في بداية كل عام دراسى كان تلاميذى يفاجأون بكتابتى لثلاثة تواريخ على السبورة، الميلادى والهجرى والتاريخ الثالث المختلف الذى لا يعرفون عنه شيئًا، تاريخ يثير أسئلتهم ويفتح الطريق أمامى لتحقيق هدفى الذى لا يختلف عن الأهداف الوجدانية للتعليم بشكل عام وهى خلق جيل متعلم وواثق بنفسه، معتزٌ بوطنه وتاريخه وقيمه وأخلاقه. كنت أجيبهم بأنه التاريخ الفرعونى وهو الأقدم على الإطلاق في تاريخ البشرية، هو أبوالتقاويم. كانوا ينبهرون حينما يعرفون أن العام الفرعونى ليس اثنى عشر شهرًا بل ثلاثة عشر شهرًا وأن الشهر الثالث عشر يطلق عليه (النسىْ) أو الشهر الصغير لأنه أقصر شهر في الدنيا ويتكون من خمسة أيام أو ستة وهو يضبط التقويم حسب السنة أيضا إن كانت كبيسة أو بسيطة ولذا تبدأ السنة الجديدة يوم 11 سبتمبر أو 12 سبتمبر كل أريع سنوات. وتبدأ بشهر توت. كانت أعينهم تبتسم وهم يستمعون إلى أسماء الشهور توت - بابه - هاتور- كيهك - طوبة - أمشير - برمهات - برمودة - بشنس - بؤونة - أبيب - مسرى - نسى. وأنها سنة نجمية أى مرتبطة بظهور نجم مع الشمس كل 365 يومًا، وهو نجم الشعرى اليمانية الذى يواكب ظهوره اكتمال الفيضان وصول مائه إلى مدينة منف أو ممفيس أو الجيزة حاليًا. وهذه الشهور استخدمها أجدادنا القدماء في كل ما يختص بالزراعة والحصاد ولا تزال تستخدم في الريف المصرى حتى الآن هذه الشهور كانت مرتبطة ليس بمواعيد فيضان النيل والزراعة والحصاد فقط وإنما بحالة الطقس من برد وحر ورياح وأمطار. وأن أجدادنا أيضًا قسموا العام إلى ثلاثة فصول فقط وليس إلى أربعة كما هى الحال الآن كل فصل كان مقدارة أربعة أشهر. وهذه الفصول هي: (آخت يوم) والذى تتم فيه تهيئة الأرض للزراعة، وفصل (برت) وهو فصل نمو النبات وفصل (شمو) وهو فصل الحصاد والجفاف. أما أيام النسى فكانت تقام بها الاحتفالات بما يشبه الكريسماس خمسة أيام من الفرح والمهرجانات والكرنفالات والخروج إلى الحدائق وإقامة حفلات الزفاف وزيارة الموتى وتقديم القرابين للآلهة حتى تحفظهم وتبارك حياتهم وترحم موتاهم والأهم من ذلك كله هو جلسات الصلح بين المتخاصمين ونسيان أى حقد أو كراهية وحل المشكلات بشكل ودى وهو جزء من تعاليم العقيدة الفرعونية التى تلزمهم أن يبدأوا السنة الجديدة بالمحبة دونما حزن أو حسد أو ضغينة. كانت علامات التعجب تتقافز بين كلمات تلاميذى وهم يقرأون أسماء الشهور على السبورة ويبتسمون حينما يعرفون أن توت هو اسم الإله تحوت إله العلم والمعرفة وليس هو التوت الذى يعرفونه كفاكهة وبابه هو اسم مشتق من اسم الإله حابى إله النيل وهاتور نسبة إلى الإله حتحور إله السماء والحب والجمال والخصب وكيهك أو كياك كما نسمعه في لغتنا العامية مشتق من اسم الإله كا ها كا الذى يرمز إليه بالعجل أبيس وإله الخير وهكذا كما كانوا يفرحون جدا بمشاركتى بعض الأمثال التى كانوا قد سمعوها من أجدادهم وجداتهم أو من خلال المسلسلات مثل - توت يقول للحر موت - وهو إشارة لاعتدال الجو وانخفاض درجة الحرارة - وهاتور أبوالدهب المنتور - ويقصد به القمح لأن لونه أصفر - وكياك - قوم من فطورك حضر عشاك - إشارة إلى قصر ساعات النهار في هذا الشهر- وطوبة تخلى الصبية كركوبة نظرا لشدة البرد فيه - وبرمهات - روح الغيط وهات – لأن معظم المحاصيل تكون قد نضجت. هكذا كانت حصة التعارف تنقلب إلى ساحة للحكايات أتعرف فيها على أسمائهم ويتعرفون فيها ما هو أكبر من اسمى وخارطة المنهج وطبيعة الدروس. يتعرفون فيها أنفسهم وملامحهم وتاريخهم وهويتهم التى تحددها شهادات ميلادهم كاسم ومكان ولادة وتحدد معناها جيناتنا المصرية وأمثالنا المصرية وتاريخنا المصرى الذى سبق تواريخ العالم. وهكذا صاروا يكتبون التواريخ الثلاثة بسعادة وفخر كنت ألمسه في الخطوط التى يضعونها تحت التاريخ الفرعونى ويتسابقون في كل مرة أدخل فيها الفصل إلى تذكيرى بكتابته. هكذا كنت أبدأ في كل عام، وهكذا كانت الحكايات لا تنقطع وهكذا ينبغى أن نعلمهم وسط كل ما يحيط بهم من تيارات العولمة التى تجتاح العالم والفائز هو من يسير مع التيار ويلاحق ركب التقدم ويعرف لغة العصر دون أن ينسى تاريخه وهويته ونظرته الخاصة إلى مستقبله الذى هو مستقبل مصر. كل عام ومصرنا الحبيبة تكبر في قلوبنا وتظل دائمًا كما هى قلب العالم.
آراء حرة
6261 سنة فرعونية.. ومصر بخير
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق