الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

أوروبا والإرهاب العائد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قديما قالوا (اللى حضر العفريت يصرفه)، بمعنى أن من يتصدر لإحضار أى شر عليه أن يملك القدرة على صرفها والتحكم فيها درءًا لأى أذى يصدر منها، وإلا فإن هذا الأذى سيلحق به، واليوم نرى تطبيقا حرفيا لتلك المقولة، فلا تزال قضية أعضاء تنظيم داعش تتفاعل فى أروقة أجهزة الأمن الأوروبية والأمريكية، وبالرغم من الإعلان عن هزيمة التنظيم فى سوريا والعراق هناك توقعات بأن الأفكار التى قام عليها التنظيم لا تزال قائمة، خاصة مع مصير معلق لعشرات الآلاف من الإرهابيين وأسرهم وأولادهم، ولا تزال أوروبا ترفض استقبال مواطنيها من الدواعش، وحتى مئات الأسر من زوجات وأطفال، يمثلون خطرا، خاصة أن داعشيات كثيرات لا زلن متمسكات بأفكار التنظيم الإرهابى، ومعهن مئات الأطفال والمراهقين الذين ولدوا فى ظل صعود التنظيم، وبعضهم تم ضمه لداعش وتدريبه على القتال والتفجير.
وظل الأوروبيون يعتقدون أن داعش ظاهرة شرق أوسطية حتى اكتشفوا انخراط الآلاف من شبابهم فى صفوف التنظيم. عودة شبابهم وقد اعتنقوا الفكر التكفيرى ويؤمنون بالقتل والذبح، وهؤلاء لم يكونوا من شباب الدول العربية والإسلامية، لكنهم ولدوا وتعلموا فى أوروبا ومع هذا وصلوا إلى الفكر الداعشى بشكل دفعهم للسفر إلى سوريا والعراق.
هناك اختلاف فى أرقام المقاتلين الأجانب فى صفوف داعش، وهناك ٣٠- ٤٠ ألف مقاتل أجنبى، حسب إحصائيات الأمم المتحدة، قَدِموا إلى العراق وسوريا للانضمام إلى تنظيمات إرهابية. ويقدر عدد الدواعش الأوروبيين بين ٤ و٥ آلاف، وتصل بعض الإحصائيات بالرقم إلى ٨ آلاف أوروبى، يمثلون أزمة عالقة، فى ظل رفض بلادهم استعادتهم.
ونشرت «لوفيجارو» الفرنسية، فى مايو الماضى، أن العراق تسلم ٢٠ عنصرًا من تنظيم «داعش»، منهم ١٤ فرنسيًا من قبل قوات سوريا الديمقراطية، ودعا الرئيس الأمريكى دونالد ترامب العواصم الأوروبية لإعادة مواطنيها المحتجزين خلال حملة «داعش» ضد سوريا. لكن بعض دول أوروبا قررت إسقاط الجنسية عن مواطنيها من حاملى الجنسيات المزدوجة، وترفض فرنسا وألمانيا السماح بعودة دواعش أوروبيين. وبالفعل سحبت السلطات البريطانية الجنسية ممن انخرط فى القتال مع «داعش» من مزدوجى الجنسية، مثل شميمة بيجوم التى انضمت إلى التنظيم فى الخامسة عشرة، وتم تجريدها من جنسيتها وعدم السماح لها بالعودة إلى بريطانيا. من جهتها دعت أنجريت كرامب، خليفة أنجيلا ميركل فى رئاسة حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى فى ألمانيا، إلى ضرورة تمرير قرار سحب الجنسية الألمانية ممن قاتل مع تنظيم «داعش» من ذوى الجنسيات المزدوجة.
الأزمة فى حال إطلاق سراح هؤلاء المقاتلين أو تسربهم إلى دولهم، خاصة العناصر غير المسجلة لدى أجهزة الأمن، والتى يمكن أن تمثل خطرًا قائمًا على أوروبا.
فى أوائل يوليو الماضى، حذر معهد دراسات الحرب، فى واشنطن، من أن داعش لم يُهزم نهائيًا، ويستعد للعودة مجددًا، على نحوٍ «أشد خطورة»، رغم خسارته أراضى «دولة الخلافة» المزعومة، فى سوريا والعراق، حيث يمثل أكثر من ٣٠ ألف مقاتل خطرا محتملا وإمكانية للعودة، استغلالا لثغرات أمنية أو استعادة تنشيط الخلايا النائمة.
وبالرغم من الهزيمة، يطل داعش برأسه، ويمثل خطرا قائما بشكل واضح، يعيد التذكير بنشأته الغامضة التى ظلت محاطة بالكثير من الغموض والتداخل، لكن المعلومات التى تظهر بشكل متتالٍ تكشف عن أن الدول التى كانت تمول وتساعد مقاتلى داعش فى التحرك والدخول هى نفسها التى دعمت القاعدة، وأنه كانت هناك خطط لتوطين الإرهاب فى سوريا والعراق بشكل عمدى، وتأتى تركيا فى كل التقارير والقضايا المتعلقة بداعش والقاعدة، بأنها كانت ممرا لدخول وخروج الإرهابيين من دول العالم إلى سوريا والعراق.
وبالرغم من إعلان هزيمة داعش والنصرة فى سوريا والعراق، هناك تقارير تتوقع عودة هذه التنظيمات من خلال تحريك خلايا نائمة خاصة مع استمرار تدفق التمويلات على هذه الخلايا.
وفى الوقت الذى أعلن فيه أحمد داود أوغلو، رئيس وزراء أردوغان السابق، عما سماه «دفاتر الإرهاب»، وقال أوغلو، رئيس الوزراء التركى من ١٠١٤ - ٢٠١٦ فى تصريحات صحفية: «إن الكثير من دفاتر الإرهاب إذا فتحت فلن يستطيع أصحابها النظر فى وجوه الناس، أوغلو كان يكشف ما كان معروفا طوال سنوات عن دور الرئيس التركى رجب أردوغان فى صناعة الإرهاب وتحويل تركيا إلى ممر لكل الإرهابيين إلى سوريا والعراق.
ويبدو أن الدور التركى فى نشأة داعش تخطاه إلى القاعدة، وهو ما كشفته السلطات الإيطالية القضائية عند ضبط شبكة إرهابية تقوم بتمرير أموال إلى الإرهابيين فى سوريا عبر تركيا، حيث أعلن القضاء الإيطالى القبض على عشرة أشخاص، «إيطاليين أحدهما محاسبة إيطالية، وثمانية من أصول تونسية»، من بينهم إمام مسجد، يشتبه فى تمويلهم الإرهاب، من خلال حسابات مزورة وشركات لجمع الأموال والتهرب الضريبى.
القضية التى تحقق فيها نيابة لاكويلا، كبرى مدن منطقة أبروزو الإيطالية، كشفت أن هذه الأموال كانت تستخدم أيضا لتمويل أنشطة مرتبطة بجبهة النصرة، الفرع السورى سابقا لتنظيم القاعدة فى سوريا الذى غير اسمه إلى «هيئة تحرير الشام». وقال المدعى العام فى أكيلا ميشيلى رنزو: «لدينا ما يدعو إلى الاعتقاد أن المجموعة التى تم تفكيكها كانت تجمع أموالا سرية يتم تحويلها إلى تركيا؛ حيث تستخدم لتمويل مغادرة مقاتلين إلى سوريا». وأوضح المحققون، خلال مؤتمر صحفى، أنه يشتبه بأن رئيس المجموعة تونسى مقيم فى تورينو، ويملك شركات تعمل فى قطاعى البناء وتجارة السجاد، وتمت مصادرة ممتلكات وعقارات وأموال بأكثر من مليون يورو. بعد أن كشفت تفريغات المكالمات بين المتهمين أنهم كانوا يوجهون المقاتلين إلى سوريا عبر تركيا. ويتوقع أن تشمل التحقيقات آخرين بجانب الإمام التونسى الأصل وصاحب الشركات المحبوسين.
اللافت، أن تركيا تأتى كعامل مشترك فى كل القضايا التى يتم التحقيق فيها بأوروبا سواء التى تتعلق بداعش أو القاعدة، بما يضع تركيا كراعٍ أول للإرهاب خلال العقد الحالى، وهو ما تؤكده تصريحات أحمد داود أوغلو عن دور تركيا فى دعم الإرهاب.
وتزامنت القضية الإيطالية مع اعترافات داعشى تونسى من المقبوض عليهم فى سوريا، والتى كشف فيها الكثير من التفاصيل الخطيرة حول داعش والإرهاب فى سوريا والعراق.
حيث اعترف الداعشى التونسى، حسبما نشرته جريدة «الشرق الأوسط»، أنه سافر إلى المغرب، ومنها إلى إسطنبول التركية، حيث استقل حافلة حديثة وقصد مدينة أنطاكيا الحدودية مع سوريا، ويقول إن تركيا تحولت إلى «أوتوستراد دولى» لعبور «المقاتلين» إلى سوريا، وإنه دخل إلى سوريا فى يناير ٢٠١٤، بعد سيطرة «داعش» على مدينة الرقة.
ويشير إلى أن الجنسية التونسية كانت الأكثر حضورا فى صفوف تنظيم «داعش» فى سوريا وليبيا والعراق، ويقدر فريق خبراء تابع للأمم المتحدة فى يوليو ٢٠١٥ وجود ٤٠٠٠ مقاتل تونسى فى كل من سوريا والعراق.
وكشف الداعشى التونسى الذى رمزوا له بـ (م.أ)، عن أن التنظيم كان يبحث عن المرضى العقليين ويحولهم إلى انتحاريين لتنفيذ عمليات إرهابية، وكانوا يحجزونهم أسابيع ليتم غسل أدمغتهم وتجهيزهم لتفجير أنفسهم، بينما أغلب الانتحاريين لم يكونوا يدرون شيئا عما يفعلونه.
ومع الوقت تتكشف أوراق مهمة حول أدوار تركية وأوروبية فى نشأة وانتشار داعش، ودعم القاعدة وارتباط داعش بباقى التنظيمات الإرهابية إقليميا ودوليا.