الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ثقافة

زكريا عبدالشافي: توقف عرض "قلب في الروبابيكيا" بمثابة إعلان موت لفرقة رضا

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ذكريات محمود رضا يرويها ذراعه اليمنى الدكتور زكريا عبدالشافى، رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية الأسبق، تُنشر لأول مرة تفاصيل حياة محمود رضا بعد تركه فرقة رضا للفنون الشعبية، وكيف خرجت الفرقة بعدها، من مقرها الكائن فى 50 شارع قصر النيل، وتفاصيل مشاركته فى جميع المهرجانات، وهبوط «فرقة رضا» التابعة للبيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية فى بورصة الفرق، وكيف أعادها رضا مرة أخرى للإحياء بقلب فى الروبابيكيا. وفى تحقيق جديد من ملف فرقة «رضا» بعد مرور 60 عامًا على تكوينها، نقدم للقارئ حلولًا يضعها الخبراء، لكيفية الاحتفال بفرقة رضا وكيفية الحفاظ على موروثها الفني، فبعضهم من ناشد بضرورة إنشاء متحف يضم جميع مقتنياتها من ملابس وإكسسوارات ونوت موسيقية، والتسجيلات الخاصة بالرقصات. 
يعود بنا الفنان الدكتور زكريا عبدالشافى إلى عدة سنوات مضت، ليحكى فيها عن رحلته مع فرقة محمود رضا، منذ أن التحق بالفرقة فى عام ١٩٧٥، أى منذ أكثر أى ما يقارب الـ ٤٤ عامًا، حملت الرحلة أفراح وانتصارات وانكسارات وتحديات كثير ستحملها السطور التالية، وترويها «البوابة» لأول مرة على لسان صاحبها.
يقول زكريا عبدالشافى: التحقت بالفرقة فى نهاية عام ١٩٧٥، وكان للفرقة منهجية خاصة للتعليم والتدريب قام بوضعها محمود رضا، ولا يستطيع أى راقص التجاوب مع تلك المنهجية إلا بعد تعلمها والتدرب عليها، وكان يجب أن يقضى الراقصون الجدد ما بين ٦ أو ٧ أشهر وأحيانًا عاما كاملا حتى يُطلق عليهم لقب راقص، فليس أى راقص فنون شعبية يصلح لأن يكون راقصًا بفرقة رضا، ولهذا كانت هناك فروق جوهرية بين فرقة رضا والفرقة القومية فكل منهما مدرسة خاصة.
فالفرقة القومية اتخذت منهجها وفقا للمدرسة الروسية التى بدأها الخبير الروسى، على عكس المنهج الذى أبدعه محمود رضا، فقد عايش محمود رضا البيئة المصرية، وظل يدرسها ويتأثر بها لعدة سنوات حتى استطاع الخروج بتابلوهات استعراضية من وحى البيئة التى عايشها، مثل حى السيدة زينب، وغيرها من المحافظات المصرية التى زارها لاستجلاب مفرداتها البيئية من كلمات وموسيقى وحركات وخطوات راقصة للاستلهام منها فيما أبدعه من تابلوهات استعراضية.
وتابع زكريا، أن محمود رضا كان لديه ذاكرة فوتوغرافية عبقرية، والتى كان يستدعيها بمجرد بدئه فى عمل أى استعراض خاص بالفن شعبى مصري، وكان راقص بالية شاطر، وكان عبقرى وأعماله جاءت من عصاره خبراته كراقص، وتميزت بخطوات قريبة من البيئة والواقع المصري، فاستلهم منها وقدمها بشكل مُمسرح، أى يصلح للتقديم على خشبة المسرح. 
وأضاف زكريا، أن محمود رضا اخترع منهجية للتدريب على هذا النوع من الرقص المُستلهم، كما أنه وضع منهجا خاصا بفرقة رضا للتدريب ولتعليم الراقصين الجدد، ومن لا يتدرب على هذا المنهج من الصعوبة بمكان أن يقوم بالرقص بفرقة رضا، حيث إنه يمكن أن يؤدى نفس الحركات، ولكنه لن يملك الروح الخاصة بفرقة رضا، والتى تتميز بخطوات وأفكار خاصة بها، فالبيئة المحيطة بالفرقة كانت بيئة فنية، فالراقصون الذين معه كانوا بارعون فى ترجمة ما يريده محمود رضا، فكل شيء كان محددا ومجدولا، وجميع الراقصين كانوا أداة طيعة لمحمود رضا، بما فيهم الفنانة فريده فهمي، والتى تفهم كل ما يريده، بالإضافة إلى مهارتها كراقصة؛ هذا بالإضافة إلى التكوين الرياضى لمحمود والإحساس الموسيقى لديه كان مرتفعا، كل هذه الأسباب جعلته ينتج هذا النوع من الفن»، مشيرًا إلى أن قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية قد أنشئ خصيصًا لفرقة رضا، ولهذا النوع من الفن، الذى كان يجوب العالم بأسره معبرا عن مصر.
وعن الفترة التى تولى فيها رئاسة البيت الفنى للفنون الشعبية، قال زكريا: أن منصب رئيس البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية هو منصب بلا صلاحيات، حيث فوجئت عندما دعيت لرئاسة البيت الفنى للفنون الشعبية، بأنه قطاع بدون هيكل إداري، وهو مجرد جزء من كيان حكومي، وأن رئيس قطاع الإنتاج يجب موافقته على أى قرار يتم اتخاذه بشأن الفرقة أو فرق ومسارح القطاع عموما، أو متعلق بالبيت الفنى للفنون الشعبية.
أما عن الفترة التى ترك فيها فرقة رضا أوضح، فى تلك الفترة كنت قريب جدًا منه، فمنذ سفر فريد أبوسنة، سكرتيره للعمل بالخارج عام ٨٤، وأصبحت مساعده فى أعماله الخاصة بالاستعراضات خارج فرقه رضا وكان يقود الفرقة فى تلك الفترة الجداوى رمضان، وكان يتولى مدير عام الفرقة ومدير مكتب محمود رضا بقطاع الفنون الشعبية حتى عام ٩٠، والذى أحيل فيه الفنان محمود رضا للمعاش قبل موعد معاشه بـ٩ أشهر، وحينما تولت قيادة الفرقة الفنانة فريدة فهمى ١٩٩١ لتشغل منصب مدير عام الفرقة، قررت وقتها أن تعيد محمود رضا واستعراضاته لفرقة رضا بعمل ريبورتوار للفرقة» وإعادة مجموعة من الرقصات القديمة التى بدأت بها الفرقة، ومنها رقصة العرقسوس والنوبة، وسيوة، والدبكة حوالى ١٢ استعراضا، وكان لى الحظ فى أن أرقص مكان محمود رضا فى رقصة العرقسوس، وحقق وقتها الريبورتوار نجاحًا مبهرًا، وكان مسرح البالون «أرش كومبليه»، وتخطى عدد أيام الحجز، ووقتها تم إيقاف العرض رغم نجاحه، وهو ما جعل فريدة فهمى تترك الفرقة نظرًا للعراقيل البيروقراطية التى قابلتها». وتركت الفرقة بعدما تركها محمود رضا فى نهاية ١٩٩١ واستمررت ساعده الأيمن فى أعماله الخاصة فى تعليم وتدريب الرقص لكل العالم فى ٥٠ شارع قصر النيل، وهو المقر الأساسى للفرقة، والذى بدأت فيه، وهو عبارة عن استوديو، انتقلت إليه الفرقة بعدما كانت تقوم بعمل البروفات فى «فيلا» الدكتور حسن فهمي، والد فريدة فهمى فى شارع بيروت فى مصر الجديدة، ولم يتركه رضا مطلقا طوال فترة وجود فرقته كفرقة تابعة للدولة، وعندما ترك فرقة رضا عودنا مرة أخرى لخمسين قصر النيل». 
ووقتها كنت أعمل على رسالة الدكتوراه الخاصة بى فى الإدارة الرياضية، وكنت أستعين بمحمود رضا فهو يملك «مُخ» موسوعيا، ودائم القراءة والاطلاع وصاحب فكر منطقي، وأيضا خبرات واسعة فى الإدارة والرياضة التى كنت أعمل بها كمدير عام فى وزارة الشباب والرياضة، وكنت أقوم بتصميم استعراضات لفرق الجامعات المصرية، وأدعو الفنان محمود رضا لمشاهده البروفات والعروض حتى عام ١٩٩٤ طلب منى الدكتور عبدالمنعم عمارة إعداد فرقة فنون شعبية للمشاركة فى الدورة الفرانكفونية بباريس. واقترحت عليه أن تكون فرقة كلية السياحة والفنادق التى كنت أدربها والفائزة بمسابقة الجامعات هى التى تمثل مصر فى استعراضات يصممها محمود رضا وأقوم بتدريبها، ورحب الوزير بشدة وتم تصميم استعراض عن وادى النيل من ألحان الفنان منير الوسيمى وأزياء الفنانة فريدة فهمى وقمت بالتدريب والرقص فيها. 
وعن كيفية نشأة أو عودة فرقة محمود رضا مرة أخرى بعد تركه منصبه بالبيت الفنى للفنون الشعبية قال: «إنه فى تلك الأثناء عُرض على محمود رضا عمل حفل افتتاح بطولة العالم للبولينج التى أقيمت فى مصر، ووقتها تخوف محمود رضا وقال لي: «مفيش راقصين عندنا، ودا موضوع يحتاج راقصين جدد يفهمونا»، ووقتها عرضت عليه بأن نحضر راقصين جددا، أو راقصين من الجامعات التى أدربها أو راقصين من المتواجدين «بفرقة رضا» التابعة للدولة من الجدد ولا يتم إشراكهم فى الاستعراضات، وبالفعل نجحنا فى جمع ١٦ ولدا و١٦ بنتا، وخضعوا لتدريبات يومية لمدة ٣ أشهر كإعداد دون الحصول على أى أجر، وبعدها قام محمود رضا بمنحهم أجرا رمزيا، وبعدها قمنا بافتتاح بطولة البولينج، والتى نالت صدى واسعا لعودة محمود رضا للحياة الفنية المصرية، وفوجئنا بعدها بعروض لعمل حفلات ليالى التليفزيون، والحفلات الخاصة برئاسة الجمهورية واستمررنا على هذا الحال حتى عام ٩٧، و٩٨ والتساؤلات تزداد عن كيف يكون محمود رضا بهذا البريق وفرقة رضا فى هذا الهبوط. 
وفى تلك الفترة تقلد عبدالرحمن الشافعى رئاسة البيت الفنى للفنون الشعبية، ووقتها تواصل معنا مرة أخرى، وطلب من محمود رضا العودة مرة أخرى، وقابل الشافعى صعوبة شديدة جدًا فى الأعمال الإدارية والمالية لإنتاج أوبريت قلب فى الروبابيكيا، والتى قام بعمل الديكور لها الدكتور حسين العزبي، وقاد الأوركسترا منير الوسيمى وتصميم الأزياء فريدة فهمى، وقمت بالتدريب ومساعدة فى الإخراج، وتعاون معنا الفنانة نيفين رامز والفنان فاروق مصطفى، وقمنا بالإعداد للراقصين ما يقرب من ٥ أشهر من التدريبات، ووقتها قدم رضا ٢٢ استعراضا، لمدة ساعتين، وتوقف العرض بعد ١٥ يوما فقط دون إبداء أسباب، ولم يتعامل رضا بعدها مع فرقة رضا الحكومية، حتى إن القائمين على الفرقة قاموا بمنع الراقصين الجدد، والذين قمنا بتدريبهم من التعامل مع محمود رضا، أو حتى المشاركة معه فى فرقته التى أنشأها، بعدما قل الطلب على فرقة رضا التابعة للوزارة، وكان توقف عرض قلب فى الروبابيكيا هو بمثابة إعلان موت لفرقة رضا، والذى حمل آخر الأجيال التى تم تدريبها على أيدى مؤسس وصاحب الفرقة محمود رضا». 
وكان الفنان محمود رضا دائم السفر إلى الخارج ويقوم بالتدريب فى العالم كله، فجميع الفنانين فى العالم وفى مصر كانوا يعرفون قدر وقيمة محمود رضا، كما أنه لا يبخل فى تقديم المعلومة لأى شخص يطلب المعرفة، فكان موسوعيا ولديه معرفة بكل تفاصيل الفنون من أزياء وملابس وديكور، وعندما ظهر الكمبيوتر تعلمه وأصبح بارعًا فيه، كما أنه قدم أكثر من ٦٠٠ استعراض، وكان فى منتهى الدقة والانضباط فكل شيء كان محسوبا، وأتذكر أننى عندما تقدمت لفرقة رضا كان يجرى فيها اختبارات لاختيار عناصر للفرقة، حيث تقدم ٣٠٠ ولد و٣٠٠ بنت، تم اختيار ١٣ من كل فئة، وتم تصفيتهم على ٨ راقصين من الشباب، و٨ فتيات».
ولهذا كان يتم التعامل معنا فى الخارج باعتبارنا سفراء، فكنا نعى جيدًا ماهية فن الرقص، وماهية مهارات الراقص والفنون المحيطة بالرقص الشعبي، ولهذا كنا ندفع الثمن حتى نستطيع أن تكون راقصين بمعنى الكلمة، وبالفعل كل من تعلم على يد محمود رضا هم أحسن راقصين فى مصر، ولهذا يجب أن يعى من يمسك بإدارة الفرقة أن الرقص الشعبى هو فن وعلم ومعرفة وموهبة ودراسة وتخطيط وإدارة، وهو الشيء الذى يفتقره أغلب من يتولى قيادة فرقة عريقة بجحم فرقة رضا، لأن الفرقة لديها منهجية مختلفة عن مناهج الرقص الأخرى.
ونوه «زكريا» إلى أن أكبر الإشكاليات التى يعانى منها فن الرقص الشعبي، هو أيضًا عدم وجود مُحكمين ومُقيمين لمسابقات الرقص الشعبى، لاسيما مسابقات الجامعات ومراكز الشباب، ليس لهم علاقة بالرقص الشعبى مطلقًا، ولم تطأ أقدامهم خشبة المسرح، حتى أن المتخصصين فى البالية ليس لهم علاقة بالرقص الشعبي، وأن إطلاق مسمى «الفنون الشعبية» على مسابقات الرقص هو خطأ جسيم، حيث إننا لا نقوم بالتحكيم فى العادات والموروث الشعبي، ولا بد من إعادة صياغة تلك المسابقات ويجب أن نعى جيدًا ما يتم التحكيم عليه هل هو فن راقص، أم موروث ثقافى». 
أما عن خطة العلاج لفرقة رضا أوضح: أن يتم تكوين لجنة من بعض فنانى فرقة رضا، ويكون لها صلاحيات محددة، لوضع محاور للعلاج، وتكون قابلة للتنفيذ دون معوقات من الإدارة البيروقراطية.