ثلاث وأربعون سنة هى رحلة حياة بحلوها ومرها، حياة الأستاذ الموسيقار الراحل محمد مُرشان وزوجته فنانة المسرح المصرية «عطيات محمد فرغلي» من رافقتهُ في حله وترحاله، وشاركتهُ صوغ ألحانه، كشاهدة على تأليف الكثير منها وكمُلهمة في بعضها، اتصلتُ بها مُعزيةً فقدها العزيز بوفاته بمستشفى السلام بالقاهرة، فبدت لى صابرة رابطة الجأش وقالت: ساعاتُ احتضار ليس إلا، ثم رحل دون أن يُزعج أحدًا أو أن يطُول به عذابُ المرض وذُل الشيخوخة، استأذنتُها في موعد للقاء أعتبرهُ يوثق من طرفها سيرة تلك الحياة لفنان وإنسان كانت هى من أقرب الناس إليه، وكان أن استقبلتنى السيدة الفنانة عطيات مُرحبة في شقتها المُتواضعة بشارع الهرم، رفقة حفيدتها إيمان إيهاب عامر «ابنها من زوجها الأول».
بادرتنى في مفتتح سؤالي: كيف تعارفتما؟ بأن لحظة تعرفها على «محمد مرشان» بدت بعداوة، إذ احتجت على دفعه حساب لها ورفاقها بكافتيريا المسرح كتحية تقدير، وتعبير عن أعجابه بأدائها في البروفة المسرحية، لكن عقلها ذهب بعيدا بتفسير ذلك التصرف، وأعلنت في نفسها عن أهماله ومقاطعته، ففى نظرها ليس كل من يجالس أساتذتها وينشغل بعوده في ركن من المسرح مشفوع له بالدفع عنها! وجاء يوم العرض وتحية الجمهور للممثلين، فتقدم أستاذها فايز حلاوة لتعريفها بمتفرج الصف الأول قائلا: «صديقنا وحبيبنا محمد مرشان اللى هو محمد عبدالوهاب بتاع ليبيا، وعن جدارة وشغل سلمت عليه عطيات وردت التحية والتقدير، وتفاجأت بأنه بقى صامتا، وهو التصرف الذى شغلها من جهة وحرك قلبها تجاهه من جهة أخرى، ولم يشف حيرتها غير إجابته بعد زواجهما، وبعد مضى فترة من الزمن على ذلك السلام، قالت لي: في يوم من الأيام عدتُ وصديقتى نادية حسين إلى بيتنا ودخلنا غرفتني، فجاءنى والدى ونادى على لأُسلم على أساتذتى الذين أعرفهم ويعرفوننى فايز حجاب، وحسن أبو داود «المنتج المسرحي»، وطلب منى الجلوس، والدى الصعيدى المتزوج من والدتى تركية الأصل، ذلك ما أوجد في بيتنا خليطا من المُحافظة والانفتاح، ثم أشار وقال هذا الأستاذ محمد مرشان جاء لخطبتك رسميًا، كان السكوت جوابى ولم أرد بكلمة، أحسست أن التحدث في أمر الزواج والارتباط باغتني، فقام أستاذ داود بقطع حيرتى وشرودى بأن قال السكوت علامة الرضا.
الفنانة المعتزلة عطيات من بور سعيد، مدينة على البحر، ما تعتبره مُشتركها مع زوجها مرشان فطرابلس مولده ومستقرهُ على البحر، والدها المهندس الذى جاء للعمل بالقاهرة في الهيئة اللاسلكية «البريد والاتصالات»، بعد اجتيازها الثانوية العامة اختارت الاتجاه لدراسة المسرح بالقاهرة وعملت في التمثيل والإخراج، باسم مستعار هو نادية سيف الدين، وقد عملت كممثلة في عدة مسرحيات بين تخرجها وزواجها الأول من ابن خالتها منها الكوميديا الساخرة «حركة واحدة أضيعك»، إخراج فايز حجاب، «المغفلون الثلاثة»، إخراج نور الدمرداش، و«حكمت فيه ليه»، إخراج أحمد طنطاوى و«البنت كبرت»، قدمت عروضها في مسرح الحرية «وسط البلد خلف الجامعة الأمريكية» وعلى مسرح معهد الموسيقى العربية شارع رمسيس، وظل حب المسرح يملأ كيانها عقب اعتزالها وذكرت أنها ومحمد مرشان شاهدا مسرحيات على التليفزيون وناقشاها معا، في عام 1972 وهى خريجة حديثة من المعهد العالى للفنون المسرحية قسم الإخراج، رشحها الأستاذان زكى طليمات ونور الدمرداش للعمل المسرحى الكوميدى «حركة واحدة أضيعك» من إخراج الأستاذ فايز حجاب، وتم عرضها بمسرح معهد الموسيقى العربية وهى المسرحية مفتاحها لباب قلب الموسيقار الكبير محمد مرشان.