ربما يصيب بعض القراء الملل من كثرة حديثي عن أمي، لكن هل هناك على وجه الأرض من هو أطهر وأهم من أمي حتى أهبه نبض كلماتي.. أو هناك شيء أغلى منها أتباهى به؟ غادرت أمي لرحلة الحج فشعرت بوحشة الدنيا وشعرت أنني بلا روح، ولم أشعر أنني عدت الحياة إلا حينما طلت علي بوجهها الكريم، كنت أتشوق لحكاياتها التي لا يستطيع أحد أن يسردها بتلك الروعة التي تنطق بها أمي، وكانت أول حكاية لها بعد عودتها من الحج حديثها إلى الله يوم عرفة إذ قالت: "كله يوم يا بني في الحج ويوم عرفة كوم تاني، كنت في الخيمة بصلي والجو حر وأنا كأني اتعزلت عن الناس وما بقتش سامعة حاجة.. بس بقول يا حبيبي بيقولوا إنك بتنزل الأرض النهاردة تغفر لعبادك، يا ترى يا حبيبي أنا هكون منهم؟ يا ترى رحمتك هتشملني؟ يا ترى هتقبل مني وتجبر بخاطري؟ أنا جيتلك وإنت الكريم"، وهنا تواصل حديثها: "حسيت بالهواء بيحرك الخيمة فبكيت ودعوت بصوت عالٍ، زاد الهواء ففزع من في الخيمة ثم سمعنا صوت الرعد ورأينا برق لم نراه من قبل والناس تقول القيامة هتقوم، خرجت من الخيمة والمطر ينزل بشدة وأنا أصرخ بالدعاء اقبلني يا حبيبي.. اجعلني ممن تغفر لهم وترحمهم ظللت ساعة هكذا حتى شعرت أن المطر غسل روحي وشفى جسدي، جرت دموعي مع مياه الأمطار، وشعرت أن الله قريب مني، يسمعني ويربت على قلبي".
أمي عادت بفرحة لا توصف لكنها وبرغم كل ما رأته من مشاهد وأشخاص قالت لي جملة علقت في أذني: "بص يا بني هناك الكعبة والحرم النبوي بس مفيش زي بلدنا.. مفيش زينا.. مصر فيها الرحمة والخير مهما حصل، شوفت ناس ياما لكن مفيش في طباع ناسنا ولا في خير وطيبة أهلنا.
ثم دللت على ذلك بموقف لها مع سائقين التاكسي هناك إذ أنها كانت عائدة من الحرم للسكن وحاولت إيقاف تاكسي لأنها لا تستطيع المشي ولأن المسافة قصيرة كل سائقين التاكسي كانوا يقولون لها مثلما نطقت no.. no، فأخذت تمشي قليلا ثم تجلس حتى وصلت، فأخذت تحكي الحكاية لمن معها في الغرفة وتضحك وتقول لهم لو عندنا في مصر كان yes.. yes.. لكن يالا أنا فشيت غلي وموت إبليس.