الخلاف هو التضاد وعدم توافق قد يؤدى إلى الاحتكاك أو التصادم بين طرفين أو أكثر، وهذه الأطراف يمكن أن تكون عبارة عن أفراد أو مجموعات أو دول، وينشأ الخلاف حينما يكون لكل فرد استقلالية ذاتية وله قيم واحتياجات ورغبات تختلف عن قيم واحتياجات ورغبات الآخرين، فينشأ خلاف بين طرفين يعتقد كل طرف منهما أنه هو الأصح والأكثر موضوعية.
أما الاختلاف فهو سُنة الله في خلقه منذ البداية وحتى النهاية، لأنه بهذا الاختلاف يُعرف التضاد وتُدرك التناقضات، فالاختلاف هو تلك التعددية التى تمثلت في فلسفة الثنائية التى تحتوى الكون وتُسير الحياة، فالاختلاف يسيطر على حياة الإنسان طوال الوقت، فهناك اختلاف بين الرجل والمرأة ومع ذلك بدون أي منهما لا تستمر الحياة، والاختلاف بين الإنسان وغيره من المخلوقات حتى تتكامل الحياة، والاختلاف ليس نوعيًا فقط بين الرجل والمرأة بل كل رجل وكل امرأة لهم سمات وشخصية مختلفة، فلكل شخصيته وفكره ومبادئه ودينه وبصمته وجيناته، إذن فالاختلاف سُنة كونية وإرادة إلهية لا فكاك منها وعلى هذا سارت الحياة ومازالت وستظل إلى أبد الآبدين.
فلماذا الخلاف إذن؟ نقول مثلًا إذا اختلف معك أبوك أو أخوك في طعام تحبه وهما لا يحبانه فهل هنا يجب أن يحدث خلاف لا نهاية له؟! حيث يصر كل واحد على الطعام الذى يحبه؟! هل لو اختلف أحد معك في موقفك السياسى أو عقيدتك الدينية يجب أن تقوم الحروب أو تتفاقم الصدامات وتستحيل الحياة؟! هل هذه هى إرادة الله أم هذا سلوك ومصالح بشر وجماعات وتنظيمات ودول يحاول كل منها أن يوهم أتباعه أنه هو الحق وغيره الباطل وعلى طول الخط؟ فالاختلاف في الدين حكمة وإرادة إلهية أرادها الله لحكمة يراها في تسيير الحياة ليمارس الإنسان حريته ويُعمل عقله ويشحذ فكره على اعتبار أنه هو سيد هذا الكون الذى فضله الله على سائر المخلوقات «لو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين»، وعلى هذا لا بد أن يكون «من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ولذا لا بد من التعددية حتى يمارس الإنسان حريته في أن يؤمن بما يكفر به الآخر والعكس صحيح، ولم يترك الله هذه التعددية وتلك الحرية لأحكام ومصالح وأهواء بشرية تتاجر بنعمة الحرية هذه فقال «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد».
فقد وضع الله سبحانه وتعالى منهج وماهية وحكمة هذا الاختلاف بضوابط حتى لا يكون هذا الاختلاف نقمة على البشرية كلها فقال:
«لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، فإذا كان الاختلاف في العقيدة الدينية محكوم بتلك الضوابط الإلهية فلماذا الصراع في الاختلاف الدينى والسياسى والاجتماعي وفى كل مناحى الحياة حتى جعلنا الحياة قاسية في الإطار الإنسانى والدينى اللذين من المفترض أن يخففا من قسوة الحياة السياسية والاقتصادية وكل المشكلات الحياتية؟!
قال لطفى السيد مقولة شهيرة وهى «أن الاختلاف في الرأى لا يفسد للود قضية» فالاختلاف هو النقيض للآخر لكن لا يجب أن يكون هذا التناقض سببًا في إفساد الود الإنسانى والبشرى بين بنى الإنسان، وهنا لا بد أن نعى أن الاختلاف نعمة وليس نقمة على الإطلاق، فماذا لو كان هناك نهار بلا ليل رغم الحاجة القصوى للشمس؟ ماذا لو كان الطعام صنفًا واحدًا لا يتغير؟ فحالات الاختلاف ستبقى قائمة في أى مجتمع مهما بلغ هذا المجتمع من تقدم اجتماعي وسياسى ومن تفوق علمى وحضارى ولكن لا يجب أن تكون عناصر الاختلاف السائدة فيه متأزمة إلى حد يدفع لحدوث حروب، ولذا لا بد أن نأخذ خلاصات تجسيد فكرة المواطنة الحقيقية بين الجميع والتى تصون حقوق جميع المواطنين في البلاد بغض النظر عن أصولهم أو عقائدهم الدينية أو اختلافاتهم الجغرافية، كما لا يجب الانحباس في خنادق فكرية تخيلًا أن هذه الخندقة تحمى من مخاطر الفكر الآخر، فهذه الخندقة الفكرية وذلك الانحباس ينفى ويُسقط قيمة الحوار الذى هو الوسيط والوسيلة الأمثل للوصول إلى المتفق والمشترك بين الأفكار والآراء، مع العلم أن الحوار لا يعنى الاتفاق الكامل أو الاستنساخ الفكرى بل هو الذى يحدد الاختلاف ويضبط المصطلحات ويعطى الفرصة لكل طرف في أن يعرض فكره ويوضح موقفه بعيدًا عن التخيلات والمواقف المسبقة التى يتصورها كل طرف عن الآخر وهى لا علاقة لها بصحيح الأمور بقدر ما لها من علاقة بتأكيد الذات وإثبات صحة مواقفها وحسن فكرها وانتصارها على الآخر، ولذا فالأمم المتقدمة والمتحضرة هى التى تعتبر أن الاختلاف حقيقة لا يمكن التنصل منها، ولكن وهذا هو الأهم أن هذه الحقيقة لا بد التعامل معها في إطار التعددية البشرية والتنوع الفكرى والحرية الدينية، وهذا غير الخلاف الذى دائما ما يفسد كل الود.
مصر دولة حضارية آمنت بالتعددية وقبلت الآخر من كل الأجناس حتى آن آخر العالم كله جاء إلى مصر وعاش وتمصر وانصهر في بوتقتها مما جعل مصر عصية على استغلال عوامل الاختلاف على مر التاريخ والعصور، وسيظل الاختلاف والتعددية قيمة كبرى تستمد منها مصر قوتها وصلابتها ووحدتها فلا تتركوا الفرصة للذين يحاولون استغلال الاختلاف حتى تصبح وتظل مصر وطنًا لكل المصريين.