الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

جمال عبدالناصر «5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كان جمال عبد الناصر مصرًا على عدم خضوع تنظيمه الجديد لوصاية أحد من خارج الجيش، لا جماعة الإخوان ولا الشيوعيين،حيث بدأ اتصاله بهما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كما أسلفنا فى المقال السابق، وقد كانت كلماته واضحة للجميع فى الاجتماع الأول للجنة التأسيسية لهذا التنظيم الذى لم يكن قد عرف بعد باسم الضباط الأحرار، والذى انتخب فيه جمال رئيسًا بالأغلبية المطلقة وكانت اللجنة تضم عبدالحكيم عامر وعبدالمنعم عبد الرءوف وخالد محيى الدين وكمال الدين حسين وصلاح سالم وعبداللطيف بغدادى وحسن إبراهيم ولم يكن أنور السادات قد انضم لهذا التنظيم بعد،حيث كان يقضى عقوبة السجن فى قضية اغتيال أمين عثمان ولم يعد إلى صفوف الجيش مرة أخرى إلا فى مطلع عام 1950 لينضم سريعًا إلى هذا التنظيم الذى كان قد أعيد تشكيله بعد حرب 48، تلك الحرب التى عاد منها جمال عبدالناصر وليس فى قناعته إلا التغيير الثورى، وكنا فى المقال السابق قد توقفنا عند قرار الحكومة المصرية بدخول الحرب فى اليوم التالى لإعلان بريطانيا إلغاء الانتداب على فلسطين وإعلان بن جورين قيام دولة إسرائيل واعتراف أمريكا وروسيا ومعظم دول العالم باعتبار إسرائيل هى البديل لدولة فلسطين، ولم يجد العرب وقتها مندوحة من دخول الحرب، وتم تشكيل قوة عربية كبيرة من خمسة جيوش منظمة، ووقتها كان الصاغ أو الرائد جمال قائدا للكتيبة السادسة مشاة، فصدرت له الأوامر بالتحرك مع أفراد كتيبته إلى غزة ومنها إلى قرية عراق سويدان التى كان الإسرائيليون يهاجمونها ويقتلون سكانها، ولكن فوجئ جمال بأن الصحف فى القاهرة والعواصم العربية كانت تنشر فى صدر صفحاتها الأولى كل صباح أخبار تحركات الجيش تفصيلًا، بل إنه ذهل حين قرأ اسمه فى جريدة قاهرية وكذلك اسم العقيد السيد زكى قائد اللواء الذى تتبعه الكتيبة، وجاء بالخبر نص الأوامر والتكليفات التى صدرت لهما، فلا أسرار للمعركة ولا سرية لأسماء القادة والأفراد، ولا شك أن هذا كان سببًا فى محاصرة جمال وكتيبته فى الفالوجا، وهى القرية التى تقع على بعد أربعين كيلو مترا من غزة، وفى هذا الحصار أظهر جمال شجاعة متناهية، فقد ظلت الكتيبة المحاصرة تقاتل وتقاوم رغم الوضع السيئ الذى كانت فيه ورغم تعرض جمال للإصابة مرة تلو الأخرى، إذ كان ينقل إلى المستشفى الميدانى وبعد أقل من ساعة ينهض متحملًا الألم والجراح ليعود إلى القتال مرة أخرى، ونظرًا للدور المتميز الذى قام به جمال أثناء المعركة تم منحه نيشان النجمة العسكرية بعد عودة القوات المصرية فى عام 49 عقب انتهاء الحرب بقبول جميع الأطراف للهدنة التى فرضتها الأمم المتحده فى فبراير 49، ولا شك أن هزيمتنا فى حرب فلسطين كانت العامل الأكبر فى إشعال نار الغضب بداخل جمال وزملائه من أعضاء التنظيم الجديد، فقد كانوا غير راضيين بالمرة مما حدث أثناء المعركة، إذ ليس من المعقول أن تصدر الأوامر لسلاح المهندسين فى أوج أعمال القتال ببناء شاليه للاستجمام فى غزة لجلالة الملك المفدى فاروق الأول، وليس من الطبيعى أن تنشر الصحف تفاصيل تحركات وحدات الجيش وأسماء أفراده،حتى أن الإسرائيليين استغلوا ذلك فكانوا ينادون بمكبرات الصوت على الضباط أثناء حصارهم، وحين عاد الصاغ جمال تم تكريمه هو ومن معه وغنت أم كلثوم لأبطال الفالوجا التى شهدت ثبات وشجاعة جند مصر أثناء الحصار، وتم نقل جمال إلى كلية أركان حرب للعمل كمدرس فيها، وعلى الفور بدأ فى إعادة إحياء نشاط تنظيمه، والذى انضم إليه مجموعة جديدة من الضباط، وفى الاجتماع الأول لإعادة تشكيل التنظيم تم انتخاب جمال مرة أخرى رئيسًا له وتم الاتفاق على إطلاق اسم الضباط الأحرار على هذا التنظيم بدلا من لفظ اللجنة التأسيسية، وناقش الحضور أسباب الهزيمة فى 48 وبات للجميع أن الأهداف الوطنية التى يطمح لها شعب مصر لن تتحقق فى وجود تلك القيادات، ابتداء من الملك الماجن الغارق فى شهواته ونزواته الطائشة وانتهاء بالساسة الذين لا هم لهم إلا السلطة والمال، ولن يحدث التغيير إلا بالقوة، ولكن التنظيم الجديد لن يتمكن من القيام بحركة عسكرية تجبر كل متصدرى المشهد السياسى فى مصر على الانزواء جانبًا وتجبر كذلك الإنجليز على الرحيل، فالأمر يحتاج لاستراتيجية واضحة وخطوات محدده، ويبدو أن الأوضاع السياسية وقتها كانت تسير وفق أهداف جمال وزملائه بشكل أكبر من توقعاتهم، فها هو حسن البنا يتم اغتياله فى شوارع القاهرة ضمن سلسلة لا نهائية من الاغتيالات السياسية، وها هو الحرس الحديدى يعتقل مئات الطلاب الذين خرجوا فى مظاهرات تندد بالهزيمة وقبول العرب للأمر الواقع، وها هى التحقيقات تشير بالبنان إلى تورط الملك وأعوانه فى صفقة الأسلحة الفاسدة التى تم تزويد الجيش بها أثناء الحرب وتبع ذلك بعدة أشهر زواج الأميرة فتحية من رياض غالى وتجريدها هى وأمها نازلى من لقبيهما، بعد تغيير ديانتهما، وبذلك انكشف للشعب المصرى جو الانحلال الذى تعيشه الأسرة المالكة،خاصة وأن الصحف العالمية بدأت تتحدث عن نزوات الملك وفضائحه النسائية، وللحديث بقية.