السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

القليوبية ومذبحة الأشجار!!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
على حافتيه نمت وترعرعت أشجارُ الكافور الضخمة باسقة الأغصان، كانت أعطافُ تلك الأشجار كلما هب النسيم تتحرك وتتمايل تمايل النشوان، اصطفت على أغصان تلك الأشجار أنواعٌ من الطيور مختلفة الأشكال اعتادت أن تصدح بأغاريدها التى تطرب لها النفس، ويطمئن إليها الفؤاد، وفى منظر عجيب التقت أغصانُ تلك الأشجار من أعلى التقاء جعل من يرنو إليها بناظريه يظنُ أنه يخترق أنبوبًا لا يصل إلى نهايته.

نبتت بجوار تلك الأشجار (نجيلة) خضراء كانت أشبه ببسط سندسية، اعتاد الناس الجلوس عليها تنعما بظلال تلك الأشجار، وجمال الخضرة ومنظر الماء بالرياح التوفيقى، الذى جرت على صفحته قواربُ للصيد أو لنقل الناس من بر إلى بر.
وفجأة ودون سابق إنذار امتدت إلى تلك اللوحة الساحرة يدٌ لا تُجيد فن الرسم فطمست معالمها وشوهت جمالها، إذ قامت بقطع تلك الأشجار بحجة أنها بلغت أرذل العمر، وصارت تُهدد المارة والسيارات على خطى (12)، والطريق الموازى له والذى يربط بين مدينة بنها والقناطر الخيرية مرورا بالعديد من القري.
ولو سلمنا بصحة ما يدعيه المتسببون في تلك المذبحة من أن تلك الأشجار قد تجاوزت عمرها الافتراضي، وأنها صارت مصدر خطورة، فإن السؤال: لماذا تقاعسوا تلك الفترة الطويلة عن زراعة أشجار جديدة لتحل محل القديمة؟
ولماذا تفتقر قراراتُ كثير من المسئولين إلى التخطيط الجيد والدراسات المُسبقة؟
لماذا لا يكون التحركُ واستنفار القوى واستنهاض الهمم إلا بعد وقوع الكوارث؟
إن أزمتنا أننا نؤصل لنظرية (التفاضل) ونطعن نظرية التكامل بسكين بارد، بمعنى أن اللاحق لا يُكمل ما بدأه السابق؛ ظنا أن ذلك عيبٌ، فينبرى يهدم أفكار وتصورات من سبقه، غير مُكترث بما أنفق عليها من جهد ومال، ويبدأ هو من جديد، والنتيجة أننا نظلُ (محلك سر) أو قفزة في المكان!
ولله در من قال: متى يبلغُ البنيانُ يومًا تمامه.......إذا كنت تبنى وغيرُك يهدم؟
إن نهضتنا كأمة لن تكون إلا إذا غلبنا مصلحة العامة على مصلحة الفرد، وتقلص مفهومُ (الأنا) وانزوت النرجسية، وتعاظم مفهومُ المواطنة والانتماء.
إن كثيرا من دعاة الإصلاح والمُنظرين يرفعون شعار (فيها لأخفيها)، والمعنى أنه ربما وصل الواحد منهم ليله بنهاره يُبرز محاسن مشروع ما، ويعدد مناقبه؛ على أمل أن تُسند إليه مهمة إدارته، فإذا اختير غيرُه لهذا الأمر، سقط عن وجهه القناع، وصار ألد أعداء ذلك المشروع، الكاشفين عن مساوئه وعيوبه، الصابين عليه جام غضبهم، رغم أنهم كانوا بالأمس القريب حاملى لواءه المروجين له!
إن مذبحة الأشجار تلك التى وقعت على جانبى الرياح التوفيقى بمحافظة القليوبية تحديدا وتحدث في شتى أنحاء مصر جريمةٌ في حق وطن أسند مهمة إدارة المرافق والمنشآت والمتنزهات إلى أشخاص أغفلوا دورهم، وبدلا من أن يحرصوا على جمال مصر أسهموا في إفساد ثرواتها وتقبيح صورتها، وإذبال نضارتها.
إن قطع هذه الأشجار بتلك الصورة- بالإضافة إلى أنه يهدد بانهدام الجسر على حافتى الرياح التوفيقي، وتصدع الطرق وكثرة الحوادث - حوَّل الأرض على حافتى ذلك المجرى المائى إلى مقالب للقمامة، والحيوانات النافقة، التى زادت من تلوث البيئة وتشويه صورة المكان.
إن المسئولية تقتضى من الأستاذ الدكتور محافظ القليوبية، الجاد محاسبة المسئولين عن تلك المذبحة البشعة، التى تلتها منذ أيام قليلة مذبحة جديدة لفسائل وورود زرعها المواطنون على حافة الرياح التوفيقى بعدة قرى؛ لتجميل المكان، حيث يؤكد إصرارهم على تلك المذابح أنهم أعداء الجمال وأنصار القبح.