• العنوان هو تعبير صكه بدقة وروعة المفكر المغربي عبدالله العروى، واصفا كتاب الله (القرآن).
• وإذا كان الله قد شاء أن تكون معجزات المسيح الحسية خارج كتابه، وآيات موسى البينات التسع خارج كتابه، فإنه قد شاء أن تكون معجزة النبى محمد هى (كتابه)، راجع كتاب جورج طرابيشى (المعجزة) أو سبات العقل فى الإسلام.
• جاء القرآن دقيقًا ومعجزًا وله نظام معرفى يختلف ونظامنا المعرفى، فهو لا يعرف الحشو أو الحروف الزائدة أو المحذوفة أو المعانى المكررة أو المترادفات، كما لاحظ الدكتور محمد شحرور - راجع كتاب (الكتاب والقرآن) طبعة ٢٠١١، دار الساقي.
• كما أن استخدام الله للألفاظ مختلف عن استخدامنا المحدود لها.
• واللفظ فى القرآن قد يأتى محملًا بمعنى مختلف عن المعنى المتداول لدينا، وعلينا أن نفصل بين مدلولات الألفاظ لدينا ومعانيها كما وردت فى القرآن.
• كذلك قد يحمل اللفظ فى المصحف أكثر من معني، حيث يدخله الله فى سياقات عديدة ونظم مختلف تغير معناه جذريًا وتبدله - دليل المصطلحات الواردة فى التنزيل الحكيم- د. محمد شحرور.
• وهنا يجب إدراك أن المعنى المقصود للفظ فى المصحف لن يدرك إلا من خلال استعراض السياق والنظم، وأن إهمال السياق يهدر المعنى - راجع القرآن بين التفسير الموروث إلى تجديد الخطاب الدينى - المفكر الجزائرى محمد أركون.
• وقد لا يدرك معنى اللفظ فى المصحف إلا من داخل المصحف نفسه، ومن خلال ترتيل الآيات، أى جعلها رتلا (طابورا)، أى حصر كل الآيات التى ورد بها اللفظ، ثم عمل تقاطع بينها، فمثلًا إذا أردنا أن نعرف المقصد الإلهى من لفظ (أمي) و(الأميين)، نقوم بحصر كل الآيات التى ورد بها اللفظ، ثم نقوم بتقاطع الآيتين الثانية من سورة الجمعة مع الثامنة والسبعين من سورة البقرة.
{هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا} (2 الجمعة)
{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ} (٧٨ البقرة)
فنعرف أن الأميين هم الناس من غير أهل الكتب.
أى من هم ليسوا يهودا أو نصارى، وأن النبى الأمى لم يكن له كتاب، أى لم يكن يهوديًا ولا نصرانيًا.
• وفى المصحف لفظة (قلب) تعنى (العقل)، قال تعالى{لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا}(179 الأعراف)
• أما (صدر) فتعنى الرأس، قال تعالى {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِى فِى الصُّدُورِ} (46 الحج)
• ولفظة (رجال) قد تعنى فى المصحف (رجال ونساء) (ذكور وإناث) مترجلين، قال تعالى {وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} (27 الحج)
• وقال تعالى فى سورة (البقرة ٢٣٩) {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}
• ونساء فى المصحف ليست جمع امرأة دائمًا، وغالبًا ما تكون جمع (نسىء) وتعنى المتأخرات أو الأحدث من الأشياء أو الأصغر من (الرجال والنساء)، قال تعالى {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} (14 آل عمران)
• وهبط لا تعنى بالضرورة نزل، وتعنى الانتقال من مكان إلى آخر على الأرض نفسها، قال تعالى {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ} (٦١ البقرة)
• وقال تعالى {قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بسلام} (48 هود)
• أو قد تعنى الانتقال من مرحلة إلى أخرى، كما جاء فى قصة آدم من مرحلة التعليم إلى مرحلة بدء الحياة.
• وقرية لا تعنى ريف، ومدينة لا تعنى حضر، فمعيار القرآن مختلف عن معاييرنا الحكومية فى تسمية القرية والمدينة.
• وعلينا إذا ما قرأنا القرآن ألا نسقط فهمنا المحدود لمعانى الكلمات على كلمات القرآن فذلك يفسده.
• ويجب إدراك أن القرآن ورد على اللفظ، أى جاء على (اللا ترادف)، كما لاحظ الدكتور محمد شحرور، أن لكل لفظ معنى ومدلول مختلف عن الآخر، فالفقراء ليسوا المساكين، والروح غير النفس، والعرش ليس هو الكرسى، والعدل غير القسط، والوفاة غير الموت، وجاء غير أتى، والأب ليس بالضرورة الوالد، والعام غير السنة، والحول غير الحجة، والخبر غير النبأ، وأهل الكتاب غير المشركين غير الكفار غير المجرمين، الصيام غير الصوم، والصلاة غير الصلوة، والذكر والولد، اللوح المحفوظ والإمام المبين، والشاهد والشهيد، والزوج والبعل، والعبادة والاستعانة، والقسط والعدل، وكلام الله وكلماته، الفدية والكفارة، الذنب والسيئة، العباد والعبيد، القضاء والقدر، والقلب والفؤاد، القنوت والقنوط.
• وفى القرآن الوصية (للوالدين) والإرث (للأبوين)، والوالد هو صاحب الحيوان المنوى، أما الأب فهو الذى ربي.
• و(زوجتك) فى القرآن غير (امرأتك) غير (صاحبتك).
• فإذا كان هناك توافق سماها القرآن (زوجة)، قال تعالى {يا أيها النبى قل (لأزواجك)}، وقال لآدم {اسكن أنت (وزوجك)}.
• وإذا لم يكن هناك توافق أطلق عليها (امرأتك)، قال تعالى (امرأة) نوح وامرأة لوط وامرأة فرعون، وقال عن أبى لهب (وامرأته) حمالة الحطب.
• وإذا كان هناك مانع للإنجاب ثم زال السبب يطلق عليها فى البداية (امرأتك)، ثم بعد زوال السبب (زوجتك)، فعلى لسان نبى الله زكريا قَالَ {رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِى غُلَامٌ وَكَانَتِ (امْرَأَتِي) عَاقِرًا}، وقال تعالى {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ}.
• ويوم القيامة يطلق القرآن على زوجتك صاحبتك لأن الموت كان قد أنهى العلاقة {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) (وَصَاحِبَتِهِ) وَبَنِيهِ (36)} عبس
• وإذا انعدمت العلاقة الجنسية بين الزوجين، يسمى القرآن الزوج (بعل) {قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَٰذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ} (72 هود)
وقال تعالى فى سورة (البقرة ٢٢٨) {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ... وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا}
• وإذا قمت بعمل (ترتيل) للفظ (قطع) سنجد أنه جاء فى ٣٣ آية، وجاء معبرًا عن معانى عديدة، أهمها (كف)، لكنه لم يأت بمعنى (بتر) أبدًا، والتى هى معنى (قطع) لدينا..
• قطعن أرحامهم
• وقطع دابر الكافرين
• فقطع دابر القوم الذين ظلموا
• وقطعناهم اثنتى عشرة أسباطًا أممًا
• وتقطعت بهم السبل
• وتقطعوا أمرهم بينهم
• وقطعناهم فى الأرض أممًا
• ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل
• وفى القرآن، كلما زاد المبنى زاد المعنى، يقول تعالى: أبنائكم (الذين من أصلابكم)، ونفهم منها أن هناك أبناء لنا (ليسوا من أصلابنا)، وهم الأبناء بالتبنى ولا نفهم أن ذلك حشو.
• بقى أن نؤكد أن القرآن معجزة النبى الحصرية، لا يفهم فى أحيان كثيرة إلا من داخله، وأنه له نظام معرفى خاص به، وأنه أثرى العربية بشكل مهول، وأضاف لمعانى ألفاظها معانى لم نكن نتوقعها من اللفظ.
• وأن قاموس العرب ومعجمهم لا يسعه، ولا يفيد كثيرا فى تفسيره، وأن القواعد التى وضعها سيبويه تالية على القرآن، وأنها ليست حجة عليه. احذر وأنت تقرأ المصحف من معانى ومدلولات الألفاظ لديك.