الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

الفلاح المصري الذي نسينا مهنته

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لى تجربة صغيرة مع الزراعة والفلاحة قررت خوضها كمؤمن بأهمية العمل اليدوى المنتج.. فى هذه التجربة اقتربت من الفلاح المصرى وهمومه التى هى واضحة للجميع.. كنا نهتف فى زمن مضى للعامل والفلاح.. نهتف من قلوبنا احتفالا بمجد الصناعة والزراعة.. مضى الوقت كيفما مضى وخفتت أصواتنا وبحث كل منا عن جدار يمشى فى ظله.. نقرأ يوميًا عن هموم الزراعة والمزارعين، خاصة فى أراضى الدلتا القديمة عن سعر الكيماوى الذى ارتفع وعن غياب الجمعيات التعاونية الزراعية وعن اندثار ما كان يعرف بالإرشاد الزراعي.. نقرأ ونمضغ الكلمات ولا نبلعها.. هناك خطأ ما فى تلك المنظومة التى هى منظومة أمن قومى فى أساسها.
شكاوى الفلاح المصرى ليست وهمية، هى شكاوى جادة حفظناها عن ظهر قلب وحملها قادة كبار أفنوا أعمارهم دفاعا عنها، منهم على سبيل المثال الراحل الكبير عريان نصيف وطيب الذكر الراحل الشيخ محمد عراقى والمناضلة الكبيرة شاهندة مقلد والأستاذ الجامعى ابن قرى الدلتا الدكتور محمد أبومندور، وغيرهم من الخبراء الأكاديميين والمتخصصين.. لهم كتابات ملهمة عن واقع الزراعة والفلاحين، وبالرغم من ذلك ما زالت الشكوى مستمرة عن خسائر موسمية فادحة تصيب المزارع القابض على جمر مهنته.
لن أذهب إلى أرقام وإحصائيات حيث تقول الحكمة الصينية «الأكاذيب نصفها أرقام»، ولكننى أذهب إلى واقع على الأرض، ابتداء من قزمية الملكية فى الدلتا وصولا إلى العدوان الواضح على الأراضى الزراعية وانتصار شيكارة الأسمنت والطوب الأحمر على شيكارة الكيماوى والشتلة؛ والمؤلم فى هذا الأمر هو أنه يحدث على أرض مصر.. مصر التى اخترعت الزراعة والموسمية وابتكرت هندسة الرى يهزمها الطوب الأحمر وتجار تقطيع الأراضى الزراعية وبيعها بالقيراط للمبانى.. يهزمها فى الزراعة تاجر الجملة وتاجر القطاعى وسمساسرة المبيدات والتقاوى ويتركون الفلاح بمفرده يعانى الموسم بالكامل غير مطمئن وكل أمله أن يحصل فقط على مصاريف زرعته.
لدينا عشرات المراكز البحثية المهمة ولدينا خبراء يعرفون جيدا كيفية إنقاذ فلاح الدلتا كخط مواز للزراعات الجديدة فى الصحراء والاستفادة من المياة الجوفية.. لا ينقصنا من حيث مدخلات الزراعة أى شيء لكى نحصد مخرجات تغطى سوقنا المحلية وتنافس فى التصدير.. لدينا القوة البشرية القادرة على نشر الأخضر.. ولكن غياب الرؤية الشاملة يصنع حلقات مفقودة تعود بنا للوراء ونخسر وتخسر بلادنا.. 
تجربتى الصغيرة فى الزراعة كانت مباشرة رأيت فيها ارتفاع أجور العمالة الزراعية وندرتها.. رأيت انعدام التحديث وغياب الميكنة الزراعية.. رأيت الكل يتربص بالمزارع ليسرق عرقه ومجهوده.. رأيت الفساد واضحًا عند طلب أى تراخيص لمعالف أو حظائر ولكل رخصة تسعيرة تدخل درج الموظف صاحب الياقة البيضاء.. مهنة الزراعة بمصر وحماية الأراضى الزراعية ومساندة الفلاح لا بد من الالتفات إليها جيدا.. هذه ثروة مهدرة لن يعوضها أى مشاريع أخرى.. هذا هو النيل العظيم وهذه هى أرضنا السمراء وهذه هى سواعد الفلاحين أصحاب الخسارة الموسمية.
من هنا نستطيع الاشتباك مع مشكلة البطالة وتخفيض نسبتها.. الزراعة دنيا كبيرة قادرة على استيعاب الجميع فهى صناعة مركبة تحتاج الفلاح صاحب المودة مع الأرض مثلما تحتاج الصانع القادر على تحويل المنتج الزراعى الى سلعة لها قيمة.. تحتاج التاجر للتسويق كما تحتاج النقل واللوجستيات الأخرى.. الزراعة تحتاج إرادة دولة تنظر على كامل الخريطة المصرية لتكتشف أين الوجع فتعالجه.. الوقت ضيق والملف مهم والمشروعات البديلة لا يمكن اعتبارها كافية لاقتناعى بأن تطوير المهنة يأتى من تطوير البشر أولا وإصلاح المنظومة بالكامل من خلال رؤية شاملة لاتستبعد أحد ولا تسكت عندما ترى متضرر.. 
واختم بسؤال وإجابته ليست عند وزارة الزراعة ولكنها فى مكاتب السجل المدني.. هل يمكن أن تقولوا لنا فى السنوات الأخيرة كم عدد المواطنين الذين سجلوا فى بطاقتهم الشخصية مهنة «فلاح»؟.. أعتقد أن الرد سوف يكون كاشفًا لمهنة تندثر ونحن نتفرج عليها ونشكو من غلاء أسعار الخضراوات.