«مواويل مسروقة» عنوان لكتاب صدر مؤخرا. لم يلفت نظرى غرابة العنوان الذى يحتوى على اعتراف مبكر من صاحبه بأنه قام باصطياد نصوصه من البراءة والدهشة.. الذى لفت نظرى هو أن اسم الكاتب المنشور على الغلاف هو «أحمد الطويلة».. انا أعرف أحمد جيدا منذ بداية التسعينيات وفى ظنى لا يوجد بمصر اسم مركب هكذا سوى واحد فقط.. فهل صاحب الكتاب هو نجم نجوم حفلات معرض الكتاب عام ١٩٩٢ هل هو المطرب الذى غنينا معه «احنا ولاد الناس الفقرا.. احنا ولاد الناس» وطربنا معه وهو ينشد «قل للمليحة في الخمار الأسود» هل هو الدرويش المتصوف الذى نعرفه وحفظنا معه، «اللى اشترى منك ماوزنش» وغيرها الكثير من الأغانى الجديدة التى انتشرت بداية التسعينيات كأغنية بديلة ثائرة على البديلة التى سبقتها بصوت منير والحجار.
يمكن لقارئ المقال يقوم بـ«سيرش يوتيوب» أو «ساوند كلاود» ليصدقني.
صديقنا المكتوب اسمه على الكتاب الغريب «مواويل مسروقة» والذى احترت في تصنيفه هل هو شعر أم قصة وصالحت نفسى بأنها نصوص وكفى. صديقنا الطويلة كان شابا وسيما قادما من كفرالشيخ.. أزهرى يرتدى البنطلون والقميص ويحفظ أجزاء من القرآن الكريم ويرتله لنا ترتيلا كواحد من أسطوات القراءة العميقة.. خطفته الموسيقى والغناء والناس فاختار الغناء واختار كلماته لشعراء من أبناء جيله ومن ألحان أبناء جيله ليقدم تجربة تسعى إلى الاكتمال، استمد حضوره من هزات رأس المستمعين طربا وانتزاع ردودهم بكلمة الله، صوت متمكن يمتاز بالذكاء والوعى والحس المختلف.
رفض أن يرتدى ثوب الشيخ إمام أو يتمثل الفنان الكبير على الحجار وهو يعرف قيمة صوت محمد الحلو ولكنه لا يريد تكرار تجربته.. كان هو أحمد الطويلة وفقط.
عرفته المنتديات والسميعة واحتفى به الوسط الثقافى حتى أننى في حينها قرأت مقالا طويلا بالأهرام كتبه شاعر كبير من جيل السبعينيات عنوانه «أحمد الطويلة.. صوت طويل التيلة».. التقينا في القاهرة والإسماعيلية جلسنا على مقاهى وسط البلد.. بعدها بسنوات رتبت له نقابة الصحفيين حفلة على مسرح النقابة، ليفاجئ أحمد جمهوره بسهرة صوفية منشدا أصعب الألحان، أظن أن تلك الألحان كانت لنجم جديد يولد اسمه أحمد الصاوى ليذوب صوت الطويلة في أرواح مستمعيه.. يومها قلت إن الطريق والاختيار قد تبلور لدى مطربنا المفضل فها هو يحاول مشاغبة النقشبندى وتأكد لى ذلك عندما اختاره المخرج خالد يوسف لينشد في فيلم دكان شحاتة وبداخل مقام سيدنا الحسين ينشد راجيا مولاه وكان معه في المشهد الفنان محمود حميدة وهيفاء وهبي.
في ثورة يناير يبزغ نجم الطويلة من جديد ضيفًا على الفضائيات المصرية يرافقه الملحن الأسمر الموهوب أكرم مراد ينشدون حلمنا وحلم البلاد.
قلت وقتها لنفسي.. على بركة الله يافنان وغادرت مصر وغادر الطويلة إلى ما لا أعرف.. حتى رأيت غلاف الكتاب ممهورا باسمه.
لقد فعلها الفنان واعتكف.. المزاحمة في سوق الغناء تقصم الظهر وتحذف الموهبة.. قرر عدم الغناء واكتفى بالكتابة. عندما التقينا بعد سنوات غياب كان الشيب قد زحف إلى رأسه شأنه شأن كل جيل الثمانينيات والتسعينيات.. سألته عن الغناء أجاب بحسم: «انتهى».. ثم تحمس ليحكى لى عن الكتاب الجديد الذى يستعد لإصداره بعنوان «القرى وما حولها».. هو لن يتوقف عن الحكى عما يحب، فكان لا بد لى كلما تيسرت لى الفرصة أن أباغته بالسؤال عن الغناء.. أعرف أن هذا السؤال يؤلمه ولكن لا بد من طرحه.. الإجابات غامضة وغير مقنعة لمشاغب مثلي.. الطويلة واثق من سلامة حنجرته من سلامة مخارج حروفه من اكتمال أدواته كنجم كبير ولكنه لا يثق في سوق الغناء المصرى والعربي.
حكاية المطرب الذى قرر الاعتزال وهو في عنفوان عطائه الفنى هى حكاية جيل دهسته السنوات الرخوة لم يلحق بجيل الستينيات عندما كانت الدولة ترعى وتراعى ولها عينان للاكتشاف ولم يتفاهم ما بعد عام ٢٠٠٠ مع جيل الواى فاى وماكينة الدعاية المجانية لهم.
المواويل المسروقة والقرى وما حولها كتابات تحفر على الماء بحروف واضحة وعناوين تتساءل أين ذهب هذا الجيل؟!.