أصبحت العولمة (Globalization)، هى السمة المميزة للعصر الحالي. ولقد ساعدت الثورة الحديثة في الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، في إمكانية قياس أداء المؤسسات التعليمية في الإنتاج المعرفى والبحث العلمى ومقارنتها بمثيلاتها على المستوى الدولي، وهذا ما يظهر دوريًا في شكل ترتيب للجامعات العالمية.
وحسب المعدل العالمى لعدد الجامعات، مقارنة بتعداد السكان، فإن مصر بحاجة إلى ٤٠ جامعة جديدة (على الأقل)، بحلول عام ٢٠٣٠، وهو ما تسعى إلى تحقيقه وزارة التعليم العالى المصرية.
ومع إنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، فقد تم التخطيط لأن تكون مقصدا لإنشاء أفرع جديدة للجامعات الدولية المرموقة. وقد سعدت عندما قرأت أن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة لندن، وهى إحدى أهم كليات الاقتصاد والعلوم السياسية في العالم، قد وقعت مع الدكتور محمود عبد القادر مؤسس الجامعة الأوروبية في مصر، يوم الثلاثاء الموافق ١٠ سبتمبر ٢٠١٩، اتفاقا يقضى بافتتاح فرع لها بالعاصمة الإدارية الجديدة.
وتاريخيا، كانت مصر قلعة علمية ومقصدا للباحثين عن المعرفة في كل العصور القديمة. ولكن حدث تدهور ملحوظ في الاهتمام بالتعليم، خاصة تحت حكم الخلافة العثمانية من القرن السادس عشر إلى بداية القرن التاسع عشر. حتى تولى محمد على باشا، مؤسس مصر الحديثة، الحكم في سنة ١٨٠٥، وبدأ التخطيط لإحداث نهضة علمية كبرى. وقرر الاستعانة بالخبرات الأوروبية لإنشاء المدارس والجامعات.
وبعد وفاة محمد على باشا في ٢ أغسطس ١٨٤٩، قل الاهتمام بالتعليم، وزاد الإهمال والتهميش بعد الاحتلال البريطانى لمصر سنة ١٨٨٢. وفى مطلع القرن العشرين، وبعد حملة مطالبة شعبية واسعة لإنشاء جامعة أهلية حديثة، فقد تأسست الجامعة المصرية في 21 ديسمبر 1908، ثم تغير اسمها إلى جامعة فؤاد الأول سنة 1940. وبعد ثورة يوليو سنة ١٩٥٢، تم تغيير الاسم إلى جامعة القاهرة.
ولكى تتمكن الجامعة المصرية من إعداد نواة لهيئة التدريس بها، فقد قامت بإرسال البعثات إلى جامعات أوروبا للحصول على الدكتوراة والعودة لتدريس العلوم الحديثة والآداب. وكان على رأس هؤلاء المبعوثين الدكتور طه حسين.
ومع أن انفتاح الجامعة المصرية على جامعات أوروبا لم يتوقف منذ إنشائها، إلا أن فرص التعليم الجامعى كانت نادرة ومحصورة في طبقة معينة قبل ثورة يوليو، إلى أن قام الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، بجعل التعليم مجانيا في كل مراحله ومتاحا لكل أبناء الشعب المصرى في ستينيات القرن الماضي.
وبعد هزيمة ١٩٦٧، حدث تراجع واضح للبعثات، وانغلقت الجامعات المصرية على نفسها، حتى تم النصر العظيم في أكتوبر ١٩٧٣. وبعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة ١٩٧٩، أقدمت الجامعات الأمريكية والأوروبية على منح الجامعات المصرية أعدادا كبيرة من المنح الدراسية تحت مسمى «منح السلام». وبالفعل سافرت أعداد كبيرة من الجامعات المصرية، ولكن حال الفارق الكبير في مستوى التعليم والبحث العلمي، بين الجامعات الغربية والجامعات المصرية، دون عودة معظم المبتعثين إلى أرض الوطن، أو نزوحهم إلى جامعات الخليج العربى بعد عودتهم إلى مصر، وهو ما زال قائما حتى اليوم.
وفى منتصف التسعينيات، ومع حدوث معدل نمو اقتصادى جيد، بدأت وزارة التعليم العالى المصرية خطة طموحة للبعثات إلى جامعات العالم المتقدم. ولكن استمر عزوف المبتعثين المصريين عن العودة إلى الجامعات المصرية لعدم توفر البيئة المناسبة للإبداع والبحث العلمي.
وفى عام ٢٠٠٥، قرر الوزير هانى هلال، تطوير التعليم العالى والبحث العلمى، وذلك بالسماح للجامعات المصرية بعقد اتفاقيات شراكة واسعة مع الجامعات الدولية، وفتح الباب لإنشاء برامج حديثة ومتطورة ومتميزة داخل الجامعات المصرية، تحت اسم «البرامج المتميزة». وسمح للجامعات الحكومية بتحصيل رسوم دراسية للحفاظ على جودة تلك البرامج ولتطوير البرامج التقليدية، وتحسين بيئة العمل في الجامعات المصرية.
وكان من حسن حظ جامعة المنصورة وكلية الطب، أنها بدأت في سنة ٢٠٠٦ برنامج «المنصورة مانشستر» للتعليم الطبي، كأول برنامج تعليم طبى مصرى بشراكة كاملة مع جامعة مانشستر الإنجليزية. ومنذ العام الدراسي الأول أحدث البرنامج نقلة نوعية جديدة في التعليم الطبي، ليس فقط في جامعة المنصورة، ولكن في باقى الجامعات المصرية، وساعد على اجتذاب أعداد متزايدة من الطلاب الوافدين. ورغم المقاومة الشديدة التى واجهت البرامج المتميزة عند بدايتها، إلا أنها كانت البداية الحقيقية لتدويل التعليم وإحداث شراكة حقيقية مع الجامعات الدولية.
وبعد عشر سنوات من بداية برنامج «المنصورة مانشستر»، قامت جامعة الجيزة الجديدة (جامعة خاصة)، بإنشاء برنامج تعليم طبى مع جامعة لندن. وانتشرت الفكرة وأصبح هناك برامج متميزة في معظم الجامعات المصرية، وبشراكة وطيدة وتبادل خبرات مع جامعات دولية مرموقة.
ومع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي إستراتيجية جديدة لإحداث نهضة مصرية شاملة، (إستراتيجية مصر ٢٠٣٠)، اشترط عقد شراكة كاملة بين البرامج المصرية الجديدة وإحدى الجامعات الدولية المتقدمة في الترتيب والسمعة الأكاديمية، كشرط للسماح لها ببدء الدراسة. وكان لهذا القرار أكبر الأثر في وضع الجامعات المصرية على الخريطة الدولية، وحدث تحسن كبير في ترتيب معظم الجامعات المصرية في الترتيب الدولى للجامعات، وأصبحت لأول مرة خمس جامعات مصرية هى (القاهرة وعين شمس والإسكندرية والمنصورة والزقازيق)، من أحسن ألف جامعة في الترتيب العالمى لأكثر من ٣٠ ألف جامعة، حسب أحدث ترتيب لمؤسسة «شنغهاى» الصينية.
ومع موافقة جامعات أوروبية (إنجليزية وإيطالية وألمانية وفرنسية ومجرية)، وكذلك جامعات صينيه وكندية وأمريكية ويابانية، على افتتاح أفرع جديدة لها في العاصمة الإدارية الجديدة، تكون مصر قد حققت نهضة علمية لم تحققها من قبل. وتكون الجامعات المصرية قد حققت انفتاحا غير مسبوق على العالم، يساعدها على مواكبة التطور المذهل في التعليم والبحث العلمي. والمخطط أن تصبح مصر منافسا قويا في سوق التعليم الدولي، ومركزا لجذب الطلاب الوافدين وإعادة الطيور المهاجرة من العقول المصرية المغتربة إلى أرض الوطن. ومن المأمول أن يصبح التعليم مصدرا للدخل القومى المصرى، ومحركا للاقتصاد المبنى على المعرفة، وأن تعود مصر إلى الصدارة التى تستحقها كمركز دولى للريادة العلمية في عصر العولمة والتنافسية والثورة التكنولوجية الحديثة.
بارك الله في جهود المصريين.. وحقق آمالهم وتطلعاتهم إلى غد أفضل للأجيال القادمة.