الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

واحة الخميس.. جمال عبد الناصر - 7

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع مطلع سنة 1951، بدأ اسم تنظيم الضباط الأحرار يتردد على الألسنة سواء في الجيش أو خارجه، خاصة بعد اتصال جمال بحركة «حدتو» اليسارية من ناحية، وبجماعة الإخوان اليمينية من ناحية أخرى، وبعد استدعاء رئيس هيئة أركان الجيش لجمال وسؤاله عن التنظيم ومدى صحة إشرافه على تدريب مجموعة من الفدائيين الذين يقاتلون الإنجليز في مدن القناة، وبعد أن اعترف جمال وتفاخر بهذا الأمر، تعاطف الفريق عثمان المهدى رئيس هيئة أركان الجيش معه لأنه كواحد من أفراد الجيش كان يشعر بغصة بعد هزيمتنا في 48، ولذا فقد حفظ الرجل التحقيق وأبلغ قادته بأنه لم يجد دليلًا واحدًا يثبت تورط جمال في هذا الفعل، وعلى كل حال فقد حذره من العمل بأى أمر خارج الجيش، ولأن جمال قد لمس تعاطف غالبية قادة الجيش مع ما يدعو إليه؛ فقد قرر أن ينتقل التنظيم من مرحلة السرية إلى مرحلة الكشف عن نفسه والإعلان عن وجوده، وذلك بتوزيعه ولصقه لبعض المنشورات الداعية إلى التحرر وجلاء المستعمر ومحاسبة الذين تسببوا في هزيمة 48، وقد أراد جمال بهذه الخطوة الشجاعة أن يبدى صورة لضباط الجيش توحى بقوة تنظيمه، فالإعلام قد يعكس ما هو غير حقيقى ويرسخه في أفئدة وعقول الناس، وهذا ما أراده جمال حين كشف عن تنظيمه السرى بالمنشورات التى حملت اسم الضباط الأحرار، والتى جعلت أفراد الجيش يشعرون بقوة التنظيم وتشعبه داخل مختلف الأسلحة والوحدات العسكرية، مما أعطى ذلك اطمأنانا لمن أراد الانضمام إليه، وقد اعتبر جمال هذه الخطوة أيضًا هى البداية الحقيقية لمرحلة التعبئة الثورية من أجل حركة شاملة تم تحديد موعدها - كما ذكرنا في المقال السابق - منتصف عام 1955، ولا شك أن جمال ما كان سيتخذ هذه الخطوة لولا إدراكه أن معظم أفراد الجيش إن لم يكن كلهم يحلمون بنفس أحلامه من جلاء للمستعمر وقضاء على الظلم والفقر الذى يعانيه الغالبية العظمى من أبناء الشعب المصرى آنذاك، وكان جمال يستغل موقعة كمدرس في كلية أركان حرب ليبث أفكاره في عقول الضباط الذين يدرسون على يده، وفى الثامن من مايو 1951 رقى جمال إلى رتبة البكباشى (المقدم)، وأصبح اسمه يتردد بين الكثير من المثقفين الذين تعرف بهم بعد عودته من الفالوجا في 49، وقبل نهاية عام 51 قرر جمال أن يظهر قوة تنظيم الضباط الأحرار للجميع، وذلك من خلال انتخابات نادى الضباط؛ حيث قرر أن تتضافر جهودهم لإثبات قوة تنظيمهم في مواجهة الفساد الملكى، وتم الاتفاق على أن يكون مرشحهم هو اللواء محمد نجيب ضد حسين سرى عامر قائد سلاح الحدود، والمعروف بولائه التام للقصر، أما اختيارهم لمحمد نجيب فيعود لكراهية الملك له، بعدما أصدر مرسوما ملكيًا بإبعاده عن قيادة سلاح الحدود ونقله مديرًا لسلاح المشاة، وكان نجيب هو واحد من المتعاطفين مع مطالب الضباط الأحرار؛ حيث شارك في حرب 48 وعانى من الأسلحة الفاسدة، وأصيب ببندقية من مخلفات الحرب العالمية الثانية التى جمعها صهر الملك من الصحراء الغربية وباعها للجيش بأمر مباشر من جلاله الملك، وأجريت انتخابات نادى الضباط في ديسمبر 51، وكانت النتيجة بمثابة صدمة للجميع، فقد فاز نجيب بأغلبية ساحقة، ولم يحصل منافسه إلا على ثمانية وخمسين صوتًا فقط من مجموع الأصوات البالغة أكثر خمسمائة صوت، كما فاز في مجلس الإدارة البكباشى زكريا محيى الدين وحسن إبراهيم وجمال حماد وأحمد حمدى عبيد ومحمد رشاد مهنى وجميعهم من الضباط الأحرار، وهكذا أكدت نتيجة الانتخابات فأعلىة التنظيم وقدرته وتغلغله بين أفراد الجيش، وكان من الطبيعى أن يسأل الملك عن هذا التنظيم، وأن يسعى جاهدا للقضاء عليه خاصة، وقد وقف التنظيم ضد رغبته، وأسقط مرشحه ورجله الذى كان يود أن يعينه يوما ما وزيرا للحربية، وفى اليوم التالى فوجئ الجميع بمقال نشره حسين سرى عامر دون إذن من القيادة، وفيه هاجم الضباط الأحرار هجوما مليئا بالشتائم والتوعد لهم، وأقسم بأنه سيدخلهم جميعا السجون، مما أثار غضبهم، فدعا جمال إلى اجتماع عاجل للهيئة التأسيسية للتنظيم، وكان أنور السادات قد انضم للتنظيم، وبعد يومين من إعلان نتيجة الإنتخابات استدعى وزير الحربية الفريق حيدر، اللواء نجيب رئيس نادى الضباط المنتخب، وأبلغه صراحة بأن رغبة مولانا هى ضم حسين سرى عامر لمجلس الإدارة بأى شكل وبأى حال، وإلا فإنه لن يصدق على نتيجة الانتخابات وربما يقوم بإلغائها، ورفض نجيب هذا التهديد، وعلم جمال أن حسين سرى عامر قد جمع كشفا بأسماء مجموعة كبيرة من الضباط الأحرار، وأنه سيقدم هذا الكشف للملك الذى سيقدمه بدوره للحرس الحديدى من أجل القاء القبض عليهم وتلفيق التهم المختلفة لهم، فكان قرار الهيئة التأسيسية للضباط الأحرار باغتيال حسين سرى عامر، وتم تكليف اليوزباشى كمال رفعت وحسن تهامى بتنفيذ العملية، وبالفعل أطلقا عليه الرصاص في مساء 8 يناير 52، بينما كان جمال ينتظرهما بسيارته (الآستون) الصغيرة بشارع جانبى، ولم تفلح المحاولة، حيث أصيب حسين سرى عامر ببعض الإصابات الطفيفة، وبقى الفاعل مجهولًا حتى كتب كمال رفعت مذكراته وكتب عبدالناصر فلسفة الثورة.. وللحديث بقية.