غلبت عروض تعبير الجسد ورمزيته كساحة صراع (وليس المادى/الاجتماعي) على رؤية مخرجى العرب والغرب في أغلب مسرحيات المهرجان الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر (10- 19 سبتمبر)،الذى أسدل ستارته الخميس الماضى في دورته السادسة والعشرين، حاملا عنوانا مركزيا لندواته «المسرح الأفريقي» شئونه وشجونه، واللافت أنه لم يكن بزخم العروض والمشاركات الدولية المتنوعة كما السنة الماضية في يوبيله الفضى والتى كان عنوانها المسرح والحرب، ولكن إدارة المهرجان حافظت على مسار وخارطة دورته فيما تعلق بإصدارت الكتب المترجمة، والورش العملية المقاربة لمكونات العروض التجربيية ومن مختصين ذوى خبرة متراكمة، وتجربة تجاوزت حدود دولهم، من اليابان مديرة برامج الرقص المعاصر بمدينة أوكازاكى تشيمى فيوكوموري، ومن أوغندا جينجو إسماعيل في ورشته حوار الجسد، والأمريكانيين دان سيفر في عروض المسرح الراقص، وجاى رايان في تصميم الإضاءة، من أستراليا بيتر ايكوسول في ورشة الدراماتورج، من فرنسا سبستيان بروتيه في ورشة التعبير للجسد، ولم تغب «النشرة التجريبى» الذاكرة والتى تمثل توثيقا ليوميات المهرجان، معززة بالمقالات في الصنعة المسرحية، وقراءات في العروض اليومية الثلاثة، والمقابلات مع أغلب الضيوف والمشاركين، مرفقة بصور محترفة تميزت عين الكاميرا بقنصها زوايا أداء الممثلين وبانوراما السينوغرافيا التى تراوحت بين المساحة الخالية كما أكثر من عرض: ضيفة الشرف للمهرجان أمريكا في «اكتشاف غموض غرفتك»، وسويسرا «روميو، روميو، روميو»
و«أرض البشر» نيجيريا، وكتل محددة كورقة الموجة في عرض «موجة عن بعد» البرتغال / اليابان، و«تحيا الحياة» لسويسرا حيث كرات زجاجية، وحلقتان معدنيتان لولبيتان لرجل السيرك، وطاولة، وكان الديكور الواقعى في العيادة النفسية في عرض «الرابعة» لمسرح الشارقة / الإمارات، وغرفة المعيشة بلوازمها في العرض السورى «اعترافات زوجية».
عشرون عرضا عربيا من (مصر، وتونس، والإمارات، وسوريا، العراق) وأفريقيا (نيجيريا، وجنوب أفريقيا، الكونغو)، وغربيا(سويسرا،أمريكا،
المجر،ألمانيا، كوسوفو،البرتغال) تسنى لى مشاهدة أغلب العروض مع رفقة مهتمة من تونس هند الغابري، ومن مصر، د. كريمة الحفناوي، نادية رفعت، منار خالد، جمال الفيشاوي، ورشا عبدالمنعم، والفنانة نورا أمين التى حضرت من إقامتها ألمانيا، وقد جمعتنا نقاشات عقب كل عرض في الوقت الفاصل بين كل عرض وآخر، وكُل عرض وتلقيه لدلالات العرض، غابت بلدى ليبيا عن المشاركة في الندوات، وعن العروض، وفى ظنى أنها ظلال وأوضاع الحرب التى ما زلنا في خضمها في غرب ليبيا، أما المدن المستقرة والتى تنشط فرقها المسرحية إلى يومنا هذا كبنغازي، والبيضاء، والمرج، وطبرق، ودرنة، وهون، فأعلمنى بعضهم أن ظروف الحصول على التأشيرة المصرية لممثليهم والكادر الفنى من أعمار بين العشرين والستين سنة تتأخر من جهة، وما يتطلب مصاريف تشترطها مكاتب تمنحها في فترة قصيرة، وهم عاجزون عنها مع فقد السيولة بالمصارف، كما يقعون تحت طائلة انعدام الدعم من هيئة الثقافة الحكومية حتى لفرقتها الرسمية، تحججا بذات الأسباب والظروف الفيزا، والتذاكر، ومصاريف العرض.
كان لقضايا المرأة حضورها في مواضيع العروض، ففى عرض تونس «دون كيشوت» تغتصب السلطة الأمنية حبيبة المخرج المسرحى عزيزة، وترمى بالحبيب المناضل في غياهب السجن بتهمة التطرف!، والعرض عن واقعة في زمن الرئيس بن على 2005 م،و في العرض المغربى «علاش» الذى يذهب باتجاه كسر تابوات الدين والجنس، بمواجهة قهر المرأة عويشة، كما ينتصر للمرأة بمعاضدة صنوها الرجل الذى يتعرض أيضا لقهر مواز من السلطة والمجتمع، وفى عرض الكويت «جزء من الفانية» تجعل مؤلفته مريم بونصير، من بطلتى العرض زوجتين معارضتين لخيار زوجيهما كرجلى أمن، واللذين يشاركان في رمى آخرين لمصير محتوم بالتبليغ عنهم بدواع أمنية ملفقة لأجل لقمة العيش بمقابل مُجزٍ فيلقى أحدهما ذات الجزاء، وكذلك عرض الهامش، تونس / السعودية، مونودراما الممثلة منى التلمودي «انتحار معلن» إذ يستعيد بعضا من سيرة فرجينيا ولف في تمردها واغترابها عن واقعها، وستكون «بهية» للمخرجة كريمة بدير في العرض المصرى مرموز الأنثى / الأرض/ الوطن، التى تنتصر على سجانها، وتدفع بالرجال للثورة على أوضاع البؤس والاستغلال من الإقطاعيين المسيطرين، والذين قتلوا حبيبها ياسين، وبهية تيمة شعبية، وموال غنائى من التراث الشعبي.