الأحد 24 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ماليزيا والتعليم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كما تقول وسائل الإعلام إنه في بداية الألفية الجديدة بدأ اسم ماليزيا يلمع كالذهب وبدأ العالم كله يتحدث عن المارد الآسيوى الذى أصبح واحدًا من أقوى النمور الاقتصادية التى يشار إليها بالبنان، ومن هنا بدأ البعض في دراستها دراسة واعية، تهدف إلى كشف سر التحول الرهيب في وضعها الاقتصادي والتنموي، وكان السر وراء كل هذا هو التعليم، فالدولة لم تنم اقتصاديًا بدون تعليم جيد، وهذه كانت هى الحقيقة التى وعاها جيدًا مهاتير محمد رئيس الوزراء الماليزى وبدأ بها في بناء دولته التى يباهى بها الأمم.
التجربة الماليزية تجربة تستحق الدراسة والاحترام أيضًا، خاصة أنها كانت تمر بظروف مماثلة لما تمر به مصر، ولكن رئيس وزرائها الذى كان يحبها فعلًا، وكانت له رؤية حقيقية لتطوير بلاده ونهضتها تمكن بالفعل من تحقيق هذه الرؤية، وكان التعليم من أهم وسائله لتحقيق هذه الرؤية التى نجحت في نقل ماليزيا من مصاف الدول النامية إلى الدول المتقدمة.
فحينما تولى مهاتير محمد رئاسة وزراء ماليزيا عام ١٩٨١ كانت دولة فقيرة يعيش نحو ٢٥٪ من سكانها تحت خط الفقر، ولكنه قرر إحداث نقلة حقيقية في بلاده، ومن هنا وضع خطة لتطويرها وتنميتها اعتمدت على ثلاث ركائز أساسية هي: وحدة البلاد، وتجنب الصراعات، والخلافات بين السكان الذين ينقسمون لثلاث فئات وهم: المالايو ويمثلون ٥٨٪ من السكان، والهنود ٧٪، والصينيون ٢٤٪، أما الركيزة الثانية: فكانت الاهتمام بالتعليم، والثالثة: هى التصنيع، ومن ذلك نجح مهاتير محمد في نقل بلاده من دولة زراعية فقيرة تعتمد على تصدير بعض السلع البسيطة مثل المطاط والقصدير إلى دولة صناعية متقدمة، وبذلك تمكن خلال ٢٢ عامًا قضاها في منصبه من القضاء على الفقر، ورفع متوسط الدخل من ١٢٤٧ دولارًا في العام إلى ٨٨٦٢ دولارًا عام ٢٠٠٢، وانخفضت نسبة البطالة بين الماليزيين إلى ٣٪ فقط.
أولى مهاتير التعليم أهمية كبرى حيث اهتم بجميع مراحله، فجعل مرحلة التعليم ما قبل المدرسة «رياض الأطفال» جزءا من النظام الاتحادى للتعليم، واشترط أن تكون جميع دور رياض الأطفال مسجلة لدى وزارة التعليم، وملتزمة بمنهج تعليمى مقرر من الوزارة، كما تمت إضافة مواد دراسية تنمى المعانى الوطنية وتعزز روح الانتماء لدى تلاميذ المرحلة الابتدائية، وفى المرحلة الثانوية أصبحت العملية التعليمية شاملة، حيث يدرس الطالب بجانب العلوم والآداب مواد خاصة بالمجالات الفنية والمهنية التى تمنح الطلاب فرصة تنمية وصقل مهاراتهم، بالإضافة إلى إنشاء الكثير من معاهد التدريب المهنى التى تستوعب طلاب المدارس الثانوية، وتؤهلهم لدخول سوق العمل في مجال الهندسة الميكانيكية والكهربائية.
ولأن الكمبيوتر واحد من أهم المواد التكنولوجية التى يجب دراستها والاهتمام بها قامت الحكومة الماليزية عام ١٩٩٦ بوضع خطة تنمية شاملة من أهم أهدافها إدخال الكمبيوتر والربط بشبكة الإنترنت في كل مدرسة، بل وفى كل فصل دراسي، حتى بلغت نسبة المدارس المرتبطة بشبكة الإنترنت عام ١٩٩٩ نسبة ٩٠٪ من المدارس الماليزية.
كذلك تم إنشاء العديد من المدارس الذكية التى تساعد الطلاب على دراسة التكنولوجيا واستيعاب التقنيات الحديثة من خلال مواد متخصصة في أنظمة التصنيع وشبكات الاتصال ونظم استخدام الطاقة النظيفة.
الأمر الأهم أن الحكومة الماليزية قامت بزيادة المخصصات المالية للتعليم بحيث أصبحت توجه له نحو ٢٤٪ من إجمالى النفقات الحكومية بحيث يتم إنفاق هذه المبالغ على بناء مدارس جديدة، خاصة المدارس الفنية، وإنشاء معامل للعلوم والكمبيوتر ومنح قروض لمواصلة التعليم العالى داخل وخارج البلاد، وليس لإنفاقها على المكافآت لكبار مستشارى الوزارة كما يحدث في مصر، كذلك جعلت الدولة التعليم إلزاميًا وأصبح القانون الماليزى يعاقب الآباء الذين لا يرسلون أبناءهم إلى المدارس، بالإضافة إلى الاستفادة من نظم التعليم المتطور في الدول المتقدمة، حيث تم إنشاء أكثر من ٤٠٠ معهد وكلية خاصة تقدم دراسات وبرامج تتواءم مع جامعات في الخارج، وأتاحت الحكومة الفرصة للطلاب لاستكمال دراستهم في الخارج، بل وعملت الحكومة على تقوية العلاقة بين مراكز البحوث والجامعات وبين القطاع الخاص، بحيث فتحت المجال لاستخدام أنشطة البحث العلمى لخدمة الأغراض التجارية، ومن ثم لم تعد الحكومة مطالبة بدعم الأنشطة البحثية بمفردها بل يشاركها في ذلك مؤسسات القطاع الخاص، وبذلك قضت على مشكلة نقص الدعم الحكومي الموجه للبحث العلمي، ووجهت الدولة ما كان ينفق على هذا المجال إلى التعليم من ناحية، وتمكنت المصانع الماليزية من تطوير إنتاجها وغزو الأسواق العالمية بمنتجات أكثر تقدمًا وأحسن صنعًا.
كذلك اهتمت الحكومة الماليزية بتعليم المرأة حتى إنها تقدم قروضًا بدون فوائد ليتمكن الآباء من تعليم بناتهم، ومنح الفقراء مساعدات مجانية.
وبذلك تمكن مهاتير محمد من إحداث نهضة في بلاده خلال سنوات رئاسته للوزارة التي وصلت إلى ٢٢ عامًا، وحينما زار مصر قال كلمته التى ألقاها أمام مؤتمر «استثمار.. تشغيل.. عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» الذى نظمه اتحاد الصناعات المصرية - أكد أن مصر يمكنها أن تصبح واحدة من الدول المتقدمة بشرط الاهتمام بالتعليم والحد من البطالة وتشجيع الاستثمار ورفض الاقتراض من البنوك.
في بداية فترة حكم مهاتير محمد لجأ كسابقيه إلى الاعتماد على الزراعة كأساس لنهضته بحكم توافر الأراضى الزراعية وبغرض استيعاب أكبر عدد ممكن من العاطلين عن العمل ولكن الزراعة وحدها لم تكف ففكر في أكثر مجال يستوعب الأيدى العاملة ليضرب عصفورين بحجر واحد ( تحقيق أرباح + تخفيض البطالة ) فوقع اختياره على صناعة (الرقائق الإلكترونية) وتبعها بصناعة الكمبيوتر والتليفزيون والتكييف والفيديو وأجهزة الصوت وهو ثمرة التعاون مع الشركات اليابانية في عهده حيث التجربة الماليزية تجربة تستحق الاحترام بحق ويحق لماليزيا حكومة وشعبًا الفخر بما حققوه على مدى ٥٢ عامًا في ظل صعوبات تمثل عائقًا لأى نمو مستقبلى بداية من صغر مساحتها – ٣٣٠ ألف كيلو متر – وتنوعها العرقى المقسم بين مالاى وصينيين وهنود بخلاف نسبة أخرى من المهاجرين وتنوعها الدينى بين الإسلام والمسيحية وبعض العقائد الأخرى مثل الهندوسية وعدد السكان الكبير مقارنة بظروفهم وقتها – ٩.٥ مليون نسمة في بداية نهضتهم – بالإضافة لجو مشحون بالتوترات العرقية والطائفية وفقر وجهل ومرض إلا أنه ورغم كل تلك الصعوبات وعلى يد أبنائها وعلى رأسهم صانع نهضتهم مهاتير محمد استطاعت ماليزيا تجاوزها ووضع نفسها على خريطة الصناعة العالمية.