السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

أنا وأنت و"فيسبوك"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يملك معظمنا إن لم يكن جميعنا صفحة أو أكثر على فيسبوك، جميعنا ننشر أخبارنا اليومية، أفراحنا، ونجاحاتنا، أمنياتنا وأحلامنا أو أحزاننا لفقد عزيز أو حبيب أو لمرض عصف به أو بأحد من عائلته وقد يصل الأمر إلى زملاء العمل، ولم لا وهو عالم سحرى مترامى الأطراف حدوده هى حدود العالم ومختزل صغير فى نفس الوقت، ككرة بلورية، ترى فيها من تفكر فيه فتتواصل معه وتتحدث إليه. فى جزء من الثانية تجيبك عن كل ما تفكر فيه إن أردت الاستفسار عن شىء بمجرد أن تكتبه فى المستطيل الذى يحدد حالتك اليومية ويسألك ما الذى تفكر فيه. هذا العالم الأزرق الذى صار عالما موازيا تحمله فى جيبك أو فوق مكتبك نتفق جميعا على أهميته واعتباره جزءا لا تجزأ من يومنا إلا أننا نختلف فى ترتيب عوالمنا فيه وفق اهتماماتنا وثقافتنا رجالا ونساء شبانا وشابات وحتى الصغار يصرون على أن تفتح لهم أمهاتهم صفحات أيضا. منا من يضع فى صفحته أقوالا مأثورة أو آيات من القرآن أو الإنجيل ومنا من يضع أشكالا كاريكاتيرية مضحكة أو ساخرة ومنا من يضع أعماله الإبداعية بفخر واعتزاز بدءا من أعمال الكروشية وفيديوهات الطبخ ومهارات غسيل الصحون وتنظيف المنزل، حتى لوحات الفن التشكيلى لكبار الفنانين والكتابة الأدبية الرصينة أو اليوميات والانطباعات المكتوبة بتقنية تشبه تقنية الكتابة الرصينة وهى ليست كذلك. منا من يسجل حالته فى صفحته أو انطباعه يوميا ومنا من يكتب أكثر من مرة وفق تغير حالته المزاجية، منا البكاء، ومنا الشكاء، ومنا من يتحدث عن نفسه باعتباره ملاك هبط فى كوكب الشياطين فاحترقت ريشاته وينتظر الكلمات من سكان عالمه الافتراضى من الأصدقاء وغيرهم حتى تطبب جناجيه ويستطيع التحليق من جديد. منا من يتخذونه منصة للهمز واللمز والكيد ومنا من يتخذه خرزة زرقاء أو كف بخمس أصابع لصد الحسد. ومنا الغاضبون أمثالي. الغاضبون للحق الباحثون عن جوهر الأشياء عن فائدة الوقت عن الموضوعية وجبر الخاطر وعن الطريق التى تضىء أثناء مرورنا فيها فى شارع الحياة هناك من الأمور ما يسىء وما يجرح وما يجعل البعض يصل إلى حد الاكتئاب بل وإلى هدم بيته بالطلاق ليس لأسباب أخلاقية - لا نختلف عليها- وإنما بسبب منشوراتنا التى نكتبها بحرية وبساطة نفرح بها ويفرح بها من حولنا وهو فرح لا شك من حقنا لكنه يغافلنا ويتعدى حدوده ووظيفته عند البعض متخذا وضع القشة التى قصمت ظهر البعير. يحدث هذا دون أن نقصد لكن علينا نكون أكثر إنسانية فى فرحنا ومناسباتنا السعيدة التى قد تتحول إلى وضعية السكين التى تنكا الجراح المختبئة عند البعض جميعنا مجروحون بدرجة ما. علينا أن ننتبه ونحن نسجل فرحنا بصور المواليد فى لحظاتهم الأولى فى الحياة بعيونهم المغمضة أن هناك الآلاف الذين لم يرزقوا بأطفال أو من كان لديهم طفل وحيد واختارته السماء طفلا أبديا من الأبرار هناك دموع مالحة يثيرها هوسنا بنشر صور أطفالنا تسقط خفية على جرح ما فى قلب ما فى مكان ما من العالم. علينا أن ننتبه فى رمضان ونحن ننشر صور الموائد العامرة بشتى أنواع الطعام والشراب والبذخ والفرحة والمشروبات هناك فقراء لديهم فيسبوك تثير صورك حفيظتهم وتجعلهم ينقمون على المجتمع ويكرهون معيشتهم وأسرهم وحياتهم. علينا أن ننتبه فى الأعياد ونحن نسجل يوميا أماكن الفسح داخل الوطن وخارجه أو صورنا السيلفى مع الخروف الهارب أو العجل البائس الذى لا حول له ولا قوة ينتظر أمر الله وشريعته التى تفرج عن فقراء كثيرون من حولنا يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف هناك من لم يتذكرهم أحد وهناك من لم يشتر ملابس عيد جديدة لأولاده ولديهم أيضا فيس بوك علينا ألا نغالى فى فرحنا كما أن علينا أن لا نغالى فى حزننا أيضا بنشر صورنا ونحن فى المستشفيات وكأنها حدث تاريخى فلدينا من الأحبة فى فراشهم من لا يستطيع الحركة أو الكلام ومن فقدناهم أيضا بعد مرض لا تثيروا المرارات وإن لم تقدروا فليكن لكن دون مغالاة علينا أن ننتبه جميعا إلى فضيلة التراحم التى أوصت بها الأديان قال صلى الله عليه وسلم «ترى المؤمنين فى تراحمهم وتوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى «وقال المسيح» طوبى للرحماء فإنهم يرحمون».