الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ليبيا.. موقف مصري حريص على البلاد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الأسبوع الماضى أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا يضع ثلاثة محاور أساسية لحل الأزمة الليبية، تجسد فى مخرجات الاجتماعات التشاورية التى استضافتها القاهرة قبل أسابيع لأكثر من 70 نائبا بمجلس النواب الليبي برئاسة المستشار عقيلة صالح وبإشراف اللجنة المصرية الوطنية العليا لشئون ليبيا.
المحاور الثلاثة تتلخص فى دعوة البعثة الأممية برئاسة غسان سلامة للانخراط مع البرلمان الليبي كونه الهيئة المنتخبة الوحيدة والمخول لها رسم خارطة مستقبل بعيدا عن أى تدخلات إقليمية أو دولية، ودعوة جميع الأطراف الليبية للنأى بنفسها عن الجماعات المتطرفة والكيانات الإرهابية خاصة تلك المدرجة على قوائم عقوبات مجلس الأمن، ونزع سلاح كافة الفصائل والميليشيات، بالإضافة إلى الدعوة لحل القضايا الجوهرية وفى مقدمتها عدالة توزيع الموارد وضمان شفافية ونزاهة إنفاقها.
حكومة الميليشيات برئاسة فائز السراج اعتبرت البيان تدخلا سافرا فى الشأن الداخلى الليبي، وأعلنت من خلال خارجيتها رفض الموقف المصرى باعتباره يتجاهل الأجسام السياسية التى انبثقت عن اتفاق الصخيرات والتى تتمثل فى المجلس الأعلى للدولة والمجلس الرئاسي وما تسمى بحكومة الوفاق.
لقد نسيت خارجية السراج، أن فائز السراج نفسه كان أول من نزع هذا الحق، عندما لم يلتزم بما أقرته اتفاقية الصخيرات بشأن نزع كافة أسلحة الميليشيات المسلحة وملاحقة العناصر الإرهابية التى تقاسمت أحياء طرابلس فيما بينها لتفرض الإتاوات على سكانها وتسرق وتسلب ممتلكاتهم فى وضح النهار.
السراج نزع عن نفسه وعن حكومته وأجسامها السياسية الشرعية التى أكسبتها إياه اتفاقية الصخيرات؛ بل إنه أطاح بتلك الاتفاقية بتمكينه جنرالات الإرهاب من مفاصل الحكم داخل العاصمة.
منذ اللحظة الأولى وضع السراج نفسه وحكومته رهينة لجماعة الإخوان الإرهابية ومن خلفها النظامين التركى والقطرى ليتدخلا بوقاحة فى شئون بلاده؛ وليحققوا ما شاءوا من مصالح سياسية واقتصادية على حساب الليبيين وتركهم يعيثون فى أنحاء ليبيا فسادا بدعم كافة التنظيمات الإرهابية فى مناطق الغرب والوسط والجنوب وبعض مدن الشرق مثل درنة التى كانت معقلا لخليط من التنظيمات التى لعب الإرهابى المصرى هشام عشماوى دورا كبيرا لإعادة تنظيم صفوفها وتدريبها على شن عمليات مسلحة سواء ضد الداخل الليبي أو فى اتجاه الداخل المصرى.
الأكثر من ذلك أن فائز السراج الذى يتحدث عن التدخل المصرى فى شئون بلاده الداخلية كان عراب اتفاق يسمح للقوات البحرية الإيطالية للقيام بعمليات داخل مياه ليبيا الإقليمية، وهو الاتفاق الذى قابله الشعب الليبي بمظاهرات رفض عارمة فى معظم مدن ليبيا وعلى رأسها طرابلس، فيما اعتبروه عودة للمستعمر الإيطالى على يد حكومة الوفاق لوطنى.
كذلك سمح السراج لروما بالتغلغل داخل الجنوب الليبي عبر منظمة سانت إيجيدو الكاثوليكية صاحبة الفضل على السراج فى إقناع كل ما يسمى بالحراك الوطنى لشباب الطوارق والمجلس الأعلى لثوار التبو للاعتراف بحكومة الوفاق.
وجاءت الأحداث التى شهدتها مدينة مرزق جنوب غرب ليبيا مؤخرا لتؤكد أن السراج سمح أيضا للعصابات التشادية وتلك المناوئة لحكومة الرئيس إدريس دبى للتمركز داخل الجنوب الليبي ليكون نقطة انطلاق لشن هجمات على شمال تشاد، بخلاف ما تقوم به من جرائم اتجار للمخدرات والسلاح والبشر.
وتحت قيادة الإرهابي الليبي حسن موسي كاش زعيم قوات جنوب ليبيا والمنتمى لقبائل التبو، شنت تلك العصابات عدة هجمات على مدينة مرزق مستهدفة سكانها العرب فى عملية تطهير عرقي ليبدو الأمر، وكأنه حرب أهلية بين الليبيين من أصل عربى وإخوتهم المنتمين لقبائل التبو، ولمحاولة تشتيت انتباه الجيش الوطنى الليبي عن عملية تحرير طرابلس.
حسن موسي كاش كان قد حصل على دعم مالى من فائز السراج قدره اللواء أحمد المسمارى المتحدث باسم القوات العربية الليبية المسلحة بنحو 50 مليون دينار ليبيي للقيام بعمليات إرهابية فى مناطق الجنوب التى يسيطر فيها على مناجم للذهب، تحدثت بعض التقارير عن استخراجه وبيعه إلى دول أوروبية لصالح الجماعات الإرهابية.
ومن الطبيعى أن محاور الرؤية المصرية تتناقض كليا مع مصالح السراج وعصاباته، فقد سقطت شرعية كل المؤسسات والكيانات السياسية الناشئة عن اتفاق الصخيرات وفى مقدمتها حكومة السراج ولن تعد تلك الأجسام صالحة للانخراط فى أى عملية للتسوية السياسية بعد تورطها المباشر والصريح فى التحالف مع الجماعات الإرهابية والدول الراعية لها؛ لذلك دعت المبادرة المصرية المبعوث الأممى للانخراط مع مجلس النواب الليبي كونه المؤسسة الشرعية الوحيدة الباقية والمنوط بها وضع أسس الحل السياسي وإقرار القواعد الدستورية لأى انتخابات مقبلة رئاسية أو برلمانية أو حتى محلية على مستوى البلديات.
كذلك فإن دعوة الخارجية المصرية الأطراف الليبية للنأى عن الجماعات الإرهابية والمسلحة تكاد تكون مستحيلة، كيف للسراج أو غيره من وزراء حكومته التنصل من تلك العصابات وداعميها بعد كل هذا الدمار الذى تسبب فيه لبلاده؟!
وفى رأيى أن هذه الدعوة ليس مخاطبا بها سوى بعض الكتائب التى من الممكن أن تعلن استعدادها للتخلى عن سلاحها ورغبتها فى عمل مصالحة ما، وهذا ما يحاول بعض وجهاء مدينة مصراتة التوصل إليه عبر مفاوضات غير معلنة مع الجيش الوطنى الليبي وذلك بانسحاب ما تسمى بميليشيات مصراتة من معركة طرابلس وتسليم سلاحها وكذا المتورطون فى جرائم الحرب مقابل ألا تدخل مصراتة عاصمة ليبيا الاقتصادية فى مواجهة عسكرية مع الجيش.
المحور الثالث فى المبادرة المصرية ركز على ضرورة العمل من أجل تحقيق عدالة توزيع موارد ليبيا وشفافية إنفاقها ذلك أن حكومة السراج قامت ولا تزال بتوزيع عائدات البترول على قادة العصابات والجماعات الإرهابية وجعلت البنك المركزى الليبيي وثروات الليبيين نهبا لجنرالات الإرهاب.
الرؤية المصرية تسعى إلى أن تحظي خارطة الطريق التى سيضعها مجلس النواب الليبي باعتراف أممى لتكتسب شرعية سياسية ودولية تحول دون محاولات بعض الأطراف الدولية والإقليمية لاسيما إيطاليا بريطانيا وتركيا وقطر للتدخل فى شئون ليبيا.