الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

دروس السفير بيومي للدبلوماسية المتمكنة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كما أن لوسائل التواصل الاجتماعى أضرارًا، منها تقليص الخصوصية وعدم دقة المعلومات واستبدال التواصل الحقيقى بين البشر بالتواصل المزعوم!.. فهناك أيضًا مزايا لمن يحسن استخدامها.. فهى وسيلة للدعاية، ونشر أفكار وآراء ذوى العلم والخبرات، ومنها نعرف أحيانًا قدر الشخصيات ومقدار ثقافاتهم ومعارفهم.. لذلك فهناك بعض الصفحات لبعض الساسة والعلماء والمفكرين، تتحول إلى منابر للعلم والتثقيف وتنوير العقول.. أحدهم صفحة السفير جمال بيومى، والذى تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1960.. وانضم للسلك الدبلوماسى المصرى بعدها بعام، وكان من أوائل المدنيين الذين حصلوا على زمالة كلية الدفاع الوطنى بأكاديمية ناصر العسكرية العليا عام 1978.. وقد شغل العديد من المناصب المهمة منها مساعد وزير خارجية مصر الأسبق، ومستشار لكلٍ من أمين عام جامعة الدول العربية ورئيس مجلس الشعب (2001-2011).
وقد أخذ على عاتقه مهمة نقل خبراته من خلال صفحته على الفيسبوك، وهو ما جعل تصفحها يحقق المتعة والإفادة لأصدقائه ومتابعيه.. ومن بين الدروس التى كتبها عن كيفية إزالة الصورة القاتمة لتهديد الإرهاب ما يلى: «بعد واقعة تمرد جنود الأمن المركزى فى الثمانينيات.. أصدرت بعض وزارات الخارجية تحذيرات لمواطنيها من السفر إلى مصر.. وحاولنا فى ألمانيا أن توقف الخارجية هذا التحذير بعد فترة، لكن الألمان كعادتهم كانوا متحفظين للغاية..وفى مقابلة لسفيرنا فى بون الشافعى عبدالحميد (وكان رحمه الله كفاءة نادرة) مع وزير الداخلية الألماني (تسيمرمان) قال السفير للوزير إن الرئيس مبارك يريد أن يستمع إلى نصحه الشخصى عن كيفية ترتيب الأمان النووى المفاعل الذى كانت مصر بصدد شرائه من ألمانيا.. وسال لعاب الرجل للصفقة ورحب بالزيارة.. وسافر وقابل وزير الداخلية كما قابل الرئيس.. بعدها وجه السفير الدعوة إلى وزير الاقتصاد (مارتن بانجمان) لزيارة مصر لاطلاع الرئيس عن سبل التعاون فى جذب الاستثمارات.. وعاد الرجل من مصر منبهرًا..وكرر السفير هذه الدعوات (بمبادرة من عنده) وبصورة متلاحقة لوزير الخارجية جينشر.. ولرئيس جمعية الصداقة المصرية الألمانية ووفد كبير من الجمعية... وغيرهما.. سألت السفير مداعبًا: سيادتك عملت شركة سياحة للترفيه عن مجلس الوزراء الألماني؟؟ فأجاب السفير: يا سيدى لو أمضينا طوال الوقت نقنع الألمان برفع الحظر عن السفر إلى مصر، ووضعنا عشرات إعلانات الدعاية بمئات الآلاف من الماركات للدعاية للسياحة فى مصر، فإنها لن تأتى بمثل نتيجة أن يرى المواطن الألمانى وزراءه واحدًا تلو الآخر يزورون مصر التى لو كانت غير آمنة ما زاروها.. وتظل صحف ألمانيا بل وأوروبا تتابع أخبار مصر الآمنة.. وتعلمت الدرس»..لا يكتف سيادة السفير بما يقدمه لنا من دروس تعلمها، بل ينقل للتاريخ شهادته عن الحقبة التى تولى فيها مناصبه الدبلوماسية، ومنها ما عرضه عن كيفية تعامل مصر بندية مع كل الدول - حتى العظمي - فكانت شهادته: «تعلمنا فى القانون المدنى كما فى العرف الدبلوماسي، إذا ارتكب تابع خطأ فإن المتبوع يتحمل بالجانب المدنى من الخطأ.. وقد تلقيت خطابًا من عميد السلك الدبلوماسى فى بلد عملت فيه سفيرًا (وعميد السلك فى بلد هو أقدم سفير قدم أوراق اعتماده للرئيس).. وطلب العميد فى خطابه أن أدفع 200 دولار للمشاركة فى حفل لتوديع زميل سفير منقول لبلده، وشراء هدية رمزية له.. لاحظت أن الموعد المحدد للحفل هو عيد الأضحى.. فبعثت للسفير 200 دولار وبخطاب أنبهه الى عدم ملاءمة الموعد.. ففوجئت بأن سكرتيرة العميد أخذت الدولارات وأعادت خطابى كما هو.. مما يعتبر جليطة غير مقبولة.. كتبت خطابا آخر حكيت فيه للسفير أن خطابى الأول أعيد لى وهو أمر محرج وغير مقبول.. ووضعت اسم السفير على المظروف الخالى مع كلمة لا يفتح إلا بمعرفة السفير.. أعيد الخطاب الثانى أيضًا.. وهو ما يرقى لحد الإهانة.. ورغم أن السفير العميد كان ينتمى لإحدى الدول العظمى وكانت تربطنى به صلة مودة فقد قررت ألا أقبل هذا الوضع وأن ألقنه درسًا فى الأصول.. فاتصلت بزميلى عميد السلك الدبلوماسى العربي (سفير المغرب) وبزميلى عميد السلك الدبلوماسى الإسلامي (سفير السنغال) واتفقنا على أن السفارات العربية والإسلامية لن تقبل حضور الحفل.. وهو الأمر الذى لفت نظر سفير الدولة العظمى (العميد) وعلم من السفراء أننى وراء هذا الموقف.. اتصل بى قائلا: جمال أرجو ألا تكون غاضبًا مني..وقلت: بل أنا غاضب من سفارة بلدك التى لا تحترم بريد السفراء الزملاء.. رد: وماذا أفعل ولدى سكرتيرة قليلة الأدب.. قلت: إن العرف والقانون يقرران مسئولية المتبوع عن تابعه.. رد متسائلًا: إذن هل تقبل اعتذاري؟.. وفى ثانية قررت التصعيد وألا أقبل اعتذارًا شفهيًا بالمجان.. وقلت: أخشى أننى لن أقبل إلا اعتذار مكتوب خاصة وأنى بعد رد خطابى الثانى أبرقت لوزارة الخارجية المصرية بالحادث..وأخشى أن خطابًا سيصدر لسفيرنا فى بلدك لكى ينقل لحكومتك الشكوى الواقعة.. ورد السفير بسرعة: لا.. سأقدم لك اعتذارًا مكتوبًا وسأحضر بنفسى لمقابلتك وتسليمك الخطاب.. هل يناسبك الساعة الخامسة.. قلت (مصعدًا) أخشى أننى مشغول حتى السابعة.. وحضر السفير وقدم الخطاب مكررًا اعتذاره.. وأمر مستشار سفارته أن يتولى بنفسه التعامل مع أى اتصالات أو مراسلات تخص سفارة مصر.. كما غير موعد الاحتفال الذى لم يعجبنا.. وصار الحادث محل تندر السلك الدبلوماسى كله.
مصر بخير وعلى رءوس الجميع.. كل الشكر لسيادة السفير على دوره التنويرى الذى ينقل لنا خبراته وآرائه، ونقرأ بين سطوره تاريخنا المعاصر الذى لم تكتب صفحاته بعد، ومستقبلنا القريب الذى نتلمسه بين كلماته.