السبت 28 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جيل الأبيض والأسود!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ربما يكون هذا الأسبوع قد احتوى على أيام وساعات ودقائق وربما ثوان اختلط فيها الحب بالحزن والسعادة بالألم.. ساعات قاسية ومثلها جميلة.. دموع تختلط بالابتسامة دقات قلبت تهز أركاني.
كل هذه المشاعر خلقت من رحم أخبار اخترقت الموبايل وصولا إلى أذني.
فالبداية سعيدة عندما اتفق رفقاء الطفولة على اللقاء بعد مرور أربعة عقود على الغياب.. صحيح كنا نعرف أخبار بعضنا البعض من بعيد، لكن الأغلبية لم تلتق منذ زمن بعيد.. وكم كانت «روووعة اللقاء» الذى اخترق كل الأزمان ليعود مستقرا بنا فى هدوء وسكينة إلى ما كنا عليه فى مراحل الدراسة الأولي.. صحيح تغيرت قسمات وجوهنا وعلا الرأس شيب لكن قلوبنا لا تزال صغيرة حاملة بين جنباتنا الفطرة التى فطرنا الله عليها.
عشنا أجمل اللحظات والتى تمنينا جميعا ألا نغادرها حتى نظل فى هذا الزمن الجميل لكن الواقع فرض علينا الظروف التى نعيشها ومع ذلك تجدد الأمل فينا عندما اتفقنا جميعا على اللقاء شهريا.
قبلها بأيام قليلة صدمت عندما أخبرنى الكابتن هانى عبدالحميد، مدرب منتخب مصر، بخبر وفاة زوجته.. خاصة أن هانى صديق الطفولة البريئة، ومثال يحتذى فى الخلق القويم والقرب من الخالق جل فى علاه.
عشت تضاربا رهيبا بين مشاعر الفرح فى لقاء أصدقاء الزمن الجميل والحزن لوفاة زوجة أخ وحبيب.. توقعت أن يتدخل النسيان كعادته للتخفيف من الآلام، لكن دقات قلبى ظلت تقدم لى إشارات بأنه لا يزال هناك توابع جديدة لزلزال الحزن الذى بدأ، لدرجة أننى أبلغت ذلك لصديق حبيب، وهو يسألنى عن نبرة الحزن التى تعيش فى صوتي.. فقلت له.. أشعر بأن هناك شيئا ما سيحدث ويهز أركانى، لأن المصائب لا تأتى فرادى فى غالب الأمر.. فحاول تهدئتى، خاصة أننى كنت فى الطريق للقاء أصدقاء الطفولة البريئة، ورغم محاولاته لتهدئة نفسى وإبعاد هذا الهاجس، إلا أنه ظل يطاردنى حتى خلال لحظات الصفاء والسعادة التى جمعتى بأصدقاء الكفاح غير مسلح.. نعم الغير المسلح وقتها بأمراض العصر الحديث من تفكك أسرى وغياب الضمير وضعف الجوانب الدينية والخلقية لدى الجميع وأمور كثيرة، هى من صنع العصر وما يطلق عليه التطور التكنولوجى والذى هزم العالم أجمع بعد أن قدم لنا حروب الجيل الخامس والجماعات المتطرفة بمختلف أشكالها، والتى قتلت الملايين وشردت المئات أيضا دون رحمة، لأنها خرجت من الرحم القذرة للماسونية العالمية، والتى لا تعرف سوى العنصرية والسعى للقضاء على الفطرة التى فطر الله عليها عباده.
وخلال لحظات السعادة التى غلفتنا باللقاء السعيد مع أصدقاء الزمن الجميل وإذا بالحزن يأتى من جديد وبكل قوة وقسوة بعد سماع خبر وفاة فلذة كبد زميلى وصديقى الصحفى الكبير رفعت البحيري..
وكأن الزمن يصر ويرفض أن تستمر الساعات الحلوة تعانقنا فترات طويلة..
كسرنى الحزن ونال منى كثيرا، خاصة فى لحظات الصلاة على جثمانها الطاهر وذهابنا لدفنها فى مثواها الأخير.
عدت أجر معى خيبة أمل كبيرة سعيت إلى الخروج منها بالصلاة، خاصة صلاة الفجر التى بدأت بعدها نفسى تهدأ، وكأن الله سبحانه وتعالى قد أنزل سكينته حتى نستطيع أن نكمل مشوار ما تبقى لنا فى هذه الحياة التى لا يربطنا بها الشىء الكثير، رغم تمسكى بها من أجل إكمال رسالتى تجاه أولادى وأهل بيتى وعائلتى بل والإنسانية جمعاء من خلال مهنتى الصحفية.. وأيضا لأنى أتذكر الحديث القائل.. خيركم من طال عمره وحسن عمله.. وفى كل صلاة أدعو الله أن يجمعنى وأمى وأبى وكل من أحب فى جنات الخلد، بل أطمع فى كرم الله وأطلب الفردوس الأعلي.
هذه السطور الماضية هى نتاج مشاهدتى لفيديو رائع يحمل اسم (جيل الأبيض والأسود)يجمع الجد بحفيده ويسأله فيه الطفل.. كيف عشتم سابقا بدون إنترنت وأجهزة كمبيوتر وتليفونات حديثة.. فرد الجد قائلا.. مثلما عشتم أنتم بدون عواطف وخجل واحترام حتى بدون شخصية وحب واستطرد قائلا.. اليوم تسموننا كبار السن لكن عليك أن تعلم أننا كنا فى صغرنا ننهى واجباتنا المدرسية دون مساعدة من أحد وكنا نركب دراجاتنا الهوائية.. نلعب مع أصدقائنا الحقيقيين وليس أصدقاء الإنترنت.. كنا نشرب المياه من الحنفية وليس من الزجاجات التى يطلق عليها المياه المعدنية.. ولم تصب أقدامنا حتى لو سرنا حافين.. لم نمرض يوما لأننا شربنا الماء معا من نفس الكأس.. نحن أوجدنا الألعاب الخاصة بنا من صنع أيدينا.. لم يكن آباؤنا أغنياء لكنهم أعطونا كل الحب ولم يعطونا أفلام فيديو لإسكاتنا.. كنا نزور بيوت أصدقائنا دون دعوة ونأكل ونشرب ونستمتع كأننا فى بيتنا ونلقى الدفء من والديهم كأنهم أهلنا.. من الممكن أنكم تعرفون صورنا بالأبيض والأسود، لكنها بالنسبة لنا ملونة وجميلة.. نحن مميزون لأننا آخر جيل يستمع لآبائه وكذلك أول جيل عليه أن يستمع لأطفاله.. نحن جيل فعلا لن يتكرر.
هكذا انتهى حوار الجد مع حفيده، إلا أن حوار الدنيا لم ينته بعد وسيظل يلقى بظلاله المظلمة على البشرية حتى يقضى الله أمرًا كان مفعولًا.
والله من وراء القصد.