تعيش دولة السودان الشقيقة الآن، مرحلة انتقالية بالغة الحساسية، تحتاج فيها لمد يد العون من جميع الأشقاء العرب والمسلمين وأصدقاء العالم، وعلى وجه الخصوص «مصر»، كونها الأقرب تاريخا وجغرافيا وسكانا، لتجاوز هذه المرحلة الصعبة، من خلال تقديم الدعم الكامل لخيارات الشعب السوداني، وإرادته الحرة في صياغة مستقبل بلاده، وما سيتوافق حوله، باعتباره امتدادا للأمن القومى المصري.
وقام الشعب السودانى الشقيق، بثورته النبيلة، من أجل تحقيق التقدم والازدهار، لكل أبنائه، ولمؤسسات الدولة، ووضع البلاد على طريق جديد يقوم على الاستقرار والتنمية والرخاء، وهو يخطو اليوم بثقة نحو مستقبل أفضل لطالما اشتاقت إليه قلوب السودانيين، الذين قدموا الغالى والرخيص من أجل أن ينعم بالاستقرار والأمن والرخاء والديموقراطية.
وتابعت شعوب العالم، حراك أشقائنا السودانيين، وسعيهم من أجل تغيير واقعهم، وتحقيق تطلعاتهم في التحرر والاستقرار والتنمية، وتحقيق الآمال السامية والقيم النبيلة التى تكفل لأبنائهم وأحفادهم وطنًا آمنًا مزدهرًا، آملين في دعم بلدهم الثانى مصر، بما يجمع البلدان من جغرافيا شبه واحدة، وتاريخ المشترك وممتد منذ الأزل، وما يتميز به البلدان من طاقات بشرية وإمكانات مادية ضخمة تكفل لهما مستقبلا مزدهرا بفضل التعاون المشترك والتنسيق المستمر.
وبعد سنوات من الحرب الأهلية، وعدم وجود بنية تحتية أساسية في مناطق واسعة، يأمل السودانيون في تحسين وضعهم المعيشى ودفع عجلة الاقتصاد السودانى، والبعد عن التطرف والإرهاب.
ويمتلك السودان، مقومات اقتصادية وسياحية وسياسية وبشرية، جبارة تؤهله لاحتلال مكانة مهمة على الخريطة العالمية، فهو يمتلك مساحة شاسعة وغنى بالموارد الطبيعية الزراعية كالأراضى الخصبة، والحيوانية، والمعدنية، والنباتية، والمائية، وتمثل الزراعة 80٪ من نشاط السكان ويعتمد أيضًا على الصناعة، وخصوصًا الصناعات الزراعية، ويعتبر السودان واحدًا من أكبر البلدان الأفريقية، من حيث المساحة، وواحدًا من أهم بلدان العالم التى تتوافر فيه المياه والأراضى الصالحة للزراعة، ما يجعله «سلة غذاء» عالمية مؤكدة، بالتعاون مع الخبرة المصرية.
كما يشغل قطاع الثروة الحيوانية المرتبة الثانية في الاقتصاد السوداني، من حيث الأهمية، إذ يمتلك السودان الملايين من رءوس الماشية، وتمتلك الخرطوم وحدها أكثر من مليون رأس منها، بالإضافة إلى الثروة السمكية في المياه العذبة في الأنهار كالنيل والبحيرات، والمياه المالحة كالبحر الأحمر، بالإضافة إلى الحيوانات البرية والطيور.
يصل حجم التبادل التجارى مع السودان، إلى مليار دولار، وما يزيد عن 10 مليارات دولار، استثمارات مشتركة بين البلدين، كما يصل حجم الاستثمارات السودانية في مصر، إلى 97 مليون دولار، ممثلة في أكثر من 300 شركة سودانية، تتوزع استثماراتها بين الصناعة والتجارة والزراعة والخدمات التمويلية وقطاعات الإنشاءات والسياحة والاتصالات، بينما يبلغ حجم رءوس الأموال المصرية بالسودان، 10 مليارات دولار، تتركز في مجالات الزراعة والصناعة والنقل والطرق والخدمات، وتتوزع على 229 مشروعًا.
ويمثل السودان لمصر المستقبل والعمق الاستراتيجى، والذى يشهد منافسة حادة بين العديد من الدول لا سيما الصين وتركيا وإيران والمغرب والأردن، ويمكن رفع الاستثمارات المتبادلة بين البلدين إلى 50 مليارًا، في حال تطوير العلاقات المشتركة خلال السنوات المقبلة، من أجل تحقيق التكامل الاقتصادى المنشود، واستفادة كل طرف من موارد الآخر، والانتقال من مرحلة «الحريات الأربع»، التى تضمن لأبناء شعبى وادى النيل، الحق في «العمل والتملك والإقامة والتنقل»، إلى التكامل الاقتصادى الشامل.
ويمكن على سبيل المثال لا الحصر، إنشاء شركة تسويق مصرية سودانية، تضم كبار رجال الأعمال في البلدين، لتسويق منتجات كل بلد في البلد الآخر، حيث يعتبر السودان سوقا ضخمة للسلع، والمنتجات المصرية، والاستفادة من خبرة السودانيين الذين لهم علاقات ممتدة مع دول الجوار للحدود السودانية، وزراعة بعض المحاصيل في السودان مثل القمح والذرة الصفراء، بالإضافة إلى الدخول في شراكات صناعية في مجالات حيوية مثل الدواء، والذى يعتبر من أهم القطاعات التى تحتاج إليها السوق السودانية، والاستفادة من الخبرة المصرية في مجال تشغيل مصنع سكر البنجر، فضلا عن دراسة مشروع لتنظيم عمل المراكز التجارية في البلدين.
وما زال السودان أرضا خصبة للاستثمار المصري، في ظل توفر الأراضى الزراعية والثروات المعدنية باعتبارها أحد أهم مجالات الاستثمار في السودان، ولم تزل الاستثمارات المصرية في السودان في المرتبة الثامنة حتى نهاية العام الماضي، مضيفا أن السودان هو مدخل مصر إلى أفريقيا، فهو يجاور عدة دول، وهو ممر مهم جدًا للتجارة البينية المصرية إلى السوق الأفريقية.
ولعبت مصر دورًا محوريًا في المصالحة ما بين الأطراف المتنازعة في السودان، وذلك بصفتها الدولة الشقيقة المجاورة للسودان وبصفتها أيضا رئيس الدورة الحالية للاتحاد الأفريقي، من منطلق أن استقرار السودان يعنى استقرار مصر، وأن القاهرة حريصة على دعم أمن ووحدة واستقرار أبناء الشعب السودانى في المرحلة الحالية.
وتواصل مصر، التعاون والتنسيق مع السودان، في جميع الملفات، محل الاهتمام المتبادل وتنفيذ المشروعات التنموية المشتركة، كالربط الكهربائى وخط السكك الحديدية من أجل شعبى البلدين.
وأعربت القاهرة عن استعدادها لتقديم كل سبل الدعم للأشقاء في الخرطوم، لتجاوز هذه المرحلة بما يتوافق مع تطلعات الشعب السودانى بعيدًا عن التدخلات الخارجية، وشهدت الفترة الأخيرة زيارات متبادلة لمسئولى البلدين، لإزالة كل المعوقات أمام حركة التجارة البينية، والعمل على زيادة معدلات التبادل التجارى والاستثماري.
حفظ الله السودان الشقيق، وحمى شعبه العظيم من الفتن، وأنعم عليه بالأمن والاستقرار والنهضة.