يميل الرسم الساخر إلى أن يكون سلاحًا هجوميًّا، إلا أنه يحمل بين طياته خطر التبسيط المبالغ فيه Over simplification فى معالجة القضايا الحيوية. وعلى الرغم من ذلك، فإن الرسوم الساخرة لا تزال أكثر المواد الصحفية المقروءة، وذلك لقدرتها الكبيرة على جذب الانتباه نحو المشكلات العديدة التى يواجهها المجتمع، ولعل ذلك هو ما دعا نحو 40% من الصحف الأمريكية مثلا إلى نشر هذا النوع من الرسوم.
وفى الحقيقة، تعد الرسوم الساخرة مثالًا جيدًا للاتصال الجماهيرى لأنها نوعٌ من الرسوم التى تنقل معنىً مؤثرًا أو توجيهيًّا. ومن هنا، تهدف هذه الرسوم إلى إحداث التأثير فى المتلقى فى عدة جوانب منها، تثبيت بعض الصور الكامنة، تعديل الاتجاه السلوكي، إثارة المتلقى التنفيس عن المتلقى بحيث لا يتكون لديه تراكم فى تراث الرفض لظاهرة سياسية أو اجتماعية معينة، وأخيرًا إثارة الرغبة فى الضحك أو السخرية.
وقد لعبت الرسوم الساخرة دورًا مهمًّا فى بناء المجتمع المصري، وتوجيه الرأى العام المصرى سواء أكان هذا التوجيه فى النواحى السياسية أم الاجتماعية، إلا أن تطور هذه الرسوم قد تعرض لما تعرض له كتاب المقال من نكسات، وذلك نتيجة للالتزام بوجهة نظر معينة، لأن هذا الالتزام حدد لرسام الكاريكاتير خطوطًا ثابتة جعلت الرسم الساخر يهتز اهتزازًا ملموسًا، أو أن ينصرف عن معالجة المشكلة من جذورها. ولا شك أن الانتكاسات التى تعرضت لها الرسوم الساخرة كانت نتيجة طبيعية لتأميم الصحافة، وقد تجلت هذه الانتكاسات فى تراجع مساحة الرسوم بصفة عامة، والكارتون بصفة خاصة.
إلا أنه ممـا يذكـر للصحـافـة المصرية أن الرسوم السـاخـرة فـيـهـا قـد أسـهـمـت بفــاعلـيـة فى مناقـشـة عديدٍ من القضايا المهمة، ومن أمثلتها مشكلة البطالة، حيث رسم الفـنـان رخـا العـمّـال العاطلين وهم يتجمهرون على شكل علامة استفـهـام كبيرة حول أحد المصانع، وقد كان التعليق المكتوب أسفل هذا الرسم يقول: «سؤال بقيَ بلا جواب.. أين حل مشكلة العمال العاطلين؟». وقد نشر هذا الكارتون فى صحيفة «أخبار اليوم» فى عام 1946، فى وقت استحكمت فيه مشكلة البطالة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، واستغناء القوات الإنجليزية عن الكثير من العمال المصريين.
وكما قام الكارتون بدور مهم فى القضايا الاجتماعية فى مدرسة «أخبار اليوم»، إلا أنه لم يكن بمعزل عن القضايا السياسية الحيوية مثل تحرير القارة الأفريقية، فقد رسم أليكس صاروخان كارتون فى تحرير أفريقيا عام 1963، وهو يمثل هذه القارة بالصخرة الشامخة وسط بحر متلاطم الأمواج، إلا أن الأفريقى يعتلى هذه الصخرة، فى حين أن المستعمر يتشبث بها، ويقوم الأفريقى بطرد هذا المستعمر، وإلقائه فى عرض البحر، حيث تنتظره أسماك القرش الجائعة!
ولا يمكن أن نتحدث عن مدرسة «أخبار اليوم» فى الكاريكاتير دون أن نذكر شخصية «هنداوي» الكاريكاتيرية التى كان يرسمها الفنان مصطفى حسين لصحيفة «أخبار اليوم» منذ عام 1988، وهى شخصية تمثل ذلك الرجل الريفى الساذج - أو هكذا يبدو - القادم من «كفر الهنادوه» وينتقد السياسات الحكومية فى لقاءاته الأسبوعية مع د.عاطف صدقي، رئيس الوزراء ومن بعده د.كمال الجنزورى ود.عاطف عبيد ود.أحمد نظيف مُرَكّزًا على انعكاسات هذه السياسات على هذا «الكَفْر» الذى يعد ممثلًا لمصرنا الكبيرة.
وقد نجح الكاريكاتير فى مدرسة «روز اليوسف» فى أن يحتوى على كل العناصر التى تكفل له مكانة شعبية كفن صحفي، وإن تراوحت هذه المكانة بين المؤكَدة والمنعدمة من مرحلة زمنية إلى أخرى، ومن موضوع لآخر من الموضوعات التى تصدّت لها هذه المجلة التى نشأت أساسًا معتمدة على نشر الرسوم اليدوية فى المقام الأول.
وقد كانت الرسوم الساخرة فى مجلة «روز اليوسف» عام 1952 محتوية على كل العناصر التى تكفل لها الذيوع والانتشار والتأثير فى الرأى العام فقد تعرضت هذه الرسوم لكل القضايا الأساسية وقتها معارضة للنظام السياسى القائم قبل الثورة، ومعبرة فى ذلك عن الأمانى الوطنية بوضوح، كما اشتركت الرسوم الساخرة فى كل حملات مجلة «روز اليوسف» الصحفية التى هاجمت فيها أركان النظام القديم.
ورغم أهمية الرسوم الساخرة فى الصحافة المصرية، فإننا نلحظ أن المساحة المخصصة لها قد بدأت تتقلص، ويبدو جليًّا أن سبب ذلك هو أزمة ورق الصحف وارتفاع أسعاره. ونحن نرى على الرغم من ذلك، أن تقلص المساحة المخصصة للرسوم الساخرة اتجاه ليس له ما يبرره، حتى بالإقرار بالارتفاع الهائل فى أسعار ورق الصحف، لأن منافسة التليفزيون على جذب انتباه القراء تجعل من غير المعقول أن نحدَّ من المساحة المخصصة لهذه الرسوم، والتى تلقى نسبة قراءة كبيرة من قرّاء ينتمون إلى قطاعات مختلفة وأعمار متفاوتة.
وقد أطلق رسامو الشرائح الفكاهية Comic-Strips Cartoonists فى الولايات المتحدة، على سبيل المثال، على الاتجاه الخاص بتحجيم هذه الرسوم الفكاهية، والتى تزيد القوة الجاذبة لها، يجب استغلالها بتخصيص مساحة أكبر لهذه الرسوم، خاصة وأنها تعتبر وسيلة اتصال جماهيرية، فهى تصل إلى ملايين القراء كما تفعل وسائل الإعلام الأخرى كالراديو والتليفزيون.
كما تقدم الرسوم الفكاهية للصحيفة خدمة ترويجية لا يمكن إنكارها، فهى تقدم عنصرًا ضروريًّا للتسلية يساعد على زيادة التوزيع، ولا سيما أن قراء الصحيفة قد يتجهون بأبصارهم إلى هذه الرسوم ليطالعوها، ربما حتى قبل قراءة الموضوعات والقصص الإخبارية المختلفة التى تنشرها الصحيفة.
وربما يرجع التعطش لمطالعة الرسوم الفكاهية، والرسوم الساخرة على وجه العموم، إلى تناولها لشخصيات كاريكاتيرية معروفة ومحبوبة، ومع مرور الوقت، تصبح هذه الشخصيات من الثوابت التى اعتادها القارئ، وبالتالى تصبح أنشطة هذه الشخصيات انعكاسًا للمساوئ التى يعانى منها والطموحات التى يتطلع إليها، وأحيانًا أوجه الحرمان التى يعانيها القارئ.
وأشارت الدراسات إلى أن الرسوم الساخرة تعد شكلًا من أشكال الاتصال المرسوم Gaphic Communication، وتضرب الرسوم الساخرة، كفن اتصالي، مثالًا رائعًا فى تكوين الأنماط الثابتة، فهى لا تحتاج من الجمهور مجهودًا كبيرًا لأنها مبسطة. ومن هنا فإننا ندعو إلى زيادة المساحة المخصصة للرسوم الساخرة فى الصحافة المصرية لتواجه القادم الجديد فى ساحة الإعلام الساخر وهو البرامج التليفزيونية الساخرة.