الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أحمد سخسوخ.. أحد أوتاد المسرح العربى

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فقدت أكاديمية الفنون العريقة الأسبوع الماضى أحد أبنائها النجباء، والذى تشهد جدرانها تاريخه الطويل وعلمه الغزير الذى لم يبخل به على طلابه أو زملائه.. كما كان لمتابعى مقالاته نصيبًا من هذا العلم، والذى كان يقدمه بأسلوب مبسط يصل للجميع دون تمييز، في مجلة «أخبار النجوم».. هو الكاتب والناقد المسرحى الأستاذ الدكتور أحمد سخسوخ (1947-2019) أستاذ الدراما بالمعهد العالى للفنون المسرحية، والرئيس الأسبق لقسم الدراما والنقد، والذى شغل منصب الوكيل ثم العميد للفنون المسرحية.. كان من الأساتذة المحبوبين الذين ملكوا قلوب طلابهم بالعلم والخلق، وكان أبعد ما يكون عن سمة العصر السائدة وهى النفاق، فكان جريئًا وحرًا في أفكاره وآرائه، لا يخش من قول الحق كما يراه.. ورغم أن صراحته وصدقه المفرط جعلاه صداميًا في بعض الأحيان، ولكنه كان في نفس الوقت يحترم الاختلاف الذى لا يفسد الود.. وكالعادة يرحل ذوو القامات الرفيعة من بيننا دون أن نعطيهم قدرهم، ودون أن يقدموا لنا «روشتة» الإصلاح للتدهور الفنى الذى نعانيه، فنتركهم ينزوون في أواخر حياتهم، دون أن نستفيد من علمهم ورؤيتهم وخبراتهم بالقدر الكافى!!.. وقد اندلعت ثورة من المحبة من تلاميذه وأصدقائه، على مواقع التواصل الاجتماعي عقب إعلان وفاته التى فاجأت الجميع.. فرثاه طلابه وأصدقاؤه بكلمات تدل كم كان ودودًا وبشوشًا ولطيفًا مع طلابه، وكيف كان جابرًا لخواطر الجميع، ولكن أكثر ما لفت انتباهى رثاءه من صديقى العزيز الكاتب والمخرج المسرحى الكبير الأستاذ مراد منير، والذى كتب على صفحته على فيس بوك: «انتقدنى بقسوة على صفحات أشهر المجلات الفنية، حين حضر أحد عروض (الملك هو الملك) وكان مزاج السعدنى وحسين الشربينى مشعشعا فارتجلوا قليلًا وأشبعوا الجمهور ضحكًا وصخبًا إذ تحتمل هذه العروض الشعبية هذا النوع من الخروج.. لكن سخسوخ كان ناقدًا صارمًا لا يجامل.. هاجمنى وأنا صديق عمره بحق.. عشنا معًا أكثر مما عشنا مع أهلنا.. إن استقامته وقوة إيمانه بالمسرح.. بالفن الحق.. كانت هى الحب الأول في حياته وبسبب هذا التفانى في العشق عانى أحمد أحزانًا عميقة وهو يرى حبه ينتهك وتتفكك أوصاله ويتحول لبقايا مسرح.. مما أضعف مناعته فهاجمه المرض اللعين.. يوم رحلت حبيبتى فايزة لم يتركنى أحمد لحظة ساندنى بكل ما في قلبه من عذوبة ودفء.. لم أكن أعرف أنى سأحمله بعد سنوات قليلة، رسالة للأحبة حين صعدت روحه الطاهرة لبارئها منذ ساعات.. أمانة عليك يا أحمد.. سلم لى على فايزة وباقى الحبايب وأوعدك مش حانسى أقرألك الفاتحة كل يوم حتى نلتقى في دار الحق مع السلامة يا صاحبى».. هذا المبدع الأكاديمى كان ممن يؤمنون بالعلم والدراسة والبحث، لذلك لم يكتف بدراسته في أكاديمية الفنون، بل واصل الدراسة في النمسا على نفقته الخاصة، والتحق بمعهد العلوم المسرحية بجامعة فيينا، وتتلمذ على يد كبار أساتذة المسرح والنقد هناك، وعلى رأسهم الناقد العالمى «مارتن أسلن» الملقب بأرسطو مسرح البعث، ثم التحق بعدها بمعهد «ماكس راينهاردت» التابع للمدرسة العليا للموسيقى بأكاديمية الفنون بفيينا لدراسة الإخراج المسرحي.. لم ينته شغفه بالعلم والدراسة عند هذا الحد، فقرر السفر إلى ألمانيا لدراسة التمثيل في برلين، على يد المخرج الأمريكى اليونانى الأصل جون كوستو بولوس، والذى كان مساعدًا للمخرج الشهير لى سترا سبرج مؤسس ستوديو الممثلين بنيويورك، والذى تخرج منه كبار نجوم هوليوود في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضى.. عاد بعد ذلك إلى بيته الأول أكاديمية الفنون، ليقدم خلاصة علمه ودراساته وتجاربه بأسلوب حديث، بالإضافة لإسهاماته العميقة في مجال النقد المسرحى والدراسات المتخصصة، والتى كان من أهمها دراسة بعنوان «تعرية العبث في المسرح المصرى وتأثيره على مسرح العبث الأوروبي»، كما قدم دراسة متخصصة في أعمال الفنان السورى سعد الله ونوس تحت عنوان «أغنيات الرحيل الونوسية»، وكان آخر مؤلفاته دراسة عن الضاحك الباكى نجيب الريحانى بعنوان «نجيب الريحانى من عصر الازدهار إلى انسداد شرايين الكوميديا».. بالإضافة للدراسات والأبحاث التى قدمها باللغة الألمانية، والتى نشرت في موسوعة المسرح العالمى التى تصدر من سويسرا، وهو ما جعله يحصل على نوط الامتياز من النمسا عام 2000، تقديرًا لمجمل كتاباته وترجماته عن المسرح النمساوى والألمانى.. وبالتالى كان متخصصًا في دراسة وتدريس الدراما الألمانية لطلاب الفنون المسرحية في أكاديمية الفنون، وفى جامعة السلطان قابوس، والتى انتدب فيها لمدة 4 سنوات (1991- 1995).. كان محبًا للمسرح الذى أعطاه كل صحته وعمره، ومن ضمن أقواله عنه: «إن المسرح هو التعبير الحقيقى عن الضمير الحي، وإذا مات فهذا يعنى أن الضمير قد مات، وهو قد بدأ مع فجر الضمير الإنساني، وكنا أسبق العالم كله في زرع بذوره الأولي، وقد أخذوه منا، وبنوا ضمائرهم، ونحن قد فرغنا منها».. رحم الله هذا الأستاذ والمثقف الكبير، والذى اقتُلعت بوفاته أحد أوتاد المسرح ونقده الرصين.