السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

من الفقر المدقع إلى التقدم المبهر.. الهند الخرافية!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أعود مرة ثانية لزيارة الهند لألقى بعض المحاضرات مع وفد علمى من جامعة هارفارد ولكن هذه المرة فى إقليم راچستان الجميل وعاصمته چابور. فمن منا يتذكر أفلام بوليوود الجميلة وراچ كابور وأفلامه التى صورت فى قصور چابور الخلابة مثل «سانجام» و«سوراچ». وكنا صغارًا نحفظ الأغانى الهندية بدون فهم لمعانيها ولكننا كنا مفتونين بالرقص الهندى المنظم وكنا فرحين بالغناء العذب والألوان المبهجة والحدائق الغَّناء والدراما المؤثرة! وكنت أعتقد وقتها أن جميع ممثلى الهند من ذوى الأصوات الجميلة لأكتشف أن ممثليهم يحركون شفاههم بإتقان شديد مع غناء مطرب واحد ومطربة واحدة! والهند بشعبها الذى يتجاوز تعداده كل سكان قارة أفريقيا وضعف سكان أوروبا مثلًا يحتذى به فى الرغبة فى التطور والرقى ففى خلال العشرين سنة الماضية زرت الهند مرات عدة وفِى كل مرة لا أكاد أصدق نفسى من سرعة عجلة التقدم والتغيير. 
فشعب الهند شعب مكافح بطبعه عرف مَذلَّة الفقر وحرمانه ويتطلَّع دائما للمستقبل بالعمل الشاق والصبر والكفاح. من الصعب أن تجد شعبا بأكمله عصاميا كشعب الهند. يرضى بقليله وهو يحلم بمستقبل أفضل له ولأجياله القادمة بل ويُؤْمِن بإمكانية تحقيقه. فالهند هو أكبر مصدِّر للعمالة فى العالم. ويكفى أن تعرف أن أربعة هنود يديرون أربعة من أكبر شركات العالم (جوجل وميكروسوفت وبيبسى وأدوبي). بل غزت الهند بريطانيا التى احتلتها عقودًا طويله فى عقر دارها وأذلّتها حين اشترت أكبر مصانعها للسيارات الچاجوار واللاندروڤر. تحمَّل الشعب الهندى كل أنواع الاضطهاد من أجل الرزق ليبنى لهم دولهم فى صمت. فبرج خليفة أيقونة الإمارات بناه هنود تحت حر شمس لا تُطاق. وكذلك العشرات من ناطحات السحاب وأداروها بل ونظفوها وكنسوا قمامة سكانها. وامتلكت الهند القنبلة الذرية والأقمار الصناعية وسيطرت على سوق البرمجيات فى العالم فخريجو معاهد الهند للتكنولوجيا محجوزون للعمل فى أمريكا لعدة سنوات قادمة. كانت الهند رفيقة لمصر فى حركة عدم الانحياز الذى أسسها عبدالناصر ونهرو زعيم الهند وتيتو زعيم يوجوسلافيا وسوكارنو زعيم إندونيسيا ونيكروما رئيس غانا. كانت هذه الدول على قدم المساواة معنا فى ذلك الوقت. فلماذا تقدموا هُمْ ووقفنا نحن محلك سر؟.
والهند من أعرق ديمقراطيات العالم منذ تحررت من المستعمر رغم الفقر والجهل والمرض. الهند لم تخجل يومًا أن تحكمها امرأة وهم من كانوا يحرقون المرأة مع زوجها المتوفى. نظرت الهند لجميع أمراضها الاجتماعية بجدية شديدة وعملت على حلها واحدة بعد الأخرى. استغلت طاقة شبابها الاستغلال الأمثل فهم بناة حاضرها ومستقبلها. ورغم أن نحو ٦٠٪‏ من أطفالها ما زالوا يعانون من الأنيميا و٤٠٪‏ منهم يعانون من نقص النمو نتيجة لسوء التغذية فلم يمنعهم ذلك من إرسال أطفالهم ليتعلموا تعليمًا سليمًا فى مدارسها الحكومية المجانية ودربتهم بإتقان كقوة منتجة لتصدرهم للخارج ليأتوا لها بالعملة الصعبة. وجذبت الهند ملايين السياح بالحفاظ التام على تراثها وحضارتها وخصوصياتها وعلاقتها الودية مع جميع دول العالم. لقد أصبحت الهند كما تطلق على نفسها «الهند الخرافية» Incredible India بما استطاعت إنجازه فى فترة زمنية وجيزة. والهند الآن هى أكبر دول العالم المستقبلة للهجرة العكسية حيث عاد الآلاف من أطبائها ليبنوا أكبر وأفخر المستشفيات التى تقدم خدمة راقية ورخيصة وعاد علماؤها ليبنوا محطات الفضاء والأقمار الصناعية والأسلحة المتطورة والكمبيوترات والسيارات لتكتفى الهند ذاتيا من إنتاجها وتقلص استيرادها وتصبح من أكبر مصدرى الصلب والنسيج والجلود فى العالم. فلا تستغرب إن اتصلت بخدمة العملاء فى أمريكا أن يرد عليك موظف هندي يعيش فى بنجالور ولا تستغرب إن أجريت أشعة بالرنين المغناطيسى فى كليفلاند كلينك أن يقرأها ويكتب تقريرها طبيب هندي فى مومباى ولا تستغرب إن حصلت شركة هندسية إنجليزية على مشروع ناطحة سحاب أن يكون مصمموها من دلهى أو كولكاتّا وحتى إذا اشتريت دواءً من صيدليات أمريكا وكندا من الأدوية التى انتهت فترة احتكارها فغالبًا ما سيكون مصنعها فى الهند. شعب يعمل فى صمت وبدون اعتراض من ١٠-١٢ ساعة يوميًا ويحمد الله لأنه فقط يعمل ويخاف بشدة على رزقه. إذا أردنا أن ننهض فى فترة وجيزة يجب علينا أن ندرس تجربة الهند بإمعان وجديّة ونقيم مع حكومتها وشعبها أقوى العلاقات وأمتنها. فهم أقرب شعوب الأرض لحالنا وقدرتهم على استغلال طاقتهم البشرية للنمو والنهضة أسطورة فى حد ذاتها. لم يقف رئيس وزرائهم ليقول لشعبه الذى جاوز تعداده ١،٣ بليون نسمة «أجيبلكم منين» كما قال يومًا مبارك لشعبه ولكن علمهم ودربهم وأهَّلهم لسوق العمل ثم صدرهم. حكومة احترمت العلم وقدرّته فغزت العالم بعلمائها وأطبائها. دولة حولت وما زالت تحول عشوائياتها إلى مناطق آدمية. يد التعمير فيها تجرى فى كل مكان لتبنى المطارات الرحبة والطرق المنظمة على أعلى مستوى من الرقى والتشطيب المتقن. إنها فعلًا كما تسمى نفسها الهند الخرافية... وتستحق....!!