خلال ساعات قليلة، وربما قبل نشر هذا المقال، سيكشف الدكتور هشام قنديل عن التعديل الوزراي المرتقب. وفي الوقت الذي ينادي فيه الجميع –من تيارات مدنية وبعض التيارات الإسلامية- بضرورة البحث عن رئيس وزراء قوي قادر على قيادة الدفة مع الرئيس، إلا أن هناك حالة من الانسجام التام والإصرار المفعم بالجدية من قبل الرئيس على الإبقاء على الدكتور قنديل.
وبذلك يثبت الدكتور محمد مرسي، بما لا يدع مجالاً للشك، بأنه تفوق على الرئيس السابق مبارك في “,”العند السياسي“,”، الذي لم يجن منه سوى السجن، وإنهاء تاريخه العسكري والسياسي الطويل بشكل أسوأ مما لو كان ترك السلطة طواعية لرئيس منتخب، وفي ظروف أكثر استقرارًا مما نحن عليه الآن. فهل يتعظ الدكتور مرسي بذلك، وهو الذي أقسم بالله ثلاث مرات (أمام المحكمة الدستورية العليا، وفي جامعة القاهرة، وميدان التحرير) على الحفاظ على حماية الوطن ورعاية الشعب؟! فالوطن الآن منهك من كثرة العبث بأمنه من الداخل والخارج؛ حيث أصبحت مصر ساحة ومرتعًا، ليس فقط لبعض أجهزة المخابرات لبعض الدول، ولكن أيضًا للحركات الجهادية والتكفيرية التي باتت تتخذ من سيناء ملاذًا آمنًا لها.
أما رعاية مصالح الشعب التي أقسم عليها فقد أخفق فيها، ونجح بامتياز في تمزيق الجسد المصري إلى فرق سياسية متناحرة، والتي أخفقت بدورها في إيجاد سياسات بديلة قادرة على لم الشمل وتقديم خريطة طريق واضحة للمرحلة الانتقالية. كما نجح الرئيس في تحويل الصراع السياسي إلى عنف مجتمعي غير مبرر من قبل الإخوان والمتظاهرين؛ حيث أدى ذلك إلى تحول في الجينات المصرية، التي اتسمت طوال عصور وأزمنة غابرة بالاعتدال الديني والسياسي. فلأول مرة في التاريخ يتم استيراد أفكار متطرفة، مثل ظاهرة “,”البلاك بلوك“,” لتطبيقها في العمل السياسي الذي تحول -بقلة خبرة وفهم من الرئيس وجماعته- إلى “,”احتراب سياسي“,” غير مبرر على الإطلاق، وسوف تجني الأجيال القادمة نتيجة هذه الأعمال.
ويضاف إلى ما سبق ارتفاع جنوني في أسعار السلع وغيرها من المواد الغذائية الأخرى، وهو عكس ما اتخذته الثورة شعارًا لها، من ضرورة توفير العيش لعموم المصريين، كما لم تتحقق الحرية أو العدالة الاجتماعية.
وفي الحقيقة انكشفت مصر كلها، بنخبتها السياسية والمثقفة، وتعرت تمامًا أمام العالم، حيث لم نجد فيها كوادر سياسية أو رجال دولة بالمعنى الحقيقي، ليس فقط لدى جماعة الإخوان المسلمين، ولكن أيضًا لدى كل الفرق والأحزاب السياسية الأخرى.
أما المصطلح الذي اعتقدنا جميعًا بأنه واقع، وهو أن “,”مصر دولة مؤسسات“,”، فأعتقد أننا كنا واهمين، وهناك حالة مراجعة لهذا المصطلح بعدما انكشفت البيروقراطية المصرية، والتي تقوم فقط بتنفيذ الأوامر التي تأتي إليها من أية سلطة أعلى.
وفي ظل هذه الظروف الصعبة تبقى المؤسسة العسكرية شامخة، ونتمنى أن تظل كذلك، على الرغم مما نالها من هتافات مضادة ومحاولات للنيل من شعبيتها لصالح تيار يريد أن يستكمل سيناريو التمكين. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل تحمي وتضمن جماعة الإخوان المسلمين الدكتور مرسي من منع تكرار حالة مبارك؟ وأعتقد أن الإجابة “,”لا“,” بالتأكيد.
ومن ثم، فإن المخرج الوحيد لهذه الحالة التي تمر بها مصر هو تطبيق صحيح الديمقراطية، كأحد المخارج الأساسية للخروج من أزمة الشرعية المثارة في مصر الآن، بالإضافة إلى أنها مرغوبة لذاتها كنظام سياسي، بعد أن ظهرت الآثار المدمرة للحصاد المر للسلطوية الجديدة بكل أشكالها، والتي سادت مصر خلال الأشهر الأخيرة.
وموضوع شرعية النظم السياسية موضوع يثير مشكلات نظرية ومنهجية وتاريخية متعددة، ليس هنا مجال الخوض فيها. والشرعية -في أبسط تعريفاتها- هي “,”قبول الأغلبية العظمى من المحكومين لحق الحاكم في أن يحكم، وأن يمارس السلطة، بما في ذلك استخدام القوة“,”. وبهذا التعريف أعتقد أن مصر ليست فقط بحاجة إلى تغيير رئيس الوزراء، ولكن إلى انتخابات رئاسية مبكرة حتى لو جاءت بالرئيس مرسي مرة ثانية، ولكنها ستضمن إعادة بناء جسور الثقة بين الرئيس الجديد والشعب مرة أخرى، بعدما فقدت جماعة الإخوان المسلمين هذه الثقة، ولم تكن عند حسن ظن الشعب بها.. مع ضرورة تغيير الدستور، وإيقاف عملية “,”الأخونة“,” التي تتم ببراعة من الجماعة وحزبها.