السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الأبوة بين الإنسانية والعقوق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جاءنى الكثير من الرسائل تعليقًا على مقالى المنشور بجريدة «البوابة» «ارجم ضميرك قبل رجم الشيطان».. وفوجئت بما تقشعر له الأبدان، من قسوة آباء وعقوقهم لأبنائهم، وحكايات واقعية تؤكد أن هناك من الآباء من نُزعت الرحمة من قلوبهم.. ولكن أيضًا جاءتنى قصة جميلة وصورة أجمل - ولكنها لسوء الحظ ليست في مصر- الصورة لطفلة رضيعة عقب ولادتها مباشرة، وهى على صدر أمها بثياب عملية الولادة بغرفتها في المستشفى، والغريب والرائع في الصورة، أن هذه الرضيعة حديثة الولادة تنظر إلى أبيها بحب وبابتسامة خلابة، لم نرها من قبل لرضيع لم يتعد الساعات من عمره!!.. ومكتوب تحت الصورة أن هذه الرضيعة اسمها «انتونيللا» ووالدها اسمه «ڤلاڤيو»، وأن والديها لاحظوا أنها عقب ولادتها مباشرة، تضحك هذه الضحكة الرائعة كلما تكلم أبيها وسمعت صوته.. وحين سُئل الأب عن السبب قال: «كنت دائما في فترة الحمل أتكلم معها وأضع يدى على بطن زوجتى وألمسها بحنية.. وكنت ألاحظ أنها تتحرك كلما لمستها وتكلمت معها.. وكأنها تتجاوب معي.. وكنت دائما عندما أستيقظ من نومى، أضع يدى عليها، وأقول لها صباح الخير أنا أحبك جدًا، وقبل أن أذهب إلى عملى أودعها وأقول لها أنا نازل الشغل، وعندما أعود أقول لها مساء الخير، أنا رجعت، وكنت دائما أحدثها على مدى اليوم وهى جنين.. وهذه كانت النتيجة، إنها عرفت صوتى وضحكت لى أول ما سمعته، وأنا الآن في غاية سعادتي، لأننى رأيت في عيونها معنى الحب الحقيقي».. وهو ما يؤكد أن الجنين يشعر بالحنين تجاه من يغمرونه بالحب والرعاية والدفء، فيميز الأصوات التى يسمعها، ويتأثر بمن حوله، وربما يستمتع برائحتهم.
وقد تذكرت بعد قراءتى لهذه القصة الدراسة الفنلندية التى أُجريت عام 2013، والتى أكدت أن أجهزة رسم المخ قد كشفت أن مخ الرضيع يعرض ذكريات لكلمات نُطقت له عندما كان في الرحم!.. فكما يقول العلم أن بحلول الأسبوع العشرين من الحمل، تتكون قوقعة الأذن بشكل كامل، وهى جزء الأذن الداخلى الذى ينقل إشارات الصوت للعصب السمعي، وبحلول الأسبوع الخامس والعشرين، يكتمل النظام السمعى بأكمله.. كما أكدت بعض الأبحاث أن الرضع يستجيبون لأصوات أمهاتهم في الرحم، بداية من الأسبوع السادس عشر.. وأوضحت بعض الدراسات أنه عندما يسمع الأجنة موسيقى أثناء وجودهم في الرحم، تزداد ضربات قلوبهم، ومع الوقت يتحركون استجابة للموسيقى.. وبالتالى فإن الجنين يتأثر بما يسمعه وهو في بطن أمه، وهو ما يشعره بالأمان والراحة أو التوتر والخوف.. وإذا كان هذا حال الجنين، فما بالنا بالطفل الذى يسمع بأذنيه، ويرى بعينيه، ويحفظ في ذاكرته وقلبه ما يستشعره من محبة أو عقوق، ويكون نتيجة ذلك، إما إنسانا صحيحا وسوى نفسيا وإيجابيًا ومحبًا للحياة، وإما إنسان يعانى من الأمراض النفسية والاجتماعية التى حصدها رغمًا عن أنفه، والتى تتسبب في العديد من المشكلات الاجتماعية التى نعانى منها، ولا ندرك أنها جذور تأصلت مبكرا!.. وقد سمعت معلومة في إحدى حلقات برنامج «العلم والإيمان» للعالم القدير د / مصطفى محمود، عن تعرض الجنين للإجهاض بسبب المشكلات والضغوط التى قد تتعرض لها الأم، والتى تودى لوفاته نتيجة لفه الحبل السرى حول عنقه، وحاول تقريبها للمشاهدين بوصفه، أن الجنين يقرر التخلص من حياته قبل بدءها هربا من المشكلات والمتاعب التى تنتظره!.. وفى حالة اكتماله وولادته، يصبح عصبيًا وكثير البكاء، وربما يتأثر جهازه المناعى، فيصبح أكثر عرضة للأمراض.. وبالتأكيد يلعب الزوج الدور الأهم في هذه المرحلة، إما بتوفير السعادة والجو البعيد عن التوتر والمشاحنات، وإما بالتخلى عن واجباته ومسئولياته تجاه زوجته وجنينه الذى بين أحشائها، فيعق ابنه قبل أن يأتى إلى الحياة، أو يفقده اكتمال الحياة!.. وكم من الأجنة الذين فُقدوا، أو ولدوا وهم يعانون، بسبب رجل غير مسئول، لم يقدر أن دوره مع أبنائه يبدأ قبل أن يأتوا إلى الحياة.. وهو ما يجعلنا نقارن بين قصة المولودة الضاحكة والأب المحب، وبين ما نسمعه أو نقرأه من حكايات موجعة، لرجال فقدوا معانى الأبوة والرحمة والمروءة، وغلبت أنانيتهم وحبهم لأنفسهم فطرتهم الإنسانية التى جُبلت على حب الأبناء.. والغريب أن نتساءل عن سبب ما نعانيه من أمراض اجتماعية، وهناك ملايين السيدات يلجأن للقضاء من أجل مطالبة الآباء بنفقة أبنائهم!..حتى أن دعاوى النفقة تزيد عن 70% من إجمالى الدعاوى المقدمة أمام محاكم الأسرة (وفقًا لإحصائية أعلنها المجلس القومى للمرأة عام 2018).. إلى جانب ما نسمعه، عن آباء لا يتورعون عن سرقة حقوق أبنائهم التى يقرها الشرع والقانون، فيقومون بالتزوير في الأوراق والحقائق أمام القضاء، ويخفون دخولهم، ويتحايلون بتقديم بنودا غير حقيقية في مصروفاتهم، حتى يقللوا من قدر النفقة التى تحكم بها المحكمة!.. هؤلاء يجب معاقبتهم واحتقارهم من المجتمع، لأنهم يضيعون أبناءهم، ويزرعون فيهم الأنانية والقسوة والأمراض النفسية.. والحصاد لن يكون سوى أجيال ضائعة، عقها الآباء، ولم يحميها المجتمع من هذا العقوق! وقد لخصها الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الشريف:
«كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول».