الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ليس بالقانون وحده يحيا الإنسان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس بالقانون وحده يحيا الإنسان، وإنما بالقانون والأخلاق معًا، إننا نخطئ خطأً جسيمًا في حق الأخلاق حين نسعى إلى حصر مجالها في دائرة الزجر أو القمع أو الإدانة. ذلك أننا سوف نساوى في هذه الحالة بين الأخلاق والقانون، إذ الردع وتوقيع الجزاءات والعقوبات المادية من خصائص القانون، ويقع على عاتق رجال الشرطة تنفيذ نصوص القانون. إن «الجزاء» أو «العقاب» هو أهم سمة تميز القانون عن الأخلاق.. ومن ثمَّ فإن فلسفة القانون لا تكمن فقط في معاقبة من يرتكب مخالفات أو جرائم، بل تتمثل في «الردع» أيضًا، تطبيق القانون لا يضمن معاقبة المجرمين فحسب، بل يمنع أيضًا المواطن العادى من مجرد التفكير في ارتكاب مخالفات أو جرائم خشية العقاب!! أما الأخلاق فهى التزام داخلي. ومن ثمَّ؛ فإن من يتجنب ارتكاب الرذائل خشية العقاب، هو مواطن مطيع للقوانين، لكنه ليس بالضرورة إنسانًا «فاضلًا».
الأخلاق لا تتحقق إلا لمن يملك حريته، فالإنسان المقهور ليس أخلاقيًا. فإذا كنت تتسوق بمتجر كبير، ووقع بصرك على شيء أردت شراءه، لكنك لا تملك ثمنه، فهل إحجامك عن سرقته والاستيلاء عليه يُعَد فضيلة؟ واقع الحال أنك لا تملك الحرية التى تمكنك من سرقة هذا الشيء، حتى لو أردت، ذلك أن عيون رجال الأمن بالمتجر ترصد حركاتك وسكناتك أنت وغيرك من المتسوقين، فضلًا عن كاميرات المراقبة الإلكترونية التى ترصد دبيب النملة، كل ذلك هو الذى منعك من ارتكاب جريمة السرقة خشية القبض عليك ومعاقبتك. ومن ثمَّ فإن إحجامك عن السرقة ليس معيارًا لما تتحلى به من فضائل. المعيار الحقيقي، هو يقينك بخلو المتجر من رجال الأمن، بل خلوه من أى إنسان، ليس هذا فحسب، بل إدراكك التام بأن كل كاميرات المراقبة الإلكترونية متوقفة تمامًا عن العمل، رغم معرفتك اليقينية بذلك أحجمت عن السرقة، لإيمانك أن السرقة رذيلة، حينئذ يكون ما قمت به فعلًا فاضلًا، وتكون أنت إنسانًا أخلاقيًا حقًا.
هل حقًا أنت إنسان فاضل؟ أم أنك تتعمد التظاهر بذلك فحسب؟
هل تريد أن تعرف ما إذا كنت حقًا على خلق أم لا؟
هناك معيار بسيط للغاية يمكنك أن تقيس به مقدار ما تتحلى به من أخلاق:
تخيل أنك امتلكت «وسيلة» أو «أداة» تمكنك من الاختفاء تمامًا، فلا يستطيع أحد من الناس أن يراك، رغم وجودك أمام ناظريه، لكن هذه «الوسيلة» التى امتلكتها «خاتم سحري» مثلًا أو «غطاء رأس سحري» (طاقية إخفاء)، حالت بين الناس ورؤيتك.
تخيل أنك امتلكت هذه «وسيلة»، وتخيل أيضًا مقدار الطمأنينة والأمان الذى سوف تشعر به، والذى سيمكنك من ارتكاب نوعيات مختلفة من الجرائم والرذائل دون خوف أو وجل، من أن يضبطك أحد متلبسًا، إذا صار اليقين يملأ قلبك بأن أحدًا لا يراك ولن يراك، تفعل ما تشاء بفجور شديد، وحين تدرك أن هناك من يرصدك، ترتدى ثوب العفة والتقوى والورع.
الإنسان الأخلاقى هو الإنسان الصادق مع نفسه، قبل أن يكون صادقًا مع الآخرين. على المرء أن يكون صادقًا حتى وإن كان يعيش وحيدًا في جزيرة منعزلة، لأن الصدق مع الذات، هو عماد الصدق مع الغير.
أعرف شخصًا كان يتباهى بأنه يعرف دقائق أسرار غرفة نوم أحد زملائه في العمل، مستغلًا ما كانت تحكيه له زوجة ذلك الزميل طوال فترة خلافها مع زوجها والتى طالت وانتهت بالطلاق، كانت زوجة ثرثارة لا تصون أسرار بيت الزوجية، حتى لو تصدع البيت وانهار، وهناك المتربصون المتلصصون، الذين يجيدون التسلل إلى الحرمات وانتهاك الأعراض. كل هذه السلوكيات تكشف زيف التدين الظاهرى في مجتمعنا، وكذلك زيف أولئك الذين ينادون ليل نهار بالقيم والمثل وهم غرقى في الأوحال من أخمص قدمهم حتى شعر رأسهم.. الصدق هو العنوان الصحيح للأخلاق الحقيقية، وللمجتمع السليم.
ولنضرب مثالا أخيرًا للصدق مع النفس، وللأخلاق الحقيقية التى يمكنها أن تصلح المجتمع:
لنفترض أن إنسانًا سيئ الخلق اعترض طريق إحدى الفتيات وهى تسير ليلًا عائدًة إلى منزلها الكائن بأطراف المدينة، وحاول ذلك الإنسان اغتصاب تلك الفتاة تحت تهديد السلاح، وتصادف مرور أحد الشباب في هذه الأثناء، فشاهد الواقعة بتفاصيلها منذ بدايتها، واكتفى الشاب بالمشاهدة دون أن يحرك ساكنًا... السؤال الآن: هل موقف الشاب السلبى الذى اكتفى بمشاهدة ذلك المجرم يتجه نحو الفتاة شاهرًا سلاحه ملقيًا بها على الأرض محاولًا اغتصابها، ثم انصرف إلى حال سبيله، هل موقفه هذا يُعَد موقفًا أخلاقيًا؟ أم أنه يتعارض مع أبسط مبادئ الأخلاق؟
إذا توقفنا عند مضمون هذا المثال، قد نجد أحد القرًّاء يجيب عن السؤال السابق: إننى لو كنت مكان الشاب الذى شاهد وقائع جريمة الاغتصاب المذكورة في المثال، فإننى قد أوثر السلامة وأفعل ما فعله ذلك الشخص وأنصرف إلى حال سبيلى دون تدخل لمنع الجريمة. وليسمح لى هذا القارئ أن أهمس في أذنه: «هل لو كانت شقيقتك أو ابنتك أو والدتك مكان هذه الفتاة كنت آثرت السلامة وتركتها تلاقى مصيرها وذهبت إلى حال سبيلك؟ إن دفاعك عن هذه الفتاة سوف يجعل الله يسخر لك من يدافع عن شقيقتك أو ابنتك أو والدتك لو حدث - لا قدر الله - وتعرضت إحداهن لمثل هذه الحادثة، ولن يقول لنفسه حينئذ: على أن أوثر السلامة».. دائمًا ما تنتهك الأعراض وتضيع الأوطان حين يؤثر الناس السلامة. 
وهذا ما عبر عنه «كانط» في كتابه «تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق» عليك أن تسلك وكأنك تشرع للبشرية كلها، وبالتالى على المرء أن يضع هدفًا واضحًا له متمثلًا في حرية الإنسان وكرامته. إن ما يتفق مع هاتين القيمتين إنما يمثل هدفًا أخلاقيًا، أما ما يتعارض معهما فيُعَد بالضرورة عملًا لا إنسانيًا. ويمكن للأسرة والجماعة والمجتمع والمؤسسات التربوية، بل ينبغى لها، أن تساهم في تعزيز احترام حقوق الإنسان في الوقت الذى تساعد فيه على تثقيف عناصر جديدة من أفراد المجتمع بمنظومة قيم تشمل احترام كرامة الإنسان وحريته وحقوقه، والتسامح، والوعى بالمسئولية تجاه المجتمع والبشرية.