تُعد الصحافة من المصادر المهمة للحصول على المعلومات بوجه عام، وعلى المعلومات المتعلقة بالمشكلات المجتمعية بوجه خاص، وغالبًا ما تسعى الصحف للقيام بهذا الدور والمتعلق بالإبلاغ عن المشكلات لأهداف عدة من بينها؛ إحاطة الجمهور علمًا بهذه القضايا والمشكلات، أو محاولة إشراك الجماهير في حل المشكلات من خلال تبرعاتهم مثلًا؛ أو ممارسة الضغط على صانعى القرار، مما قد يؤدى في النهاية إلى اتخاذ إجراءات حكومية لحلها.
وقد تبالغ الصحف أحيانًا في التركيز على هذا الدور فتعرض كثيرًا من القصص حول المشكلات والأزمات والأمور السيئة، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الجمهور؛ فربما يساهم في شعوره بخيبة الأمل أو يصل بأفراده إلى حد عدم الاهتمام بالقضايا المحيطة بهم، أو عدم المبالاة بمعاناة الآخرين من حولهم، أو يُشعرهم بما يسمى بـ «التنميل» تجاه هذه القضايا أو العجز المكتسب، وهى عملية يكون فيها الأفراد الذين تعرضوا لموقف سلبى بشكل متكرر من خلال وسيلة إعلامية - على سبيل المثال - عاجزين فيما بعد عن تحسين وضعهم حتى لو كانت لديهم الوسائل الكفيلة للقيام بذلك، وهكذا فإن هذه المشاعر تشكل عائقًا أمام العمل، فكلما شعر الأفراد بالسلبية بعد التعرض للأخبار السيئة قلّ احتمال إبدائهم لآرائهم، أو اتخاذهم إجراءات لتحسين العالم من حولهم.
وفى ضوء هذه المخاوف من الشكل التقليدى في الإبلاغ عن المشكلات جاء الاهتمام بـنمط آخر من الصحافة قد يقلل من حدة هذه المخاوف، ويخفف من الآثار السلبية المحتملة لها وهو «صحافة الحلول» Solutions Journalism، والتى تعد نهجًا لتقارير إخبارية تتجاوب مع القضايا الاجتماعية وتبحث في حلولها دون تناسى المشكلات الموجودة، فهى تعالج القضايا بطريقة تـتـجـنـب طـرحـهـا عـلـى أنـهـا يـائـسـة ولا أمـل فـيـهـا؛ حيث تجعل مبادرات وأنشطة حل المشكلات مرئية أمام الجمهور حتى يتمكن المجتمع ككل من إدراك الخيارات الكاملة المتاحة لحل المشكلات، ويصبح لديه قناعة بأن المشكلات المجتمعية يمكن معالجتها بالفعل، وبالتالى يشعر الجمهور بأنه أكثر قوة، مما يساعد في تشجيعه ليكون أكثر نشاطًا وأكثر انخراطًا في مجتمعه، ويساعد في خلق مزيدٍ من المواطنة الفعالة.
وبالتالى فإن هذا النهج يهدف إلى خلق آثار إيجابية على الجمهور، وهو ما جعل «صحافة الحلول» تكتسب زخمًا متزايدًا في السنوات القليلة الماضية في الصحافة الغربية، وكذلك على مستوى الدراسات الأكاديمية الأجنبية.
وقد تبين من خلال مسح التراث العلمى السابق اهتمام الدراسات الأجنبية بصحافة الحلول كأحد أشكال الصحافة المهمة وبحث تأثيراتها سواء على القائم بالاتصال أو الجمهور، وعلى مستوى الممارسة يُلاحظ اهتمام الدول الأجنبية بهذا الشكل إلى حد إنشاء منظمات أو تكوين جمعيات بعينها تدعم هذا النهج وتساهم في انتشاره، أما في مدرستنا العربية فلم تهتم دراساتنا بهذا الشكل من الصحافة رغم أن هناك مواقع إخبارية تعرضه وسط كثيرٍ من الأخبار السلبية التى أحيانًا ما تفرض نفسها على الساحة ويتعرض لها الجماهير في معظم دولنا؛ والتى من الممكن أن تصيبهم بأشكال الكآبة المختلفة أو تصل بهم لمرحلة عدم المبالاة بأصحاب المعاناة الإنسانية لأنهم لم يعتادوا أن يجدوا حلولًا ممكنة لمشكلاتهم.
من هنا تتزايد الحاجة لدينا في بيئتنا العربية بوجه خاص - والتى نعانى من انتشار وكثرة أخبارها السلبية - لبحث هذا النوع من الصحافة والاهتمام به سواء من حيث المضمون أو دراسة تأثيراته على القائم بالاتصال والجمهور.
في هذا الإطار، جاءت الدراسة المهمة التى أجرتها د.رحاب محمد أنور مدرس الصحافة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة المنيا، والتى استهدفت رصد أبرز محددات صحافة الحلول في المواقع الإخبارية الإلكترونية المصرية، وكذلك رصد تصورات المحررين الصحفيين حول هذه الصحافة وأهميتها في بيئة العمل الصحفي، وتأثير ممارستهم لهذا النوع على الرضا الوظيفى لديهم، وكذلك التعرف على الآثار الإيجابية لتعرض الشباب لصحافة الحلول.
وتوجد ثمة تعريفات عديدة لصحافة الحلول في المجال المهنى وأبرزها يأتى من «شبكة صحافة الحلول»؛ التى تصفها بأنها تقارير إخبارية تركز على استجابات الناس للمشكلات الاجتماعية، حيث تتناول الإجابة عن أسئلة «مَن؟ وماذا؟ ومتى؟ وأين؟» التى غالبًا ما تحدد المشكلة، لكنها تركز بشكل كبير على الإجابة عن سؤال: ما الذى يفعله الناس حيال ذلك؟»، ومن ثم فهى تُعيد صياغة المقاربات الصحفية التقليدية للإبلاغ عن المشكلات الاجتماعية لأنها تسعى إلى إشراك القراء والجمهور، وتقديم مخطط للتغيير، وتغيير لهجة الخطاب العام.
وعندما قام صحفيون في صحيفة «سان دييجو يونيون تريبيون» San Diego Union-Tribune الأمريكية بتخصيص عمود موجه نحو الحلول أشاروا فيه إلى تعريف التغطية الخاصة بهم كطريقة «لإبراز الناس الذين يحدثون فرقًا في مجتمعهم، ويجب أن تكون مساهماتهم طَوْعية ومستمرة، ولها سجلٌ حافل بالإنجازات. وثمة عمود آخر، شارك في كتابته أحد مؤسسى شبكة صحافة الحلول يتناول المبادرات الإبداعية التى يمكن أن تخبرنا عن الفرق بين النجاح والفشل.
وقد تم استخدم مصطلح صحافة الحلول من قِبَل الممارسين منذ التسعينيات، ففى عام 1998 نشرت مجلة «كولومبيا ريفيو» Columbia Journalism Review مقالًا بعنوان «صعود صحافة الحلول»، وهى ليست المرة الأولى التى يكتب فيها محررو الصحف عن الحلول، لكنها كانت من أوائل المرات التى كُتبت فيها فكرة صحافة الحلول وعُرِفت بأنها «الإبلاغ عن الجهود التى يبدو أنها تنجح في حل مشكلات اجتماعية معينة»، وبَيّن المقال أن عديدًا من المراسلين قد قرروا البدء في إعداد التقارير حول ما تم عمله لحل مشكلات مثل الجريمة وتعاطى المخدرات، إلا أن هذه الممارسة لم يتم إضفاء الطابع الرسمى عليها إلا مؤخرًا من قِبَل مؤسسات مثل الاتحادات الفرنسية «Reporters d ‹Espoirs» أو شبكة «سبارك نيوز» Sparknews أو «شبكة صحافة الحلول» Solution Journalism Network بوجه خاص، وهى منظمة مستقلة غير ربحية تأسست في عام 2013 كانت صاحبة الدور الأكبر في ذيوع وانتشار هذا النهج، حيث قدمت تدريبات للصحفيين في أكثر من 80 غرفة أخبار حول كيفية الإبلاغ بفعالية عن القصص التى تركز على الحلول في التقارير التى تتناول الاستجابات للمشكلات الاجتماعية.
وقد تم اعتماد صحافة الحلول بشكل متزايد من قبل الصحف الكبرى، والتى تكرس أعمدة كاملة للقصص التى تركز على الحلول (كما في HuffPost›s Impact، The New York Times ‹Fixes أو The Guardian›s Half Full sections). وفى الآونة الأخيرة، بدأت هيئة الإذاعة البريطانية مساعيها الخاصة لتقديم تقارير أكثر اتجاهًا نحو الحلول، لأن الفكرة الأساسية لـ«بى بى سى نيوز» هى أن ترسم صورة كاملة وتقدم قصصَ العالم بشكل أكثر دقة؛ وتُطلق على نفسها الصحافة التى تركز على الحلول، هذا النهج «يؤكد على «كيف»؛ كيف يتم حل المشكلات؟ وكيف تعمل الحلول؟».
ونستكمل الأسبوع المقبل استعراض مدخل «صحافة الحلول» كمدخل جديد لتطوير المحتوى الصحفي.