الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

فنون تشوه الواقع.. وأخرى تقود للمستقبل

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا شك أننا نعانى الكثير من المشكلات في وقتنا الراهن، ولكن على رأس ما نعانيه انحدار الفنون والثقافة، وهى المجالات التى يمكن أن تحقق الوعى، وتقودنا إلى التقدم في أقصر وقت ممكن إذا تنبهنا إلى جانب افتقارنا إلى الجدية وانتشار ثقافة الاستسهال في كل المجالات، حتى إننا أُغرقنا في الهزل، وصار الجد هزلا.. وعلى مستوى الفن الذى كنا نملك ريادته يوما ما، فبكل أسف تراجعنا فيه بشدة خلال السنوات الماضية، ورغم بعض المحاولات التى تتم بين الحين والآخر لإنتاج فن جيد، ولكن لا تزال الخطوات بطيئة للغاية، ولا تتناسب طرديا مع الهدم المستمر لكل القيم التى يمكن أن تبنى الأمم، والمشكلة أننا في الوقت الذى أصبحنا ننظر فيه للفن كوسيلة للتسلية فقط، ولا نقدر أثر ما يقدم من أعمال هابطة، هناك من يرصدون له ميزانيات مهولة لتحقيق أهدافهم السياسية والاجتماعية، حتى إن الفن أصبح لاعبا سياسيا هاما في المنطقة خلال السنوات الأخيرة! وعلى سبيل المثال الأعمال الدرامية والأغانى التى ساهمت في تحريض الشعوب العربية ضد أجهزتها الحكومية والشرطية، لإسقاط أنظمة الحكم.. أو الدراما التركية التى انتشرت بشكل واسع في الدول العربية منذ عدة سنوات، لجذب العرب ومحاولة إيقاظ حلم الخلافة العثمانية.. كذلك الميزانيات الضخمة التى ترصدها إيران لدعم مشروعها السياسى بعودة الإمبراطورية الفارسية.. أما فنون الطفل وخاصة البرامج وأفلام الرسوم المتحركة، فقد تركنا المجال بشكل شبه كامل لغيرنا، فإما أعمال أجنبية مدبلجة تبث سموما لا ندرك شراستها حتى الآن، أو ريادة خليجية في ظل التراجع المصرى الحاد، ولا ننسى أن دولة كقطر اهتمت بهذا المجال وأطلقت قنوات خاصة للأطفال منذ التسعينيات، ولا أعتقد أن هناك من يدرس ويحلل مضمون ما يعرض في هذه القنوات، والتأثير المرتقب الذى يمكن أن نتفاجأ به في الأجيال الجديدة لاحقا.. وخاصة أن نسبة الأطفال في مصر تزيد على 40 % من عدد السكان.. وفى الوقت الذى تروج فيه الكثير من أفلامنا ومسلسلاتنا، للدجل والشعوذة والأعمال السفلية والعلوية وحبوب الهلوسة، وتتفنن فنوننا في إغراقنا في التفاهة والتغييب ونشر القبح اللفظى والبصرى.. نجد من يقودوننا بفنونهم إلى حيث لا ندرى، ويغيرون الواقع والمستقبل.. ففى ظل اعتماد أغلب مبدعينا على القوالب الجاهزة، والاستسهال والاستنساخ من التجارب الناجحة «عربيا أو عالميا»، سواء أغانى أو أفلام أو حتى أفيشات السينما.. نرى الفنون في الدول المتقدمة تعتمد على الابتكار والتجربة، وتقترن بالعلم، فتستفيد منه أو تفيده في بعض الأحيان.. فعلى سبيل المثال فنون الخيال العلمى سواء أعمالا أدبية أو سينمائية، لا تعتمد فقط على خيال مبدعيها، بل تعتمد إلى حد كبير على النظريات العلمية، وعلى التوقعات التى قد تصاحب هذه النظريات وتطورها.. وهى كما تعتمد على العلم وتستعين بنظرياته، فإنها قد تكون أحيانا دافعا للعلماء للتفكير والتأمل حول ما تطرحه من موضوعات وأفكار، وبالتالى تؤدى إلى التطوير والاكتشاف، فتظهر لنا تقنيات حديثة مستوحاة من هذه الإبداعات وخيال مبدعيها، وتقدم لنا رسما للمستقبل الذى تتنبأ به.. فتستعين بالخيال لتضيف إلى العلم.. وهناك الكثير من الروايات والأفلام الأجنبية التى طرحت أفكارا وابتكارات كانت في وقتها خيالا علميا، وأصبحت في وقتنا الحاضر واقعا ملموسا نعيشه.. كأسلحة الليزر وغيرها من أسلحة حديثة، والموبايل والإنترنت والفضائيات والمكالمات المرئية، وكذلك الاستنساخ والتحكم في البشر عن بعد، والروبوتات وعباءات التخفى، وغيرها من اختراعات لم يصل بعضها إلينا حتى الآن!.. والمشكلة الأكبر أننا بدلا من الاستفادة من التكنولوجيا التى تصلنا، دائما نأخذ أسوأ ما فيها، فالإنترنت الذى انتشر في أغلب البيوت العربية، أصبح وسيلة للتعمية وليس للتوعية، فمنه تنتشر الشائعات والتضليل وتشويه الواقع والتاريخ، واستبدلنا من خلاله الترابط الأسرى والاجتماعي الحقيقى بتواصل مزيف، وأصبحنا نعانى من تفكك وأمراض اجتماعية غير مسبوقة.. أما أمننا الشخصى والقومى فأصبح مهددا بفعل الأجهزة الحديثة التى تصاحبنا أينما كنا، والتى يستخدمها البعض دون وعى، ودون إدراك أنها تستخدم من أجهزة المخابرات العالمية الآن كبدائل لفكرة الجاسوس التقليدى، فتستخدم لجمع المعلومات وتحليلها، من أجل تصميم عمليات نفسية لاختراق الشعوب وتحقيق الأهداف السياسية والاجتماعية!.. وبالتالى فإننا إذا لم نع وندرك خطورة ملفات الثقافة والفنون والإعلام، ونتحرك بسرعة لإصلاحها، فإننا نخاطر بالأمن القومى، ونترك أنفسنا لمن يعبث بحاضرنا ومستقبلنا.