وحين سألتُ الفنانة عطيات فرغلى زوجة الفنان الليبى الكبير محمد مرشان، عن أول زيارة لها لليبيا، فردت أنه رتب لها كمفاجأة، وكانت إلى طرابلس أبريل عام 1986م، ومعها ابنها أيهاب (من زواجها الأول)، وحسبها فقد كان محمد له نعم الأب الحنون اللطيف والمُتفهم وقد أشعره بالاستقرار النفسى والعاطفى بدرجة كبيرة حين افتقد والده الحقيقي، وعلقت عطيات أيضا أن أم العيال (زوجة محمد الأولى) سيدة محترمة وحنونة، عاملتها في زيارتها الأولى معاملة مُحترمة وإنسانية،وكذلك أبناؤه نادية، وخيري، وخالد، ونادر، وفؤاد، وأخذوها في رحلة عائلية جماعية إلى المنطقة الجبلية (غرب ليبيا) وشاهدت مدينة يفرن، وارتدت الزى الشعبي الأمازيغي، وقد تعرفت على الوجبات الليبية وصارت تطبخ بعضها ومنها: الكسكسي، والعصبان، والقلاية، و(البازين)،والشربة العربية.
وعندما جرى ترشيح محمد ليكون رئيس قسم الموسيقى بإذاعة بنغازي، بقيت عطيات سنتين ونصف السنة معه ببنغازي، التى عشقتها، وأخبرتنى عن أن لها صداقات عميقة وجميلة، وقد وجدت لمحمد أصدقاء كُثر رحبوا بها وشملوها بكرمهم ومنهم: الفنانان المطربان محمد صدقى ومحمد الطاهر، والفنان المونولوجست خليفة فرج والسيدة فتحية زوجته.
وحين سألتُها كرفيقة لعقود مشواره الفني، ماذا تتذكر من أعمال عاصرتها معه، فسارعت إلى ذكر تلحينه نشيد (خير أمة أخرجت للناس) وهو أوبريت عربى كبير كان المشاركون فيه من ست عشرة دولة، حيث اختار من كل بلد فنانا، موظفا الفلكلور العربى من كل بلد، وفيهم الفنانون والفنانات: فايدة كامل غنت عن مصر، سعاد محمد غنت مقطع لبنان، طلال مداح عن السعودية، منيرة الجزائرية عن الجزائر، محمد وردى من السودان، موفق بهجت من سوريا، وغيرهم، ومن كلمات الأوبريت هذا المقطع: الأمة العظيمة هيهات أن تُهان *** هيهات أن يُذِلها الإرهاب والعدوان. كانت كلمات الشاعر الفلسطينى هارون هاشم رشيد، الذى عمل في جامعة الدول العربية وقتها، وأوردت عطيات أن مطربا كويتيا وهو يُؤدى نصيبه من الأغنية أثناء التدريبات، توقف ليسأل عن مقطعه: وأنت يا خليج أمة العرب يا من يدق بابك الخطر، وتوجه إلى محمد مرشان، قائلا لماذا تضعون كلاما يقول أن هناك خطرا على الخليج؟ نحن والحمدلله أمورنا تمام ولا خطر علينا، لكن الشاعر هارون رشيد الذى كان فهمه السياسى استباقيا في تنبؤه عاجله قائلا لا تنس أن هناك خطرا مصدرهُ إيران، وجرى تنفيذ الأوبريت عندما كان عبد القادر حاتم وزيرا للإعلام، وقد تبنى العمل، وساعدهُ في استقبال الفنانين، وإقامتهم وتدريبات الفرقة، تم التسجيل، وتم عرضه كسينما بعد تصويره. كما تذكرت عطيات أنه قدم عرضا فنيا لإنجازه إلى إدارة الإذاعة الليبية التى منحته 22 ألف دينار ليبي، ولكنها لم تكن كافية لعمل كبير وضخم، وكان محمد مُستاء لعدم تقديرهم أهميته، حتى أن الفنانين المشاركين استوعبوا الأمر، وبادروا بأن قالوا له بإمكاننا أن نقبل بنصف الأجر، خاصة وأنه تمكن من تجهيز الفرقة الموسيقية «أوركسترا سيمفوني» التى تتطلب وجود عازفين كُثر، كان قائدها (المايسترو الكبير) شعبان أبوالسعد، وأنجز العمل، وكان مصيره الأرشيف الليبي، ونقلتْ عنهُ آسفهُ إذ اقتطعوا منه المقدمة، وصاروا يقدمونها مع افتتاح برنامج «صباح الخير»!، عطيات ختمت لى مؤكدة أن محمد مرشان عنده في الإذاعة الليبية ما يُقارب خمسمائة لحن أبدعه في مسيرته الطويلة بين ما أذيع، أو أهمل، وما ظل حبيس الأدراج، حتى أن له أعمالا لحنها ولم تنفذ وعندها ما يؤكد ذلك، وعن رجعته الأخيرة إلى القاهرة، ليتلقى العلاج، طلب منها أن تحضر له عُودهُ ثم قال: اكتبى على العود العود الحزين، وقد رفضت فكرته وتوجست، وقالت له لما أنت متشائم، ستعود من جديد وتعزف وتلحن، وكانت أيام لها معه قبل رحيله، ثم توفى بتاريخ 4 / 10 / 2015.