خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان، وأسكنه الأرض لعبادته. وجعل سبحانه وتعالى
تكاثر الإنسان من آياته، وجعل فطرة الأمومة والأبوة والحفاظ على الذرية من خلال
التزاوج، من هباته. وقد اختص الله سبحانه وتعالى المرأة بالحمل والولادة خلال
سنوات محددة من عمرها تبدأ مع سن البلوغ (نحو ١٥ سنة)، وتنتهى قرب سن انقطاع
الدورة الشهرية (نحو ٥٠ سنة)، بينما يستمر الرجل في القدرة على الإنجاب منذ سن
البلوغ وحتى الممات.
ومن آيات الله أيضا أن يهب لمن يشاء إناثا، ويهب لمن يشاء الذكور، أو
يزوجهم ذكرانا وإناثا، ويجعل من يشاء عقيما.
وحديثا، ومع تقدم الطب أصبحت هناك طرق عديدة لمساعدة من حرمتهم الطبيعة
بسبب المرض أو الوراثة من نعمة الإنجاب، للحفاظ على الخصوبة لكل من الذكور والنساء.
وأصبح مجال الحفاظ على الخصوبة (Fertility Preservation) تخصصا دقيقا،
يشمل عدة تخصصات أهمها أمراض النساء والتوليد ( فرع التكاثر الآدمي)، والذكورة،
وطب الأطفال، وجراحة الأورام وعلاج الأورام والطب النووى وغيرها.
وبالرغم من توفر طرق الحفاظ على الخصوبة لأكثر من نصف قرن، إلا أن الموضوع
لم يكن متداولا بين المصريين، إلى أن أقدمت فتاة مصرية، بلغت من العمر ٣٥ سنة دون
الزواج، على تجميد بويضات من مبيضيها، لاستخدامها بعد الزواج، والحفاظ على حلم
الأمومة.
ولأن الموضوع قد أثار موجة من الاختلاف بين مؤيد ومعارض، فسوف نحاول أن
نوضح هنا بعض الحقائق العلمية حول موضوع الحفاظ على الخصوبة.
وتاريخيا، فقد أحدثت تكنولوجيا أطفال الأنابيب، على يد الإنجليزيين روبرت
أدورد، وباترك ستبتو، ومولد لويز برون بالقرب من مانشستر في ٢٥ يوليو سنة ١٩٧٨،
بعد تلقيح بويضة الأم بحيوان منوى من الزوج خارج الجسم، وإعادة الجنين إلى رحم
الأم، ثورة علمية في مجال طب التكاثر، وأصبح هناك إمكانية المساعدة في الحفاظ على
الخصوبة عند الإناث والذكور. ومع نجاح تجميد الأجنة خارج الجسم وإعادة تسييلها دون
تلفها، وزرعها بطرق آمنة داخل الأرحام، وتجميد السائل المنوى للذكور، والأنسجة من
المبيض والخصية، وإعادة تنشيطها بنجاح، فقد تقدم هذا التخصص بسرعة مذهلة وأصبح
جزءًا لا يتجزأ من الممارسة اليومية لعدة تخصصات. وتم وضع إرشادات طبية ومحاذير
أخلاقية في معظم دول العالم ومنها مصر.
وسوف نتحدث هنا عن الطرق التى أقرها القانون والمشرع المصري، دون التعرض
لأى من الطرق غير القانونية مثل التبرع بالبويضات أو السائل المنوى أو تأجير
الأرحام وهى الطرق التى ينتج عنها اختلاط في الأنساب ولا يقرها القانون المصري.
وتختلف الأسباب التى تؤدى إلى فقدان الخصوبة مع اختلاف السن، وقد تحدث في
الأطفال قبل سن البلوغ أو في البالغين من الرجال والنساء، وهناك أيضا محاولات
لتأخير سن اليأس وتجنب الأعراض التى تصاحبه عند السيدات، بزرع نسيج مجمد من المبيض.
أولا: الحفاظ على الخصوبة عند الأطفال قبل سن البلوغ
تمثل الأورام التى تصيب الأطفال مثل سرطان الدم (الليوكيميا)، وسرطان الغدد
الليمفاوية (الليمفوما من نوع هودجكن وغير هودجكن)، والتى تستدعى العلاج الكيماوى
وكذلك الإشعاعى على البطن إلى فشل في وطائف المبيضين عند البنات أو الخصيتين عند
الأولاد. وهناك أيضا بعض الأمراض المناعية التى تستدعى العلاج الكيماوى ومثبطات
المناعة مثل الذئبة الحمراء، وأخيرا هناك بعض أنواع السرطانات التى تصيب المبيض
والخصية في سن مبكرة.
وللحفاظ على الخصوبة في هذه السن المبكرة، يوجد هناك طرق يلجأ إليها الفريق
الطبي، أهمها، حفظ نسيج من المبيض أو الخصية في ثلاجة حفظ الأنسجة (تحت درجة سالب
١٨٠ درجة)، أثناء العلاج الكيماوى أو الإشعاعي، وإعادة تسييلها وزراعتها في نفس
المكان أو في مكان آخر من الجسم بعد انتهاء العلاج.
وهناك أيضا طرق جراحية تحفظية مثل استئصال مبيض واحد أو خصية واحدة والحفاظ
على الآخر، عند الإصابة بالسرطان، بشرط أن يكون في مراحله الأولي. وكذلك نقل
المبيض من مكانه أو تغطيته بمواد عاكسة للإشعاع لتجنب تلف أنسجته.
وبعد سن البلوغ، وحتى سن الأربعين، وعند الإصابة بسرطان يستدعى العلاج
الكيماوى أو الإشعاعي، مثل سرطان الثدى أو القولون، أو الغدة الدرقية أو أى
سرطانات في الجهاز التناسلي، فيمكن الحفاظ على الخصوبة عند الرجال بتجميد السائل
المنوي، وهى طريقة سهلة وفعالة وتحفظ السائل المنوى لسنوات طويلة. وعند الإناث،
إذا كانت غير متزوجة، فيمكن الحفاظ على البويضات بعد تتشيط التبويض لمدة أسبوعين،
ثم شفط البويضات عن طريق منظار البطن (إذا كانت أنسة) أو عن المهبل (إذا كان سبق
لها الزواج) وحفظها في الثلاجة، لإعادة تسييلها وتلقيحها فيما بعد بالحيوانات
المنوية من الزوج لتكوين أجنة، وتتم إعادة زرعها في الرحم كما يحدث في أطفال
الأنابيب والحقن المجهري.
أما إذا كانت السيدة متزوجة، فهناك فرصة لتنشيط التبويض للحصول على أكبر
عدد ممكن من البويضات، وشفطها وتلقيحها في المعمل لتكوين أجنة وتجميدها لحين انتهاء العلاج ثم
إعادة زرع الأجنة في رحم الأم. وهذه الطريقة هى الأفضل من حيث النتائج وتستخدم
يوميا في أطفال الأنابيب والحقن المجهري.
وعند تقدم السن بالمرأة دون زواج (بعد ٣٥ سنة)، أو عند تشخيص ضعف في وظائف
المبيض (لأسباب وراثية أو مرضية تؤدى إلى اقتراب سن اليأس (انقطاع الدورة
الشهرية)، فيمكن كذلك تجميد البويضات أو نسيج المبيض لاستخدامها فيما بعد، وهذه هى
حالة الفتاة المصرية التى أقدمت على تجميد بويضات من المبيضين وحفظها لحين الزواج.
وحديثا (في سنة ٢٠١٩)، فقد تم السماح لشركة خاصة في مدينة برمنجهام في
إنحلترا، بإنشاء بنك خاص لحفظ أنسجة المبيضين من السيدات (بين ٣٠ و٤٠ سنة)،
الراغبات في ذلك، وإعادة تسييلها وزرعها مرة أخرى قرب سن اليأس (الخمسين)، بغرض مد
فترة الخصوبة وإنتاج الهرمونات الأنثوية وتجنب الأعراض المصاحبة لسن اليأس مثل
الهبات الساخنة والقلق والتوتر وقلة النوم وآلام المفاصل وهشاشة العظام وغيرها من
الأعراض المصاحبة لانقطاع الدورة الشهرية.
ونظرا لنجاح الطرق التى يمكن الحفاظ بها على الخصوبة، ونظرا لنجاح طرق علاج
السرطانات في الأطفال والبالغين تحت ٣٠ سنة ونظرا لتأخير سن الزواج في معظم
المجتمعات (خاصة المجتمعات الغربية)، فقد ازدادت الأعداد من الجنسين التى تحتاج
إلى المساعدة في الحفاظ على الخصوبة.
وعليه فقد تم إنشاء المنظمة الدولية للحفاظ على الخصوبة
International Society for Fertility Preservation وظيفتها
وضع الإرشادات والنصائح اللازمة،
ونشر الوعى بين للأطباء والمرضى وكل المقبلين على استخدام طرق حفظ الخصوبة.
وهناك أيضا لجان أخلاقية، دولية ومحلية، تراعى أخلاقيات وممارسات الأطباء،
وتمنع استخدام طرق لم يثبت فاعليتها، مثل استخدام الخلايا الجذعية التى ما زالت
تحت التجريب المعملي، أو الاتجار بالأعضاء، خاصة الأعضاء التناسلية والتى تؤدى إلى
اختلاط الأنساب.
وفى مصر ومعظم البلاد الإسلامية، هناك طرق مباحة ويمكن استخدامها، وأخرى
ممنوعة ويجب تجنبها، وثالثة ضارة يجب عدم الانسياق وراء مروجيها.
ولذا فالموضوع ما زال بحاجة إلى الكثير من البحث والدراسة، خاصة أن هناك الجديد من الأبحاث العلمية التى تنشر في هذا المجال كل يوم.