بصفحتها على الفيس بوك فاجأت الرائدة الإذاعية الليبية «عائدة الكبتي» متابعيها بصورة (بالأبيض والأسود) تتوسط فيها، الفنانة الكبيرة «أم كلثوم»، ورائدة العمل النسوى الليبى «خديجة الجهمي»، دفعنى فضولى الصحفى فور مشاهدتى للصورة الحدث للتواصل معها عبر الماسنجر بمقر إقامتها بفلوريدا/أمريكا، وسؤالها حول ما ارتبط من ذكريات بالصورة النادرة التى تضعها لأول مرة، وبكثير من الحنين جاءنى صوتها وبضحكتها التى تشى بما تداعى لحظتها إلى ذاكرتها، وانطلقت تحكى لى حكاية الصورة المفاجأة التى انبثقت من صندوق الذكريات، فالصورة تقارب النصف قرن مع قامتين كبيرتين راحلتين بعد بصمة عظيمة، فيها السيدة خديجة الجهمي، والتى كانت تُلقب من متابعى برنامجها للأطفال بل وجيل من محبيها «ماما خديجة»، والتى عرفها جميع أبناء وبنات ليبيا من دخلت كل البيوت الليبية عن طريق برنامجها الاجتماعى الإصلاحى المبكر «أضواء على المجتمع» لثماني عشرة سنة بالراديو، وهو يعرض لحل مشاكل المجتمع عن طريق إجابتها لأسئلة ترد برسائل المستمعين، تجيب عنها بتجربتها وحنكتها، وكما علقت السيدة عايدة أنها وبمقاييس اليوم سنسميها خبيرة أو ناشطة اجتماعية، رغم أن هذه المسميات صارت تطلق على كل من هب ودب، من لا يملكون تجربة أو خبرة.
وفى معرض ردها عن سؤال حضورها بالصورة مع السيدة أم كلثوم بادرتني: أولا سأبوح لك بهذا السر، كنت فى صغرى ونشأتى بالقاهرة أستغربُها صوتا وأداءً، لماذا تغنى وتكرر، ما ينجم عنه طول زمن أغانيها أليس ذلك متعبًا، ولاحقا مع عمل والدى بالسفارة الليبية، وبحضورى لحفلتها استوعبت ما فى صوتها من قوة، وحلاوة، وشجن، يجعل ما تكرره يشنف الأسماع طربًا ومتعة. ثم حكت لى كيف تسنى لها حضور تلك الحفلة، وعن دعوة والدها - رحمه الله - لعائلة السيد عبدالقادر أبوهروس الصحفى الكبير صاحب جريدة الرائد وزوجته، وهما بالقاهرة فى شهر زواجهما الأول إلى حفلة أم كلثوم، والتى تقام أول خميس من بداية كل شهر، وهو الحفل الذى حضره جميع أفراد السفارة الليبية بالقاهرة آنذاك، وهنا طلبت منها وصف ما تبقى بذاكرتها عن تلك الليلة فقالت: «فى البداية ظهرت علينا السيدة وهى شامخة كملكة ترتدى فستانًا طويلًا محتشمًا، وتسريحة شعرها إلى الخلف على هيئة «شينيون»، وممسكة بيدها منديلًا، قيل إنها تدارى به خجلها ويمتص ارتباكها، لوهلة نظرتُ إليها، كان تشكيل «بروشها» وحلق أذنيها ملفتين، وخاتمها يبهر العيون ببريقه الاخاذ، ورغم أنها امرأة عادية الجمال بالمقاييس الجمالية وقتها، إلا أنها بشموخها، وعنفوانها، وثقتها، وتحكمها فى الفرقة والجمهور، جعلها فى عينى أجمل النساء وأروعهن وصدق من أسماها الهرم الرابع، ومنذ تلك الحفلة أصبحت أحب أغانيها وأستمع وأطرب لها.
وكنتُ فى اتصالى معها تذكرت أصدار فخمًا جميلًا لمدرسة الفنون والصنائع بطرابلس بمناسبة مئوية المدرسة (تأسست 1895م)، خرجت به صور لزيارة الفنانة أم كلثوم لطرابلس، ماجعلنى أستفسر من الإعلامية عايدة عن تلك الزيارة ومعلوماتها عنها، وبكرمها مدتنى بما عاصرته مؤكدة زمن الصورة التى نشرتها، فقد كان مجيء السيدة أم كلثوم إلى طرابلس وبنغازى مارس 1969م، فى نطاق دعمها للمجهود الحربى لمصر الشقيقة، وكان فى استقبالها فى مطار إدريس الدولى وقتها الأستاذ عبدالخالق الطبيب محافظ طرابلس، والأستاذ إبراهيم الطوير مدير الإذاعة، والأستاذ محمد السفاقسى مدير التليفزيون، والأستاذ حسن عريبى رئيس قسم الموسيقي، والأستاذ امحمد الزوى الكاتب والصحفي، وماما خديجة الجهمى الإعلامية والشاعرة، والأستاذة الإذاعية الرائدة عويشة الخريف، والمخرج خالد عيسي، كما كان فى استقبالها حرم السفير المصري، وحرم عازف الكمان الكبير أحمد الحفناوى الذى كان ضمن فرقتها، والذى كان يعمل مع فرقة الإذاعة الليبية، ومن كواليس ذلك الاستقبال للفنانة الكبيرة، تساءلت عايدة يومها كإعلامية وصحفية شابة تنشر المتابعات والمقابلات بمجلة ليبيا الحديثة، والمرأة، وجريدة طرابلس الغرب، عن غياب الملكة فاطمة زوجة الملك إدريس، عن استقبال أم كلثوم كما فعلت وسيلة بورقيبة بتونس، فجرى إعلامها أن الملكة لا تخرج للأماكن العامة، والمختلطة.
حديثنا عن الصورة وشجونها حرك ذكريات العمل الصحفى والإعلامى للسيدة عايدة، فرجوتها أن تمنح متابعيها، أسرارًا جديدة، وهى تنشط بصفحتها على الفيس بوك، وقد غابت عن الظهور منذ 1970م سنة مغادرتها للراديو والتليفزيون، وعادت للظهور عقب ثورة فبراير 2011م، بذاكرة محملة بكثير مما غُيب من سيرة اعلامية لم تعرفها أجيال لاحقة.