«محلاها عيشة الفلاح.. مطمن قلبه ومرتاح.. يتمرغ على أرض براح.. والخيمة الزرقا ساتراه.. ياه ياه.. ياه ياه.. القعدة ويا الخلان.. والقلب مزقطط فرحان.. تتاقلها بجنة رضوان.. يا هناه اللى الخل معاه.. ياه ياه.. ياه ياه.. الشكوى عمره ما قالهاش.. إن لاقى والا ما لاقاش.. والدنيا بقرش ما تسواش.. طول ما هو اللى حبه حداه.. ياه ياه.. ياه ياه».. تلك الكلمات الرائعة، لـ «بيرم التونسي»، وألحان محمد عبد الوهاب، وغناء «أسمهان»، جسدت الحياة الجميلة لفلاحى مصر.
وبعد مرور أسابيع قليلة على قيام ثورة 23 يوليو 1952، صدر قانون الإصلاح الزراعى، ليمثل تغييرا ضخما في هيكل الملكية، وتركيب المجتمع، حيث امتلك فقراء مصر حصص من أراضى الأغنياء والإقطاعيين، وبذلك أصبح موعد صدور هذا القانون، عيدًا للفلاح، يكرم فيه وإعطائه جزءا من حقه ولو معنويا.
وحدد قانون الإصلاح الزراعي، سقف الملكية الزراعية للإقطاعيين الذين سخروا الفلاحين لخدمتهم، في محاولة من الثورة، لإعادة الحقوق الضائعة للفلاح، الذى عاش طوال عمره أجيرا يعانى من الفقر والاستبداد، وفى هذا اليوم قام الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بتوزيع عقود الملكية للأراضى على الفلاحين بمعدل 5 أفدنة لكل منهم.
و»الفلاح»، هو رمز للشخصية المصرية، لما يوفره من الأمن الغذائى للبلاد، ويُعد الاحتفال بعيده الذى يوافق التاسع من شهر سبتمبر من كل عام، تكريما له واعترافا بفضله وجهده في التنمية الزراعية بالدولة.
وتحتفل مصر بـ«عيد الفلاح» في نفس التوقيت من كل عام، اعترافا بدوره في توفير الغذاء، وقيامه بمهنة الزراعة التى هى من أقدم المهن في مصر منذ عهد الفراعنة، كما يواكب 9 سبتمبر، مع ذكرى وقوف الزعيم أحمد عرابى، في مواجهة الخديو توفيق عام 1881، وقوله عبارته الشهيرة «لقد خلقنا الله أحرارا، ولم يخلقنا تراثا أو عقارا، فوالله الذى لا إله إلا هو لا نورث ولا نستعبد بعد اليوم».
ويمثل الفلاحون، نحو 50 مليون مواطن، أى ما يقرب من نصف عدد الشعب، واستطاعت السينما المصرية، تجسيد حياة الفلاح وإعطائه مكانة كبيرة في عقل ووجدان المشاهد المصرى والعربي، ومن أبرز الأفلام التى رصدت حال الفلاح، فيلم «الأرض» بطولة الفنانين محمود المليجي، عزت العلايلي، نجوى إبراهيم، يحيى شاهين، توفيق الدقن، حمدى أحمد، صلاح السعدني، عبدالرحمن الخميسى، عبد الوارث عسر، واخراج يوسف شاهين، و«شيء من الخوف» بطولة شادية، ومحمود مرسي، ويحيى شاهين، وإخراج حسين كمال، و«ليلى بنت الريف» بطولة ليلى مراد، ويوسف وهبي، و«النداهة» بطولة ماجدة، شكرى سرحان، وشويكار، و«دعاء الكروان» إخراج هنرى بركات، وبطولة أحمد مظهر، وفاتن حمامة، وأمينة رزق، وزهره العلا، و«الزوجة الثانية» إخراج صلاح أبو سيف، وبطولة سعاد حسني، وشكرى سرحان، و«البوسطجي» بطولة شكرى سرحان، وزيزى مصطفى، وصلاح منصور، وسهير المرشدي، ومشيره إسماعيل.
وبعد مرور 67 عامًا على تكريم الفلاحين، هل تحسنت أحوال الفلاحين؟.. للأسف أغلب الحكومات المتعاقبة في السنوات الماضية لم تلتفت إلى أهمية تطوير الزراعة، ودعم الفلاحين، الذين هم العمود الأساسى للمجتمع، والذى لايزال مجتمعًا زراعيًا بالأساس.
للأسف، تعرضت الطموحات التى كانت مرتبطة بقوانين الإصلاح الزراعى، تعرضت لانتكاسة منذ منتصف السبعينيات، بعد سياسة الانفتاح الاقتصادى، وتفكيك المؤسسات الزراعية، خاصة التعاون الزراعى، التى كانت قاطرة التنمية في مصر، واتباع سياسة «الاستيراد»، ورفع يد الدولة عن العملية الزراعية، من الإئتمان إلى التسويق مرورًا بالإنتاج، وترتب على هذه السياسات، نقصان المساحات الزراعية، وزيادة معاناة الفلاحين، وانتشار ظاهرة الاحتكار.
وأدى الإهمال في السنوات الماضية إلى ضعف طرق الإنتاج والتسويق، وتدنى مستوى التعليم الزراعي، وتدهور أوضاع وحياة الفلاحين المعيشية، وحدوث خلل واضح بين الواردات والصادرات الزراعية.
ويطالب الفلاحون، بإدخال كفالة الخدمات العامة إلى الريف، مثل الكهرباء والطرق المرصوفة ومياه الشرب النظيفة والصرف الصحى وتوفير شبكات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية والعلاج المجانى خاصة للمستأجرين وصغار الملاك وإنشاء مستشفيات حكومية متطورة بكل قرية مصرية، وتوفير الرعاية التعليمية المجانية وتطوير وتحسين أوضاع المدارس والمدرسين لوقف تسرب الأطفال في الريف، وتوفير فرص عمل لائقة لكل أبناء الريف من خلال تطوير الزراعة والصناعات المرتبطة بالإنتاج الزراعى، ومعالجة المشكلات الناتجة عن البطالة وإنشاء نوادٍ رياضية وفنية وإقامة دور للسينما والمسرح بكل قرية ومركز ومدينة، وتوفير مياه رى كافية لأراضى المزارعين، وتطهير الترع والمساقى وتجديد وصيانة الموارد المائية.
وشهد القطاع الزراعى طفرة كبيرة وملموسة، في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث تحققت الكثير من الإنجازات من خلال المشروعات القومية الزراعية، ومنها مشروع المليون ونصف المليون فدان، والصوبات الزراعية، التى بدأت تؤتى ثمارها، إنشاء صندوق للتكافل الزراعي، لتغطية الأضرار الناجمة عن كوارث الطبيعة، ويحقق التنمية الزراعية المستدامة، ويحافظ على دخل الفلاحين، وصدور قانون ينظم التأمين الصحى للعاملين بالزراعة وللفلاح، إضافة إلى قرارات كثيرة تصب في صالح الفلاح.. ورغم هذه الإنجازات ما زال الطريق طويلا لتحقيق كل متطلبات الفلاحين وتوفير حقوقهم فهم عمود التنمية في مصر.
وفى الختام، نقول لفلاحى مصر، كل عام وأنتم ومصرنا الغالية بخير وصحة وأمان، و«محلاها عيشة الفلاح».