بداية من باب الفتوح مرورًا بخان الخليلى والنحاسين والصاغة ويقطعه شارع جوهر القائد «الموسكي» وشارع الأزهر مرورًا بالغورية والفحامين ثم السكرية وزقاق المدق لينتهى عند باب زويلة، هذا الشارع الذى تجد فيه روحانيات وطاقة لن تجدها فى أى منطقة أخرى ولن تستطيع مقارنته بأى منطقة أخرى، وكأن أحجاره حية تخزن داخلها ذاكرة ووعى تاريخ بلد لأكثر من ألف عام، أحجار وعمارة ومبان رائعة تشبه البشر الذين عاشوا بين أحجارها «تشبه أرواحهم»، شارع عمره أكثر من 1050 عاما، إنه عصب مدينة القاهرة، ما إن تضع قدمك فى هذا الشارع تشعر وكأنك سافرت عبر الزمن إلى عصور أخرى مقابلًا لبشر ما زالوا محتفظين بجوانب جمالية وروحانية تظهر فى فنونهم التى تجسد الجمال الداخلى لديهم، هذا الشارع الذى عاش به الآلاف من البشر فى أجيال متلاحقة ومختلفة وحتى يومنا هذا ما زال يعيش به بشر ما زالوا محتفظين بروح المكان بداخلهم فتجد لديهم طباعا وسمات تختلف عن طبيعة باقى المجتمعات فى بلادنا، تاريخهم من تاريخ الحجر وتاريخ الحجر.
إنه شارع المعز لدين الله أكبر متحف مفتوح للعمارة والآثار الإسلامية فى العالم والذى يعد تاريخ إنشائه من تاريخ إنشاء مدينة القاهرة على يد المعز لدين الله أول الخلفاء الفاطميين فى مصر عام 969 ميلاديًا بقرار من جوهر الصقلى وقد ظلت مصر تحت الحكم الفاطمى حتى عام 1171 ميلاديًا، وهذا الشارع لا يضم آثارا فاطمية فقط بل به آثارا من عصور متلاحقه بعد العصر الفاطمى مثل الأيوبى والمملوكى والعثمانى حتى عصر حكم محمد على باشا، وسمى هذا الشارع قبل ذلك بشارع بين القصرين والذى كانت تمر من خلاله مواكب الاحتفالات بالمحمل وكسوة الكعبة، والقصرين لمن لا يعرف هما القصر الشرقى الكبير والذى بناه جوهر الصقلى وخصصه للخليفة المعز، والقصر الغربى الصغير والذى خصصه الصقلى إلى «العزيز بالله نزار بن المعز» وتحول بعد ذلك القصر الكبير إلى مقر حكم صلاح الدين الأيوبى إلى أن تم بناء قلعة الجبل بالمقطم، أما موقع القصر الصغير فهو المكان الذى يقع به الآن مسجد الحسين وخان الخليلي.
وقد ضم الشارع أسبلة وبيمارستانات «مستشفيات» وكتاتيب ومدارس بخلاف أروع المساجد التى كان يدرس بها الأربعة مذاهب «الحنفى - المالكى - الشافعى - الحنبلي» فى تجسيد للتسامح الدينى وتقبل الآخر.
وأهم المواقع الأثرية بهذا الشارع (جامع الأقمر - قصر الأمير بشتاك - مسجد السلطان برقوق - سبيل محمد على بالنحاسين - زاوية أبو الخير الكليباتى - جامع الحاكم - باب الفتوح - مسجد الناصر محمد بن قلاوون - مدرسة الظاهر بيبرس البندقدارى - سبيل وكتاب خسرو باشا - مدرسة وقبة نجم الدين أيوب - سبيل وكتاب الشيخ مطهر - المدرسة الأشرفية - مجموعة قانصوه الغورى الرائعة التى تضم مدرسة ومنزلا ومقعدا وقبة وكتابا- جامع الفكهانى - سبيل محمد على بالعقادين - حمام السكرية - مسجد وسبيل وكتاب سليمان أغا السلحدار - منزل وقف مصطفى جعفر السلحدار - سبيل وكتاب عبدالرحمن كتخدا - حمام إينال - المدرسة الكاملية - جامع السلطان المؤيد - سبيل نفيسة البيضا - واجهة وكالة نفيسة البيضا - باب زويلة - بيت السحيمى أقدم منزل عثمانى).
- أكبر أسواق الدنيا هكذا قال المؤرخ المقريزى عن أسواق المعز أو بين القصريين
منذ بداية إنشاء القاهرة ومنطقة بين القصرين منطقة تجارية هامة وسوق كبير لكل شيء، لكننا الآن علينا أن نتأمل المشهد جيدًا ونكون أكثر جرءة، هذه المنطقه الفريدة التى تحوى أهم الصناعات اليدوية (النحاسين - الأرابيسك - الذهب والفضه) وغيرها من فنون يدوية وقد ترددت كثيرًا على هذه الورش التى تقع داخل بيوت قديمة وعريقة جدا ورأيت عمالة محترفة ومهرة تنتج منتجا عالى الجودة مصريا ويغلب عليه الهوية والطابع المصرى كما تحتوى المنطقة على العطارين ومحلات البخور والعطور التى يأتى إليها السائحون من جميع أنحاء العالم.
ولكن مع الأسف تجد بعض الأحذية والملابس الداخلية معلقة على أسوار الغورية وغيرها من الأماكن الأثرية مما يسىء للشكل العام أمام السائحين كما أنها تؤثر على الأثر بشكل سلبى، وفوضى البيع والشراء تؤثر بالسلب على الماره وتعيق حركة السير، لا أقصد من كلامى أن نوقف عملية البيع والشراء فى هذه المنطقة، بل إننى أريد أن أقول إن العمل التجارى لا يحتاج لمكان أثرى، بل نستطيع نقل هذه الأسواق إلى أماكن أخرى وتحويل أكبر متحف إسلامى مفتوح إلى أفضل وأجمل متحف إسلامى مفتوح، كما علينا أن نهتم أكثر بكل الصناعات اليدوية وعرضها بشكل لائق ومنع بيع المنتجات الرديئة المستوردة فى البازارات السياحية لأن السائح جاء إلى مصر ودخل محلا مصريا لشراء منتج مصرى لا منتج مقلد مستورد ردىء وإنشاء مقاه ومطاعم سياحية إضافة لما هو موجود لاستعاب أكبر عدد من الزوار فبالرغم من وجود أجمل المقاهى العريقة هناك إلا أن عددها غير كاف لاستيعاب عدد أكبر من الزوار وبالرغم من وجود بعض المطاعم إلا أننا نحتاج فى هذه المنطقة إلى المزيد من المطاعم التى تنشأ مع المحافظة على شكل البيئة والرونق لهذه المنطقة والتى تقدم المطبخ المصرى برونق مصرى كماعلينا العمل على الاهتمام بكل ما يخص الفنون اليدوية وتدريب وتأهيل مزيد من الشباب لهذه الفنون والمهارات، حتى لا تندثر ويصبح لدينا وفره فى المنتج المصري، نحتاج أن نكون أكثر صراحة مع أنفسنا.