أصبح استخدام الوسائط المتعددة أحد أهم السمات الاتصالية المميزة للصحافة الإلكترونية، ومع التطور التكنولوجى تمكّنت المؤسسات الصحفية من استخدام عناصر عدة مثل الصوت والصورة والألوان والفيديو والإنفوجراف لتقديم مضمون صحفى متميز يجذب انتباه الجمهور، لهذا المضمون بعيدًا عن الأشكال التقليدية التى سادت لعقود، واتجه كثيرٌ من غُرف الأخبار بالصحف ومواقع الأخبار الإلكترونية إلى استحداث أقسام خاصة بالوسائط المتعددة Multimedia، وتبنّت بعضها نماذج واستراتيجيات حديثة في تقديم المضمون الصحفى مثل نموذج الإعلام المتقاطع Cross-media model.
فاستخدام الوسائط المتعددة عنصر مهم وأساس في جذب الانتباه للفن الصحفى وإدراكه بسهولة، لما تقدمه من إثراء وتعميق للمعلومات وتقديمها في إطار متكامل فعّال، لذا فقد أصبح من المآخذ ونقاط الضعف في الصحف الإلكترونية اليوم نشر الخبر أو الحدث دون وجود وسائل إيضاح متمثلة في الوسائط المتعددة.
ويعدّ مفهوم «الإعلام المتقاطع» Cross-Media أحد المفاهيم حديثة الظهور داخل غُرف الأخبار في كثيرٍ من المؤسسات الصحفية على مستوى العالم، والتى كان ظهورها كإحدى تبعات التطورات التكنولوجية المتلاحقة والمتسارعة في الوقت ذاته، وهم ما أدى إلى طرح التساؤلات المهمة حول طريقة إنتاج المحتوى الصحفى ونشره عبر المنصّات الإعلامية المختلفة، والتفكير في أساليب جديدة لإعداد المحتوى وتقديمه للمستخدمين، وخصوصًا بعدما تحول هؤلاء المستخدمون بفعل التحولات الرقمية من مجرد متلقين للمحتوى الإعلامى إلى محور أساسى وفاعل في العملية الإعلامية برمّتها، ومن ثمّ لم يعد التنافس الآن بين المؤسسات الصحفية على السبق الصحفي، بل أصبح الأمر يتعلق أكثر بطرق جذب الشريحة الأكبر من المستخدمين وزيادة نسبة تفاعلهم مع المحتوى الصحفى المعروض على المنصات الإلكترونية لهذه المؤسسات.
فقد حمل الاندماج الإعلامى تأثيرًا على استخدام الأفراد لوسائل الإعلام واستهلاكهم للأخبار، وهى التطورات التى دفعت لمراجعة الكثير من الأُطر النظرية المفسرة لعلاقة المتلقى بالوسيلة الإعلامية، ومن ثم اتجهت المؤسسات الإعلامية للاعتماد على الإنتاج والتوزيع والعرض العابر للوسائل Cross media Production، ما يدفع المستخدمين للتكيف مع ذلك وتكوين خليط من المحتوى من وسائل مختلفة يبنون من خلالها بيئاتهم الإعلامية الخاصة العابرة للوسائل أيضًا.
وبناءً على ذلك، فإن استخدام تقنية «الإعلام المتقاطع» في عرض المحتوى الصحفى لم يعد من باب الترف أو الرفاهية بالنسبة للمؤسسات الصحفية، بل إنه أصبح أداةً مهمة تستعين بها هذه المؤسسات لمواكبة التحولات المطردة في أساليب إنتاج المحتوى الصحفى في غُرف الأخبار العالمية.
في هذا الإطار، جاءت الدراسة المهمة للباحث حسين محمد ربيع مدرس الصحافة بالمعهد الدولى العالى للإعلام بأكاديمية الشروق المعنونة: «التوجهات الحديثة في تقديم المضمون الصحفى بالمواقع الإلكترونية المصرية: دراسة حالة لاستخدام تقنية الإعلام المتقاطع Cross-media في إنتاج القصص الصحفية المدفوعة بالبيانات».
يُطلق مفهوم الإعلام المتقاطع Cross Media على ِنِتَاجٍ معين أو على خدمة تمزج معطيات النص والصوت والصورة الفوتوغرافية والفيديو والإنفوجراف والرسوم والصور المتحركة، ويتجاوز هذا التعبير مجرد التعدد في استخدام الوسائط إلى فكرة الدمج بين هذه الوسائط وتكاملها بشكل يحقق جذب المتلقين، ويدفعهم للتعرض للمحتوى الإعلامى المقدم في هذه الرسائل الاتصالية، بالإضافة إلى إسهامها في بناء المعنى المراد توصيله إلى هؤلاء المتلقين.
ويُنظر إلى مصطلح «الإعلام المتقاطع» عادةً على أنه استخدام الوسائط التقليدية على نحو متبادل بطريقة مبتكرة، وهو عبارة عن أداة اتصال بما في ذلك قصة تشجعك على التبديل من وسيط إلى آخر والعودة، والنتيجة هى قيمة مضافة للمفهوم؛ حيث يمكن زيادة عمق القصة الخبرية وجعلها مثيرة للاهتمام.
والإعلام المتقاطع هو ببساطة عملية تواصل وتعاون لإنتاج الخبر وغيره من الفنون الصحفية، ثم المشاركة في نشر المحتوى على عدة منصات إخبارية بطريقة متكاملة كى تصل إلى مختلف القراء والمشاهدين.
ومن المفاهيم المتعددة للإعلام المتقاطع يتضح أنه يتضمن جانبين على قدر من الأهمية، الجانب الأول هو عملية إنتاج المحتوى الصحفى والتى تبدأ من الفكرة التى يقدمها المحرر الصحفى مرورًا بجمع المعلومات من مختلف المصادر وتنظيمها، وإجراء المقابلات، وتصوير الفيديو، والتقاط الصور الفوتوغرافية، وتحرير الصوت والفيديو، وانتهاءً بكتابة القصة الصحفية تمهيدًا للنشر، أما الجانب الآخر فيتعلق بطريقة عرض المحتوى عبر المنصات الإعلامية المتنوعة بشكل يحقق التكامل بحيث يصبح من الصعب الاستغناء عن إحداها، وعملية عرض المحتوى تحتاج إلى عناية كبيرة من قبل غرفة الأخبار لأن الإخفاق في اختيار الطريقة الأنسب لعرض المحتوى قد تدمر المحتوى ذاته.
ولعل أقوى بصمات وتأثيرات الوسائط المتعددة في المجتمعات هو التزاوج والاندماج بين وسائل الاتصال، ما أتاح نشر وجمع المعلومات بمستوى عالٍ من الدقة والسرعة للمستفيدين منها، بل يمكن القول إن وسائل الإعلام وجدت نفسها مجبرة على التكيف مع طبيعة هذه الوسائط. وقد تطور مفهوم الوسائط المتعددة من مجرد تعدد الوسائط المستخدمة بشكل متتابع أو متزامن إلى فكرة الدمج بين هذه الوسائط وتكاملها لتتيح للمتلقى التفاعل والتحكم في عملية التلقي.
وعلى مستوى الجمهور، ففى ظل تبعات التطور التكنولوجى المتسارع والذى قاد إلى الاندماج الإعلامي، أصبح الجمهور محور عمليات إنتاج المحتوى، نتيجة ظهور مفهوم الجمهور النشط Active User الذى غيّر كثيرًا في مفاهيم تحكم الصحفيين بالأخبار المنشورة، حيث بات الجمهور قادرًا على منح درجات من الظهور لأخبار دون غيرها، عن طريق مشاركاتهم الفعالة على موضوعات دون أخرى، فإذا كان بمقدور الصحفى نشر موضوع ما، فيمكن للجمهور أن يتجاهلوه ويحرموه فرص الوصول إلى العشرات في ظل بيئة إخبارية جديدة تعتمد فيها الترشيحات على معدل تفاعل المستخدمين مع المحتوى.
ويشير واقع الاستهلاك الإعلامى إلى أن الجمهور لا يميل إلى الانتقال من استخدام وسيلة إلى أخرى، ولكنه يتجه إلى استخدام أكثر من وسيلة لاستقاء الأخبار بأنماطها المختلفة، فقدرة الأفراد على الدخول للمحتوى من خلال منصات أو أدوات متعددة أثرت في استخدامهم لذلك المحتوى وتوقعاتهم من هذا الاندماج، كما أصبحت الأجهزة المدمجة سوقًا ضخمة منحت الناس قدرة الدخول على أنواع مختلفة من المحتوى.
وتحت وطأة هذا التطور الملحوظ والتغيّر الواضح في كل من الوسائط المتعددة التى أصبحت سمةً غالبة في غرف الأخبار خلال السنوات الأخيرة في وسائل الإعلام العالمية، وطبيعة الجمهور وتطور عادات التلقى لديه والتفاعل مع المضمون الإعلامي، لجأت غرف الأخبار المحلية مضطرة إلى استخدام طرق وأساليب جديدة مستوحاة من تجارب الغرف العالمية، سواء على مستوى إنتاج المحتوى الصحفى أو طريقة عرضه وتقديمه للجمهور. وكانت مجموعة «أونا» للصحافة والنشر إحدى المؤسسات الصحفية التى حاولت مسايرة الاتجاهات العالمية في هذا الشأن من خلال اهتمامها بصحافة البيانات وعرضها بطريقة الإعلام المتقاطع.
ونستعرض في الأسبوع المقبل مدخلًا جديدًا لتطوير المحتوى الصحفى.