بعد سقوط الدولة العثمانية «رجل أوروبا المريض»، وانتشار الاحتلال الغربى لكثير من الدول العربية، كثرت التحديات على الساحة الدولية لدول الاحتلال بظهور النازية والفاشية، وأيقنت بريطانيا وفرنسا، وكانتا تحتلان دولا كثيرة في الوطن العربى، أنهما تقتربان من النهاية في سياساتهما الاستعمارية، فأرادت بريطانيا أن تكون الفترة المتبقية لها في هذه البلدان تحمل هدفين، أولهما أن تمضى هذه الفترة بهدوء، وذلك بإيهام العرب أنها تسعى لمصالحهم، وذلك بدعوتهم على لسان إيدن وزير خارجية بريطانية -آن ذاك- في (٢٩ مايو ١٩٤١م)، بموافقة بلاده على تقديم المساعدة للدول العربية في إنشاء كيان يوحدهم ويرعى مصالحهم، وفى نفس الوقت ينشغلون بالموضوع الجديد عن المشكلة الأساسية، وهى أنهم محتلون لتتفرغ للتحديات والتهديدات الجديدة التى تواجهها داخل أوروبا نفسها، والتى بدأت تظهر بوادرها في الأفق بظهور النازية والفاشية، الهدف الثانى أنها تدرك أن تجمُّع العرب سيمنحهم القوة، والتى لن تسمح بعد مغادرة بريطانيا وفرنسا باحتلالهما من قوة أخرى، وخصوصا النازية.
وعلى آثار تصريح إيدن وبعدها بفترة قصيرة. قام رئيس الوزراء المصرى حينها (مصطفى النحاس باشا)، بإلقاء خطبة في مجلس الشيوخ، حول السعى المصرى لقيام وحدة عربية، ثم تزامن معه تصريح ملك الأردن وقتها الملك عبد الله الأول، حول عقد النية لإقامة كيان عربى موحد. وبدأ الحراك الرسمى في (٥ سبتمبر عام ١٩٤٢م)، بالدعوة المصرية لكل من السعودية، والعراق، واليمن، ولبنان، وشرق الأردن، وسوريا.. إضافة إلى وفد فلسطينى لعقد مشاورات الوحدة العربية، وتم عقد جلسات المباحثات لمدة أسبوعين في الإسكندرية لصياغة ما عرف بعدها ببروتوكول الإسكندرية. وينص على تكوين جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التى تقبل الانضمام إليها، شريطة التحدث بالعربية، والحقيقة أنه وقع خلاف على تعريف الدول التى يسمح لها بالانضمام في بادئ الأمر، وكان يقترح أنها تكون دولة ناطقة بالعربية مسلمة، ثم كان هذا الشرط يتعارض مع وجود لبنان، ثم جعلوها ناطقة بالعربية فقط، وبعد ذلك انضمت دول لا تنطق بالعربية كالصومال، وموريتانيا، لكن مجلس الجامعة اعتبرها دولا شقيقة أصيلة، فانتفى الشرط الأول أيضًا، وفى النهاية وبعد أسبوعين من المداولات توصلوا إلى صيغة نهائية لبروتوكول الإسكندرية.. والذى ينص على مراعاة تنفيذ ما تبرمه هذه الدول فيما بينها من اتفاقات. تنسيق الخطط السياسية بين الدول المشاركة لتحقيق التعاون بينها. صيانة استقلال الدول المنضمة وحمايتها من أى اعتداء بكل الوسائل الممكنة. النظر بصفة عامة في شئون البلاد العربية ومصالحها. تسوية المنازعات بين الدول العربية. تسوية المنازعات بين الدول العربية والدول الأجنبية...... إلخ.
والحقيقة التى ظهرت فيما بعد أن بريطانيا أرادت من وراء هذا التصريح الموافقة على إنشاء كيان موحد للدول العربية، وأن تلقى بالعرب في بحر من الخلافات فيما بينهم، بعد أن ظهرت بعض الحركات التحررية العربية والداعية إلى الوحدة، والتى بدأت تحدث اضطرابات لم تكن بريطانيا وفرنسا تتحملهما في ذلك الوقت، وهو ما دعاهما أيضا إلى إطلاق الوعود الزائفة إلى قادة البلدان المحتلة بالاستقلال بعد أن ينتصروا في الحرب العالمية الثانية، ولكن حنثت هاتان الدولتان بوعودهما، ولم تتركا الدول العربية إلا غصبا، وبعد أن وجدتا أن الاحتلال أصبح دون جدوى. وهكذا ولدت الجامعة العربية أثناء الاستعمار الأجنبى، وبموافقته وتحت رعايته، وذلك تجنبا لأن تولد بعيدة عنه ويفقد السيطرة عليها، ولكن من المحزن أن الجامعة العربية لم تقم بالدور المنوط بها حتى وقتنا هذا، ولم تُفعل اتفاقاتها حتى الآن، ولعل من أهم الأسباب هو وقوع بعض الدول أو معظم الدول تحت براثن احتلال من نوع آخر، وهو الاحتلال عن بُعد، بالتدخل لوضع قادة للدول العربية ليكون ولاؤهم لهذه الدول الكبرى، ويتم تحويل خيرات هذه البلاد إليها دون احتلال، وكذلك توجيههم إلى نبذ التعاون العربى، وعدم تنفيذ الاتفاقيات العربية المشتركة، ووضع الخلافات المستديمة بين البلدان العربية خشية اتحادهم، وعند اتحادهم تكون الدولة العربية المتحدة أقوى دول العالم اقتصاديًا بكل المقومات الطبيعية والبشرية، وتحكمها في معظم بترول العالم، وأهم المضايق البحرية وطرق التجارة يجعل منها أهم وأقوى دول العالم، ولكن الأمر يحتاج إلى الإرادة القوية من العرب والابتعاد عن من يفرقهم والاقتراب مما يجمعهم..... وللحديث بقية.