سافرت حول العالم لأحذر من تناول السكر وأضراره وعلاقته بالسمنة ومرض السكر. وكلما قامت دولة باتخاذ إجراء حاسم للحد من استهلاكها السكر أحس بسعادة غامرة بأن جهدى لم يضع هباء. ففى زيارتى الأخيرة لسنغافورة للنصح لهيئة دعم الصحة قلت لهم هل لديكم الشجاعة لإتخاذ إجراءات حاسمة لخفض استهلاك السكر قالوا نعم، وفعلوا أكثر مما نُصحوا به! وفى الأسبوع الماضى قامت أول دولة عربيه بالسماع للنصيحة وبدأت فى اتخاذ إجراءات حاسمة للحد من استهلاك السكر. فلقد أعلنت دولة الإمارات العربية تطبيق ضريبة انتقائية بنسبة ٥٠٪ على المشروبات المحلاة بالسكر وعلى أى منتج مضاف إليه مصدر من مصادر السكر أو أى محليات أخرى، كما ألزمت المصنعين بذكر كمية السكر المضاف على كل منتج لتوضيح مدى خطورته على الصحة.
والسبب الرئيسى لهذه التوصيات الصحية المهمة هو ما تم اكتشافه مؤخرًا من خطورة تناول السكر على زيادة معدل الإصابة بثلاثة أمراض وهى القلب والسكر والسمنة. فقد أثبتت الأبحاث الارتباط الوثيق بين نسبة استهلاك السكر وجلطات القلب والمخ. كذلك ارتباط استهلاك السكر اليومى بالسمنة ومرض السكر من النوع الثانى والمنتشر بصورة وبائية فى مصر ودول الخليج. فعند تناول السكر وهو ما يسمى السعرات الخاوية (أى التى لا تحتوى على قيمة غذائية) يرتفع مستوى هرمون الإنسولين فى الجسم والذى يتبعه مع الوقت زيادة مناعة الجسم للأنسولين وزيادة تخزين الدهون مما يؤدى إلى زيادة الوزن وارتفاع ضغط الدم ومرض السكر وتصلب الشرايين. ويكفى أن تعرف أن تناول علبة واحدة يوميًا من الحجم الصغير (٢٥٠ مل) من المشروبات الغازية المحلاة بالسكر يرفع من فرصة الإصابة بمرض السكر بنسبة ١٨-٢٦٪. وجميع دول العالم تتجه الآن لخفض نسبة استهلاك السكر لأقل من ٥٠ جرامًا فى اليوم كما أوصت منظمة الصحة العالمية.
وفى حين تتبارى دول العالم على خفض نسبة استهلاك السكر حفاظا على صحه مواطنيهم، يتباكى المصريون على أى نقص للسكر فى الأسواق! فمصر من أعلى دول العالم استهلاكًا للسكر حيث يستهلك الفرد المصرى نحو ٩٠ جرامًا من السكر فى اليوم الواحد لذا لا عجب من ازدياد نسبة السمنة والسكر فى مصر إلى أرقام مرعبة جعلت مصر من ضمن أعلى عشرة دول فى العالم فى عدد مرضى السكر والسمنة. فنحن نتناول يوميا ٣٦٠ سعرا حراريا زائدا بدون أى قيمة غذائية حقيقية. فمن المعروف أن خفض ٢٠٪ من كمية تناول السكر يصحبها انخفاض معدل السمنة بنسبة ١٢.٥٪. إننا بلا شك نبحث على الأمراض بزيادة استهلاك السكر وذلك لنقص الوعى الصحى على عكس دول كثيرة مثل الصين وماليزيا وروسيا وإسرائيل وإندونيسيا والتى قللت استهلاكها اليومى من السكر إلى نحو ٣٠ جرامًا فقط أى ما يعادل الثلث للحفاظ على صحة مواطنيهم!
وللعلم فإن علبة واحدة يوميًا من المشروبات الغازية كبيرة الحجم (٣٣٠ مل) والتى يسرف المصريون فى شربها تحتوى على ٩ ملاعق من السكر أى ٣٦ جرامًا من السكر. وللأسف مازلنا نعتبر السكر فى مصر من السلع المسماة بالاسترايجية وهذا مضحك ومبكى فى نفس الوقت! فى أول ٢٠١٦ نصحت أمريكا مواطنيها بخفض استهلاك السكر إلى أقل من ١٠٪ من السعرات الحرارية أى نحو ٥٠ جرامًا يوميًا أى إلى نصف ما يستهلكه الفرد المصري!
فما بين السكر المضاف للعصائر والحلويات والأيس كريم والشيكولاتة والحلويات نضع السم الأبيض فى أجسادنا فى وقت يُخفِض العالم بأجمعه نسبة تناوله من السكر بل ويحذر منه. أما نحن فيصيبنا الفزع لنقص السكر أو غلوه وكأننا نحزن على فراق الأمراض!!
لقد قاطعنا السكر فى منزلنا منذ سنوات فنشرب الشاى بدون سكر بعد أن كنت أضع ملعقتين من السكر فى كوب الشاى قبل زواجي. ونادرًا ما تدخل الحلويات منزلنا وعادة ما تأتى مع الزوار لتنتهى فى صفيحة القمامة إن لم يأكلها الضيف نفسه. حلوياتنا هى الفاكهة الطازجة وشرابنا هو الماء. نشترى كيلو واحد من السكر فى السنة بأكملها لشاى الضيوف. لم نَمُت ولم نشعر بالحزن والفزع كما فعل إخواننا وأخواتنا فى مصر لنقص السكر.
وخفض استهلاك السكر فى مصر بالإضافة لمساهمته فى الوقاية من الأمراض القاتلة فله عائد اقتصادى كبير. فمصر تستهلك سنويًا نحو ٣.٢٥ مليون طن من السكر وتنتج ٢.٧٥ مليون طن سنويًا لذلك تحتاج إلى استيراد ٥٠٠ ألف طن سنويًا فلو خفَّضنا استهلاكنا من السكر إلى مجرد تحلية الشاى فقط (علشان الناس متزعلش) سينخفض استهلاكنا إلى أقل من ٥٠ جرامًا بكثير، فعشرة ملاعق صغيرة من السكر تعادل ٤٠ جرامًا. ولو واكبت مصر معدلات الدول الناجحة والسابق ذكرها لانخفض استهلاكنا كدولة من السكر إلى الثلث أى ١.١ مليون طن بدلًا من ٣.٢٥ مليون طن سنويًا وحيث إن مصر تنتج حاليًا ٢.٧٥ مليون طن من السكر سنويًا فإن خفض الاستهلاك سيؤدى إلى الاكتفاء الذاتى وحفظ العملة الصعبة وتصدير ١.٦٥ مليون طن من السم الأبيض إلى الدول التى تريد قتل شعوبها. وحسب السعر العالمى للسكر والذى يقدر بنحو ٣٥٠ دولارا للطن فستصدر مصر بما قيمته ٥٧٧ مليون دولار وتوفر من الاستيراد نحو ١٧٥ مليون دولار سنويًا ليضيق عجزنا التجارى بنحو ٧٥٢ مليون دولار سنويًا وهو رقم لا يستهان به فى ظل ظروفنا الاقتصادية ويكفى لإنشاء عشرات المستشفيات. ولكن قبل كل ذلك سنحمى أبناء شعبنا من أمراض قاتلة كأمراض القلب والسكر والسمنة!
والأفكار المطروحة لوزارة الصحة والبرلمان وكل من يهمه الأمر فى مصر عديدة، من بينها:
- منع جميع أنواع المشروبات الغازية والعصائر والمغلفات من الحلويات إذا احتوت على أكثر من 5.5 ملعقة صغيرة من السكر.
- فرض ضرائب باهظة على جميع المنتجات المغلفة والمعلبة المحتوية على نسبة كبيرة من السكر وربما فرض ضرائب تصاعدية حسب نسبة السكر. وقد طبقت بريطانيا هذا الإجراء مما نتج عنه خفض نسبة المنتجات المحتوية على أكثر من أربعة ملاعق صغيرة من السكر من ٥٧٪ إلى ٤٢٪ مع خفض ٥٠٪ من المنتجات لنسبة السكر فيها.
- حظر الإعلان عن المنتجات المحتوية على السكر وخاصة للأطفال بما يشمل وسائل التواصل والإنترنت.
- إلزام الشركات بكتابة كمية السكر بوضوح على الغلاف الأمامى للعلبة وربما وضع علامة مميزة تفيد إن كان الشراب والغذاء المغلف صحى أم لا قياسًا بكمية السكر وقد طبقت فرنسا وأستراليا ونيوزيلندا هذا الإجراء.
- منع بيع جميع المشروبات والمغلفات المحتوية على أكثر من ثلاثة ملاعق سكر صغيرة فى المدارس وجميع المنشآت الحكومية.
أرى أن جميع هذه الإجراءات فى منتهى الأهمية للحد من البدانة والسكر ويجب تطبيقها فى العالم بأجمع إن كان لديهم شجاعة سنغافورة التى طبقتها جميعًا.
أرجو أن ننزعج بشدة مما نفعل بأنفسنا وأن نقوم بالتوعية اللازمة للناس وأن ندخل فورًا إلى معركه مع السكر من أجل الحفاظ على صحتنا وعلى اقتصادنا. حفظ الله أهل مصر. لقد طرقت ناقوس الخطر فهل من مستمع؟!
* أستاذ السكر بجامعة هارفارد بالولايات المتحدة الأمريكية
