حزنت لرحيل المخرج اللبنانى الكبير سيمون أسمر، المُلقب بصانع النجوم.. وبوفاته فقدت الأمة أحد أهم القامات الصانعة للمبدعين..وهو من أهم من صاغوا التاريخ الحديث للفن والإبداع في لبنان.. فقد كان من رواد العمل الإعلامى في المنطقة العربية، وقدم عشرات البرامج التليفزيونية والإذاعية الشهيرة في السياسة والثقافة والترفيه.. وكان أسمر متفردًا في تخصصه في إعداد وإخراج وإنتاج برامج المنوعات، وفى كيفية تبنى المواهب وصناعتها.. وقد بدأ حياته العملية مبكرًا، حيث كان يدرس الإخراج في باريس، واكتشف القائمون على تليفزيون لبنان موهبته، فأعطوه الفرصة قبل أن ينهى دراسته.. وكان هو ملمًا ودارسًا للعديد من المجالات المرتبطة بصناعة الإبداع والمبدعين، حيث درس الفنون والإلكترونيات، وإعداد وإخراج البرامج، وهندسة الصوت، وإعداد الفنانين.. أما أهم الخطوات في حياته العملية، فكانت إطلاقه لبرنامجه الفنى الأشهر «ستوديو الفن» عام1972، والذى كان الأول من نوعه في الوطن العربى في مجال اكتشاف المواهب، وقدم للعالم العربى من خلاله أهم المبدعين، وعلى رأسهم الرائعة ماجدة الرومى، والمبدع وليد توفيق وأغلب المطربين اللبنانين، بالإضافة للكثير من الإعلاميين مثل نضال الأحمدية ونيشان وغيرهم في شتى المجالات الإبداعية، كالعزف والرقص والشعر وعروض الأزياء.. وأمتد هذا البرنامج على مدى سنوات، وأسس من خلاله أول شركة إنتاج تليفزيونى فنى في لبنان والعالم العربي، وهى شركة استوديو الفن، والتى كان شريكًا فيها ورئيسًا لمجلس إدارتها.. وهو من أطلق فكرة نهر الفنون، والتى كانت أكبر تجمع سياحى فني، يدعم من خلاله الفنانين ويقدمهم في أجمل صورة.. وبحكم موهبته ودراسته وخبرته، كان يعلم معادلة النجاح، وله نظرة ثاقبة في اكتشاف النجوم، وكيفية توجيههم وتبنيهم من جميع النواحى شكلًا وموضوعًا.. ومن حسن حظى كانت تربطنى به علاقة طيبة.. فقد عرفته منذ عام 2002، بعد أن تم اختيارى للانضمام للجنة تحكيم النسخة المصرية من «إستوديو الفن».. كان الموقف مهيبًا لى، أن أكون وسط أكبر المبدعين وأشهرهم في أغلب المجالات الإبداعية في مصر، بدءًا من الفنانة الشاملة ونجمة الفوازير التى تربينا على إبداعتها الرائعة نيللى، والإعلامية الكبيرة سناء منصور، والعازف الشهير صوليست الفيولينة وأستاذى د.حسن شرارة، والشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى، والذى اعتذر في بدايات البرنامج، ليكمل مكانه شاعرى المفضل المبدع سيد حجاب، والملحن الكبير صلاح الشرنوبى، والموزع الشهير طارق مدكور، وملكة الجمال المذيعة أمينة شلباية، والمخرج عاطف عوض عميد معهد الباليه الحالى، وأستاذة الغناء الأوبرالى د.نيفين علوبة.. والفنانة الجميلة صاحبة الأداء التمثيلى الراقى شيرين، وهم من شرُفت بصحبتهم خلال العامين اللذين تم خلالهما تصوير حلقات البرنامج، ثم استمتعت بصداقتهم بعد ذلك.. وكنت أمثل الرأى الأكاديمى والشبابى، حيث كنت قد عُينت حديثًا كمعيدة في الكونسرفتوار..وكان المخرج الكبير سيمون أسمر بتشجيعه الدائم وكلماته الداعمة وتواضعه الجم، سببًا في إزالة التوتر الذى استشعرته في البداية، وأنا أجلس ضمن هؤلاء القامات ذوى الخبرات والتاريخ الطويل، لأُقيم معهم مواهب العشرات ممن يكبروننى سنًا في بعض الأحيان.. وكنت أستمتع بحواره وكلماته ونصائحه، قبل التصوير وخلال فترات الراحة، حيث كانت كل حلقة يستغرق تصويرها عدة ساعات.. والجميل في هذا الرجل أنه بعد توقف البرنامج في مصر، بسبب بعض المشكلات الإنتاجية، كنت أتفاجأ بين الحين والآخر باتصال تليفونى منه.. ولكن حالت الظروف والأيام بيننا بسبب مساوئ التكنولوجيا والتليفونات الحديثة والتى تُمحى أحيانا الذكريات والأرقام، وتُفقدنا التواصل مع المعارف والأصدقاء، فقدت رقمه الخاص وانقطعت صلتنا في الأعوام الأخيرة.. وعرفت مصادفة الابتلاءات التى مرت به، والتى بدأت عام 2013، عندما عثر على شاب مقتولا كان يعمل في أحد المطاعم التى يمتلكها المبدع الكبير، وتمّ استدعاؤه للتحقيق معه، بعد أن تبيّن أنّ الشاب كان يبتزه بمبالغ مالية كبيرة، ورغم أن التحقيقات أثبتت أنه ليس له علاقة بالجريمة، إلا أنّه تم التحفظ عليه، بعد أن تبيّن وجود بلاغات ضده بشيكات دون رصيد، نظرًا لمروره بضائقة مالية شديدة، فتم سجنه عشرة أشهر.. وبكل ما تحمله الصحافة الصفراء من وقاحة وتجاهل للقيم، وتفضيل للسبق الصحفى على أى اعتبارات أخلاقية وإنسانية، تمّ تسريب صورة له من داخل السجن وهو نائم، مما انعكس على نفسيته وصحته التى ساءت إثر ذلك بشكل كبير، وتعرّض لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى..ويقال إنّ صحته تدهورت منذ دخوله السجن، وقام ببيع منزله الذى كان يبلغ سعره ستة ملايين دولار، وساعده أحد رجال الأعمال في سداد ديونه للخروج من السجن.. ورغم هذه المحنة القاسية التى واجهها بصبر وصلابة، لم يستسلم وعاد مرة أخرى للإبداع، ولكنه منذ ذلك الحين أصبح يعانى من مشكلات صحية.. ربما أراد الله أن ينقيه في أعوامه الأخيرة، بهذه المحن التى تحملها دون أن يجزع، لأن الله تعالى يعلم ما كان يتمتع به، من طيبة ورقة وروح سامية وقلب نقى ومساعدة للآخرين.. رحم الله هذا المبدع والإنسان الراقى، والذى طالما أمتعنا بإبداعاته واكتشافاته وصناعته ودعمه للنجوم..ورغم أننى أشعر بالذنب والتقصير تجاهه، ولكن لعل حبى ودعواتى المخلصة تصله الآن وهو بين أيادى أرحم الراحمين.
آراء حرة
وداعًا سيمون أسمر.. صانع الإبداع والمبدعين
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق