الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مداخل مبتكرة لتطوير المحتوى الصحفي «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في السنوات الأخيرة، حدث تراجعٌ مستمر في الإقبال على الصحافة والمحتوى الصحفى المنشور في الصحافة المصرية سواء المطبوعة منها أو الإلكترونية، وقد تجلى ذلك في تدنى أرقام توزيع الصحف المطبوعة، وتراجع معدلات المرور لمواقع الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية، مما جعل كثيرًا من المؤسسات الصحفية يعتبر أن أرقام توزيع الصحف المطبوعة كعمر المرأة لا يجوز الإفصاح عنها، وجعل بعض الصحف الإلكترونية والمواقع الإخبارية تقوم بتزوير أرقام المرور لمواقعها وعدد المستخدمين لها بغية الحصول على الإعلانات ومصادر التمويل، ومحاولة كسب ثقة القراء.
وفى الحقيقة، إن هذا التراجع الحاد في أرقام الصحف المطبوعة وعدد مستخدمى المواقع الإخبارية والصحف الإلكترونية لم يكن نتاجًا لعوامل خارجية؛ أى خارج نطاق العمل الصحفي، بل للأسف كان ذلك بسبب تراجع إقبال جمهور القراء على استهلاك المحتوى الصحفى المقدم لهم، ولم تسعَ صناعة الصحافة والإعلام إلى تطوير المحتوى المقدم، مما أفقد الجمهور الرغبة في استهلاك السلعة البائرة التى تقدمها الصناعة، التى ترتفع كُلفة إنتاجها، وتزداد كُلفة استهلاكها وتوزيعها في الوقت نفسه.
ولعل ذلك هو ما حدا ببعض المؤسسات الصحفية والإعلامية إلى إنشاء وحدات لتطوير المحتوى، دون أن يدرك بعض مَن أوكلت إليهم هذه المهمة طبيعة تطوير هذا المحتوى، والاتجاهات والمداخل الحديثة في هذا المضمار. وربما يكمن هذا الغموض في هذه المهمة النوعية في تطوير المحتوى الصحفى إلى انعزال الصحفيين المصريين - في معظمهم- عن التوجهات العالمية في هذه السبيل من جهة، وعدم مطالعة معظم العاملين في الصناعة للدراسات التى تُجرى في هذه السبيل ليس على مستوى العالم فقط، بل في مصر أيضًا، والتى أُجريت فيها بعض الدراسات أو قُدمت فيها بعض أفكار المشروعات البحثية لتطوير المحتوى، والتى أشرُف بالإشراف على بعضها.
وفى هذه السلسلة من المقالات أستعرض بعض الاتجاهات الحديثة والمداخل المبتكرة لتطوير المحتوى الصحفى والإعلامى بغية استعادة المساحة المفقودة والتأثير المتراجع للصحافة بنوعيْها المطبوعة والإلكترونية، وبغية استعادة إقبال القراء وجذبهم إلى استهلاك المحتوى المقدم.
لقد حقق التطور التكنولوجى في مجال الاتصال ثورةً هائلة انعكست تفاصيلها على شبكة الإنترنت والأقمار الصناعية والتكنولوجيا الرقمية وأجهزة الحاسوب والأتمتة وكل ما له علاقة بمخرجات الذكاء الاصطناعي، وأدت تلك التأثيرات إلى تشكيل حالة فريدة، وبلورة مفاهيم وآليات إعلامية جديدة كان لها الفضل في ظهور خريطة اتصال حديثة تجمع بين المرئى والمسموع والمطبوع تستطيع نقل المحتوى بسرعة فائقة للمجموعات والأفراد، وتُحدث أيضًا حالة من التفاعل المتبادل، وفى بعض الأحيان تُوكل للتكنولوجيا أدوارًا للقيام بها بدلًا من البشر.
وقد ساعدت تقنيات الذكاء الاصطناعى في تقديم مفهومٍ متطور في مجال الإعلام يُعرف اليوم بصحافة الذكاء الاصطناعى Artificial Intelligence Journalism أو صحافة الروبوت Robot Journalism والتى من المحتمل أن تقود إلى تحولاتٍ كبيرة في بنية المؤسسات الإعلامية وطرق عملها، كما يُتوقع أن تُمثل الصحافة المستعينة بأنظمة الذكاء الاصطناعى حالةً فريدة في جمع الأخبار وكتابتها بعيدًا عن الجهد البشرى، خاصة أن الذكاء الاصطناعى يعمد إلى محاكاة السلوك الإنسانى من خلال فهمه وتحويله إلى برامج حاسوبية لديها القدرة على اتخاذ قرارات والبحث عن حلول لمشكلات معينة عن طريق توصيفها والاستدلال عليها من خلال المعلومات التى غُذى الحاسوب بها.
ويمكن تعريف صحافة الذكاء الاصطناعى بأنها: «حقبة جديدة من الإعلام تتضافر مع تقنيات الثورة الصناعية الرابعة، وتخلق أدواتٍ إعلامية جديدة، وتصيغ محتوى إعلاميا أكثر تأثيرًا، وتحافظ على تنوع الجمهور وتلبى طموحاته، وتصنع قنوات لتبادل الآراء وردود الأفعال بصورة تفاعلية مستمرة على مدى 24 ساعة».
ولا شك أن تقنيات الذكاء الاصطناعى وتطبيقاته والتطورات التى يشهدها العالم في هذا القطاع ستقود إلى ثورة تقنية في قدرة وسائل الإعلام على التأثير ومخاطبة الجمهور وتشكيل الرأى العام، مما يتطلب من مختلف وسائل الإعلام العربية، الاستعداد مبكرا لهذا الأمر، الذى سيضاعف من التنافسية والسباق المحموم للريادة إعلاميًا على مستوى الشرق الأوسط والعالم. لأن تطبيقات الذكاء الاصطناعى ستوفر لوسائل الإعلام أدواتٍ أكثر ذكاءً وتقدمًا وسرعة في نقل الخبر إلى المتلقى وتفاعل الأشخاص مع ذلك.
وقد بدا واضحًا في السنوات الأخيرة أن الأتمتة اخترقت بقوة المؤسسات الإخبارية العالمية ونجحت في إنتاج آلاف القصص الإخبارية دون تدخل بشرى بدءًا من جمع المعلومات وتصنيفها ومن ثم تحريرها ونشرها، خاصة في المجالات الرياضية والمالية بالإضافة إلى أحوال الطقس، ومن المتوقع أن تتوسع لتشمل مجالات التغطية الإخبارية كافة.
وحتى الآن، يبدو أن استخدامات الذكاء الاصطناعى في الصحافة، حسب التجارب العالمية القائمة، يشمل خمس مهمات أساسية:
إنتاج الأخبار القصيرة بشكل آلى في الموضوعات المعتمدة على البيانات الإحصائية.
تتبع الأخبار العاجلة وتنبيه الصحفيين بالمعلومات الجديدة ذات الصلة بموضوع ما.
إجراء بحث بشكل أسرع وأدق، وربط المعلومات بسرعة وكفاءة، وتحويلها إلى أشكال بيانية.
التصحيح الإملائى والنحوى والأسلوبى للغة بشكل تلقائي.
فحص الحقائق بشكل سريع وموثوق، واكتشاف الأخبار الزائفة، مثل الخوارزميات التى بدأ فيسبوك باستعمالها من أجل التخلص من الأخبار الزائفة.
وبرغم من مخاوف البعض من قيام المؤسسات الصحفية بالتخلى عن العنصر البشرى لصالح الروبوت، إلا أن عديدًا من الدراسات أكدت أن التوجه نحو استخدام البرمجيات في العمل الصحفي، لا يستهدف الاستغناء عن الصحفيين، ولكنه فرصة لتحريرهم من عمليات إنتاج التقارير الروتينية، مما يوفر لهم مزيدًا من الوقت للقيام بالمهام المعقدة والتصدى للقضايا المهمة، والتى تحتاج إلى مزيد من التركيز والاستقصاء والتحليل.
في هذا الإطار تتحدد مشكلة الدراسة التى أقوم بالإشراف عليها لتلميذتى دينا طارق محمود المدرس المساعد بقسم الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة في دراسة كيفية توظيف الصحافة المستعينة بأنظمة الذكاء الاصطناعى في مصر والاستفادة منها في تطوير بيئة العمل الصحفي، وما يترتب على ذلك من تغييرات جوهرية في مستقبل العملية الصحفية سواء من حيث بنائها، والمسئوليات المنوطة بعناصرها، والأدوار التى من الممكن القيام بها، إلى جانب تأثيراتها على اللغة الصحفية والإعلامية، وكذلك رصد أهم مميزات وعيوب تطبيق صحافة الذكاء الاصطناعى بالإضافة إلى الفرص التى تخلقها والتحديات التى ستواجها في المؤسسات الصحفية المصرية.
وعلى جانب أخر تهتم الدراسة برصد تأثير استخدام الروبوت على وظائف الصحفيين الحاليين، والتعرف على الأدوار المنوط بالصحفيين القيام بها، وأهم المهارات التى يجب إتقانها للتكيف مع بيئة العمل الجديدة، وتحقيق التكامل بين الصحفى والبرمجيات من أجل تحسين جودة العمل.
كما تهتم الدراسة بالاستفادة من رؤية مجموعة من الخبراء (الأكاديميين والممارسين) في وضع مجموعة من السيناريوهات المستقبلية للصحافة المصرية في ظل التطورات التى تفرضها الصحافة المستعينة بأنظمة الذكاء الاصطناعي، وهو ما يتيح فرصة لرسم ملامح مستقبل الصحافة المصرية مع بدء استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعى في العمل الصحفى والتى ستساعد في تغيير بيئة العمل ومواكبة التطورات في غرف الأخبار العالمية والتأثير بشكل كبير على الصحفيين والمضمون المقدم.
ونستعرض في الأسبوع القادم مدخلًا جديدًا لتطوير المحتوى الصحفى.