الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الجيش المصري تاريخ مجيد.. وحاضر يصون المستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لأن الثقافة المكتوبة هى أول اختراح علمته الحضارة المصرية لغيرها من الحضارات.. استوجب علينا اللجوء إلى الكتابة لاستدعاء انتصارات المصريين منذ التاريخ، تلك الانتصارات لم تكن طمعًا في أراضى الغير أو جورًا على حقوقهم، إنما كانت حفاظًا على الحق ودعمًا للعدل، هكذا – دائمًا – كان جيش المصريين ابن حضارة السبعة آلاف عام من الأخلاق.
ستنتقل عبر جولات جيشنا تاريخًا ومكانًا نخلق من تلك الحلقات المتوالية جسرًا موصولًا بين فرساننا على مدى التاريخ وشبابنا الحالى ساعد هذه الأمه وعقلها وصانع مستقبلها.
عكا أولى معارك فتح الشام (الحلقة 13)
«إن المصريين يقولون: إن الشام هى جنة الأرض ويريدونها والآن بعد أن تحقق للمصريين مبتغاهم، ماذا يريدون من جيشهم بعد؟..» تلك مقولة جاءت إلى محمد على بعد فتح الشام وضمها للمصريين كما جاء في كتاب الصدر الأعظم إبراهيم باشا فاتح الشام وقائد الجيش المصرى في فتوحات ومعارك لم ينهزم فيها هذا الجيش الناشئ الحديث المنظم تبعا لأرقى أساليب التنظيم والتدريب حتى بلغ عدده من نواة مقدارها عشرون ألفا من الجند المصريين على يد سليمان باشا أو الكولونيل سيف والجنرال بواييه والجنرال ليفرون والكولونيل جودان الذين استعان بهم محمد على لتأسيس جيش مصر الحديث على أسس علمية حتى بلغ عتاد وعدد ذاك الجيش مائة ألف من المقاتلين عدا الإداريين والأطباء والمهندسين والصناع والعمال وغيرهم من عناصر الدعم اللوجيستى، بخلاف الأسطول المصرى الذى نافس أعتى أساطيل الدنيا -حينها - والذى تم تأسيسه على يد الأميرال بيسون الذى وضع نواة الأسطول المصرى الذى بسط نفوذه على البحرين الأحمر والمتوسط ومجرى النيل حتى نقاط المنبع! وبلغ لمصر حين ذاك أساطيل حربية ثلاثة تحفظ الاستقرار والسيادة لهذه الدولة الحديثة، توجه ذاك الجيش لدعم القرار السيادى المصرى وتحقيق الإرادة الشعبية للمصريين.
ونبدأ بومضات من جوانب معارك الجيش المصرى ضد الجيش العثمانى في الشام، وربما ما نشرته الوقائع المصرية التى أسسها محمد على لتكون لسان حال الجيش المصرى وتنبئ عن أخباره وفتوحاته إلى أن تحولت إلى الجريدة الرسمية للدولة المصرية الحديثة، حيث نُشر بها في 11 محرم سنة 1248 – قريبا من تاريخ شهرنا الجارى حاليا – ملخص تقرير إبراهيم باشا عن معارك عكا وحوادث فتحها وضمها لمصر: «.. إنه كلف أحمد بك أمير اللواء ومعه مختار أغا البكباشى من الآلاى الثانى بالهجوم على الباب بطرف القلعة، ويذهب إسماعيل بك أميرالاى اللواء الثانى ومعه الأورطة الثانية إلى باب البرج، ويتوجه عمر بك إلى الزاوية ومعه الأورطة الثالثة، في حين تستعد الأورطة الأولى لتسلق أسوار البرج، ويكون الهجوم بعد تسع ساعات وربع من الليل عند إشارة إطلاق ثلاث قنابل، وكان أحمد يكن باشا مأمورا ببدء الهجوم».
ويسترسل في وصف شجاعة وإقدام المقاتلين المصريين في اعتلاء أبراج عكا ومطاردة عبدالله باشا قائد حامية عكا ومطاردة عسكره حتى تقدم أحد الجاويشية المصريين لأخذ العلم من بيرقدار حامية عكا وما إن استل سلاحه حتى ألقى البيرقدار راية جيشه وفر هاربا ورفع الجنود المصريون راياتهم فوق أبراج عكا، وطارد الرجال فلول الهاربين الذين تركوا بخلاف راياتهم على أرض الميدان فقد تركوا خلفهم مدافعهم وبنادقهم وخيولهم غنيمة للمقاتلين المصريين دون عناء، وأشار تقرير يكن باشا إلى سير أحداث احتلال أبراج عكا المنيعة: «كان الهجوم يوم الأحد قبل طلوع الشمس على قلعة عكا فصعد المرحوم إسماعيل بك قائد الآلاى الثانى مع أورطته الثانية وأحمد بك قائد اللواء مع الأورطة الأولى إلى برج الباب من الطرف الأيمن، ونصبوا بيارقهم على البرج فهجم عليهم العدو فردوهم إلى الخندق،.. وقد رأيت أن أفندينا السر عسكر مضايق للأعداء كل المضايقة من طرف الزاوية، وأن العدو موجه كل قوته إلى تلك الجهة، فأمرت الجنود بالهجوم على العدو للتخفيف عن قوة السر عسكر، فاستولى رجاله على البرج،.. وأقاموا المتراس وضبطوا من البرج مدفعا وأخذوا يلقون ناره على داخل القلعة، وتوفى الميرالاى إسماعيل بك بعد ساعة من إقامة المتراس، وهجم علينا الأعداء ثلاث مرات ولم يظفروا بشىء، وفى الساعة العاشرة دخلت الأورطة الأولى التى أرسلها السر عسكر بين البرج الذى بيدى وبين البرج المسمى ببرج الإنكليز، ثم دخلت الوكالة واستوليت عليها،.. وطاب الأعداء الأمان بعد نشر بيرق الأمان وانقطع إطلاق البنادق وحضر التسليم والاستلام جماعة من معلمى الطوبجية ومفتى البلدة وإمام عبدالله باشا طالبين من مراحم السر عسكر الأمان فتفضل عليهم به وعفا عن جميع ما يملكون وأمر برفع السلاح عنهم..، وطلب عبدالله باشا التوجه إلى مصر في يوم الثلاثاء 28 ذى الحجة فأرسلة سعادة السر عسكر إلى حيفا مع اللواء سليم بك وتوجه بحرا في السفينة المسماة بشيرى جهاد من سفن الأسطول المصرى وكما استقبل إبراهيم باشا المنتصر نده عبدالله باشا مقابلة حسنة هكذا كان استقبال محمد على لعبدالله باشا عندما نزل بالإسكندرية وحضر إلى القاهرة في صحبة خزائنه وجواهره وحُليه كما هى لم تمس، تماما كما فعل جنود إبراهيم باشا عندما استولوا على بلدة وحصن عكا لم تمتد يد أحدهم إلى أى من أموال وممتلكات أهالى البلدة! 
اللافت للإعجاب أمر ما وهو أن عبدالله باشا كان بيده إيصال أمانة على قسطنطين انجلوا وهو أحد اليونانيين المتفق معه آنفا بتقديم المؤن والعتاد لعكا المحاصرة من الجيش المصرى، فـأعطى عبدالله باشا لولى الدولة المنتصرة ذاك الإيصال وقدره مائتا فرانك فأمر محمد على برده إلى صاحبه، كما أمر بإعطاء إبراهيم باشا خزانته وبها نصف مليون قرش!.
أيضا لم يكن النصر حليفا للمصريين في عكا بسبب حصار جيشهم لعكا وضرب أفرادها وأسر واليها بل وأيضا بسبب الحنكة السياسية والحرف الاستخباراتية للدولة المصرية فقد حالفت مصر أمير لبنان وزعماء سوريا ومشايخ نابلس وعاهدتهم مصر على الروح والمال، وساند الأمير بشير الجيش المصرى بـ25 ألفا من رجاله، واستغلت مصر توقيت ثورة البلقان وانشغال الدولة العثمانية باضطرابات البلقان، وأرسل السلطان محمود سفيريه صارم أفندى ونجيب أفندى لمحمد على لكن بلا جدوى، وفشلت وساطة إنجلترا لمنع الجيش المصرى من الاستيلاء على عكا، فلجأ السلطان محمود بعد فشل جيشه ودبلوماسيته إلى سلاح الدين ودفع المجلس التشريعى في استانبول وهو المؤلف من ثلاثين مفتيا وأربعة عشر قاضيا عسكريا واثنى عشر قاضيا من المحاكم وتسعة من أئمة السراى السلطانى والمدارس الشاهانية ومن أمامى جامع أيا صوفيا وجامع السلطان أحمد، واجتمع كلهم للإجابة على سؤال واحد وهو: «ما الذى جاء به الشرع في عقاب العامل المارق عن الطاعة؟» فرد المجلس التشريعى: «يجرد من سائر رتبه ووظائفه ولا يعهد إليه بأمر من أمور المسلمين ثم يحل به القصاص ويلقى لوحوش البرية أو طيور الفلا». وسأل السلطان المجلس: «هل يكون الخليفة مسئولا أم ذلك المارق أمام الله والناس؟» ورد المجلس: «لا جناح على الخليفة ولا تثريب فإنه قام بما فرضه الشرع الشريف وأحكام الدين الحنيف».
وسنوالى سرد لمحات من معركة حلب وأكاذيب السلطان العثمانى (الخليفة) في القادم إن شاء الله.
وهنا تعليق وحيد: «ما أشبه سير تلك الأحداث بالدائرة بيننا الآن!».