في السنة، مقارنة بـ٤ ملم في السنة في الفترة من ٢٠٠٧ إلى ٢٠١٦، بما يعد أسرع معدل ارتفاع منذ عام ١٩٩٣، ساهم في ذلك ذوبان الجليد من الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية بمرور الوقت، ففى الفترة من ٢٠١٥ إلى ٢٠١٨ كان متوسط مستوى الجليد البحرى في القطب الشمالى أدنى متوسط منذ ١٩٨١.
يُضاف لذلك نشوب حرائق في غابات الأمازون التى توصف بأنها رئة العالم، بمعدل أكبر عددًا وكثافةً من ذى قبل، وقد لعب الجفاف دورًا كبيرًا في تفاقم هذه الحرائق المستمرة حتى الآن، بما جعل عام ٢٠١٠ أكثر عام نشط فيه الحريق في منطقة الأمازون منذ ٢٠١٠.
وقد أثارت هذه الكارثة مخاوف دول العالم إلى حد وضعها على قمة أولويات مجموعة السبع في اللحظات الأخيرة، بجانب إبداء كافة الدول والمنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية المعنية بالغ الاهتمام بها سواء من خلال التمويل، أو الدعم، أو الدعوى لاتخاذ إجراءات فعالة لإنقاذها.
وتجدر الإشارة إلى أن العالم قد شهد، بخلاف حرائق الأمازون، في صيف ٢٠١٩ حرائق غير مسبوقة في الغابات بمنطقة القطب الشمالي، وفى شهر يونيو وحده تسببت هذه الحرائق في انبعاث ٥٠ ميجا طن من ثانى أكسيد الكربون في الجو.
وقد شهدت المدن الكبرى في عدة دول خلال أسبوع المناخ الدولى (من ٢٠ إلى ٢٧ سبتمبر ٢٠١٩)، إضرابات ومسيرات حاشدة قدرت بأكثر من ٣٦٠٠ مسيرة حول العالم، بما جعلها أكبر تعبئة مناخية شهدها العالم، شارك فيها بشكل أساسى الشباب، وانضمت إليهم الشركات والنقابات العمالية بدعوى من منظمات بيئية عدة، بهدف التصدى لمخاطر تغير المناخ والضغط على الحكومات المتباطئة في اتخاذ سياسات تحد من آثار الكوارث البيئية.
قمة مخيبة للآمال
في ظل السياق الذى انعقدت فيه القمة من كوارث مهددة للوجود الإنسانى وليس أمنة فقط، كان من المرتقب إبداء اهتمام بهذه القضية التى كانت محور جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لهذا العام.
كما كان من المتوقع أن تظهر حركة تحويلية في الاقتصاد بما يدعم أهداف اتفاقية باريس، وهو ما حرص عليه الأمين العام، لكن حدث خلاف ذلك، فلم تسفر عن إلزام حقيقى للدول الكبرى بخفض انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو ما جعلها مخيبة لآمال منظمات البيئة والناشطين في هذا المجال على الرغم من نجاحها في إقناع بعض الدول بالمساهمة ماديًا لإحياء صندوق المناخ الأخضر.
ففيما يتعلق بالولايات المتحدة، فقد قضى الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بضع دقائق فقط في القمة، كما أنه سخر من الناشطة البيئية جريت تونبرج، الداعية في خطابها الذى ألقته في القمة لبذل مزيد من الجهد لمكافحة تغير المناخ.
جدير بالذكر، هنا أن الرئيس ترامب منذ بداية توليه منصبه، وهو يؤكد عدم اكتراثه بقضية المناخ إلى حد تعهده بإخراج الولايات المتحدة من اتفاق باريس للمناخ ٢٠١٥، كما أنه في قمة مجموعة السبع التى عُقدت في أغسطس ٢٠١٩، قد تغيب عن الجلسة الخاصة بالمناخ. وقد تحركت إدارته نحو السماح بانبعاثات أكبر من محطات الطاقة واستخدام النفط والغاز مخترقة اتفاق باريس.
أما الهند، فقد أعلن رئيس الوزراء ناريندرا مودى في القمة، أنه سيضاعف إنتاج الطاقة المتجددة في بلاده إلى ٤٥٠ جيجاوات، لكنه لم يضع أى جدول زمنى محدد أو التزام بخفض انبعاثات الكربون في الهند بموجب اتفاقية باريس.
ورغم تركيز الصين في حديثها، على استعراض السرعة التى عملت بها من أجل تحقيق الأهداف الرسمية المنصوص عليها في الاتفاقية، لكنها لم تشر بشكل دقيق إلى الكيفية التى ستطور بها خطتها المناخية. يُضاف لذلك أن الصين تقوم ببناء محطات جديدة تعمل بالفحم خارج حدودها كجزء من مبادرة «الحزام والطريق»، وهو ما يؤكد عدم صدق ادعائها بالالتزام بالاتفاقية.
أسباب الإخفاق
لا يمكن لقمم المناخ التى تُعقد بشكل دورى أن تنقذ الأرض من مخاطر تغير المناخ العالمى المهددة لكافة جوانب الحياة الأمنية، والاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، لعدة أسباب، أولها عدم اكتراث الاقتصادات الكبرى بالقضية، ففى الوقت الذى كان من المتوقع فيه أن تأتى الدول إلى القمة للإعلان عن أنها ستعزز جهودها في قضية تغير المناخ، فإن معظم الاقتصادات الكبرى تجاهلت ذلك. فعلى الرغم من أن الصين والولايات المتحدة والهند هى أكبر انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحرارى في العالم، وبالتالى فإن التزاماتها باتفاق باريس سيحقق أكبر تأثير في منع حدوث أزمة مناخية. لكن هؤلاء الثلاثة لم تعط بعد تعهدات واضحة بزيادة العمل قبل الموعد النهائى لعام ٢٠٢٠ لتحديث خطط المناخ الوطنية.
وثانى تلك الأسباب، اعتقاد الدول بعدم جدوى الالتزام بقرارات وتوصيات القمم والاتفاقيات المتعلقة بالمناخ، ومن ثم لم تلتزم بها، فعلى الرغم من نص اتفاقية باريس للمناخ في المادة ٢ والمادة ٤، على ضرورة الحفاظ على زيادة متوسط درجة الحرارة العالمية بنهاية القرن الحالى في حدود أقل من درجتين مئويتين، ومواصلة الجهود الهادفة إلى عدم تجاوز هذه الزيادة حد درجة ونصف مئوية من خلال الحد من انبعاثات الغاز المسببة للاحتباس الحراري، فإن أغلب الدول لم تلتزم بذلك رغم توقيعها عليها، فجميع خطط العمل الحالية للدول لا تزال تحد من ظاهرة الاحتباس الحرارى فقط ما بين ٢.٧ و٣.٧ درجة مئوية.
أما ثالث الأسباب فيعود إلى تسارع وتيرة ارتفاع درجات الحرارة بما فاق المعدل المنصوص عليه في اتفاق باريس؛ فكما تمت الإشارة، نص الاتفاق على هدف خفض زيادة متوسط درجة الحرارة في حدود أقل من درجتين مئويتين، في حين أن درجات الحرارة العالمية قد ارتفعت بمعدل درجة مئوية عن ذى قبل، بعبارة أخرى، كان على البشر لتجنب الآثار الكارثية لتغير المناخ أن يحدوا من ظاهرة الاحتباس الحرارى إلى درجتين مئويتين، أما الآن ينتظر العالم ارتفاع درجات الحرارة إلى نحو ٣.٥ درجة مئوية، ومن ثم يصبح الهدف المنصوص عليه في الاتفاق غير كاف- حتى وإن حققته الحكومات-، وبحاجة إلى تعديل بما يتماشى مع معدل ارتفاع درجة الحرارة الجديد.
وآخر تلك الأسباب، عدم إلزامية اتفاق باريس، فقد ترك تحديد كيفية خفض انبعاثات الغازات الدفيئة المؤدى للاحتباس الحرارى لكل دولة، دون النص على أية عقوبات حال عدم الالتزام به، ومن ثم يسهل التنصل منه، وعليه؛ تظهر الحاجة إلى التباحث حول تعديل اتفاق باريس بإضافة بند إلزامية الاتفاق، ويعاقب من يخترقه.