يعقد المصريون آمالًا كبيرة على هيئة الرقابة الإدارية لاسترداد الأموال المنهوبة على مدار سنوات طوال. الأراضى التى كانت مشاعًا فيحوزها كل من سولت له نفسه الاعتداء على ثروة البلاد الرشوة التى صارت منهجا فى التعامل اليومى فغابت دولة الحقوق والواجبات ونشأت دولة الثعالب الصغيرة المحترفة فى التخريب.. سنوات طوال وقف المواطن فيها عاجزًا ومحبطًا ومهزومًا.. يصرخ ولا مجيب.
زمن البلطجة الذى أنتج مليونيرات ومليارديرات وعمل على قتل دولة القانون استطاع أن يؤسس لمجموعات متنوعة من مراكز القوى.. وعلينا أن نعترف بأننا لم ولن نعلن بين ليلة وضحاها الانتصار النهائى على تلك المراكز لأنها تمتاز بتنوع أعضائها ما بين رءوس وذيول ومنوعات فى الوسط.. تلك الأعضاء التى انتشرت فى مصر بالطول والعرض على مدار أربعين عامًا لا يمكن لثورة شعبية كثورة يناير لم تقتلعهم من جذورهم ولا يمكن لثورة حاسمة كثورة 30 يونيه أن تزعم انتصارها على مافيا الفساد بالضربة القاضية ولكنها أعلنت أن انتصارنا سوف يكون بتسجيل النقاط يوميًا.
لذلك رأينا فى السنوات الأخيرة تحرك نشط ومدروس من هيئة الرقابة الإدارية ولا حصانة فى هذا التحرك لأى متهم مهما كان المنصب الذى يشغله وصارت قدسية المال العام هى البوصلة التى تتجه نحوها أنظار كل أعضاء هيئة الرقابة الإدارية.. لذلك رأينا محافظًا ووزيرًا ومديرى عموم ورجال أعمال وغيرهم يتصدرون أخبار عمليات الرقابة.. لذلك قلت فى بداية هذا المقال إن المصريين ينتظرون من هذه الهيئة تحريرهم من سرطان الفساد.
ومن المعروف أنه لا فرق فى المعارك الكبرى بين مواجهة الفساد ومواجهة الإرهاب حيث يمثل الفاسد والإرهابى وجهين لعملة واحدة.. البلد التى أرهقها نزيف المال العام وسرقة الأراضى والاعتداء المباشر على المناجم والمحاجر، البلد التى تعذبت عندما تحول درج الموظف العام إلى خزانة شخصية صغيرة له وكأن الموظف قد امتلك محلًا للبقالة يديره لحسابه.
هذا الأسبوع خرجت الرقابة الإدارية عن عادتها فى نشر أخبار القضايا التى تقدمها للعدالة فأصدرت بيانًا إلى الرأى العام تحذر فيه من نشر أى أخبار غير صحيحة عن أعمال الهيئة وإجراءاتها خلال تنفيذ وضبط القضايا المختلفة.. وما كان للهيئة أن تصدر هذا البيان لولا محاولة البعض أن يعود إلى زمن قديم فيتشدق بعلاقة ما مع الهيئة أو يحاول عن غير قصد تشويه استراتيجية عمل الهيئة التى منحها لها الدستور والقانون..
جاء البيان متزامنا مع عملية القبض على مسئول كبير فى الإعلام ولكن من الممكن أن نتعامل مع البيان على استقامته ليصبح تحذيرا عاما لكل فهلوية المقاهى الذين صار كل همهم الاختباء خلف العناوين الشريفة بادعاء أن علاقتهم وطيدة فى الجهاز الفلانى أو الهيئة العلانية.
ويبقى سؤال لا يحتاج إلى ذكاء.. هل تستطيع هيئة الرقابة الإدارية خوض تلك المعركة الشاملة وحدها؟ ولأن السؤال لا يحتاج إلى ذكاء فالإجابة المنطقية هى لا.. وليست لا صغيرة ولكنها لا بالبنط العريض.. وهنا يتجلى دور المواطن المصرى الذى احترقت أصابعه من نيران الفساد، فمقاومة الفساد أراها مسئولية اجتماعية ووطنية وتعلمنا فى صفوف النضال الأولى أن استرداد الحقوق له الكثير من الطرق والأدوات وكانت أول تلك الأدوات اللجوء للتقاضى وهنا بالتحديد يبرز دور هيئة الرقابة الإدارية باعتبارها داعمة للمواطن وسندًا له فى رد حقوقه لتكون حائط صد حقيقيًا وجادًا فى مواجهة قبح الجريمة.
ننتظر سنوات مقبلة فى هذه المعركة حتى نعلن نجاح دولة القانون وهى الهدف الأسمى لو تعلمون.