الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

جمال عبدالناصر (4)

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى المقال السابق ذكرنا كيف كان لحادث ٤ فبراير ١٩٤٢ أثره البالغ فى نفس اليوزباشى أو النقيب جمال عبدالناصر الذى كان يخدم وقتها على الحدود الغربية لمصر ضمن كتيبة تعمل تحت لواء فرقة إنجليزية تستعد لقتال روميل عند العلمين، وقد كان هذا الحادث هو أكبر دليل على أن الملك فاروق لا يملك اتخاذ القرار، بل هو مجرد منفذ لأوامر السفير البريطانى الذى حاصرت دباباته قصر عابدين وأنذر الملك بالعزل إذا ماعين النحاس رئيسًا للوزراء، فوافق الملك على الفور، وهنا شعر جمال عبدلناصر بأن الوطن مهان وآن له أن يسترد كرامته المسلوبة، وأن يرحل ذلك المحتل الغاشم، ولكن كيف وما آلية تنفيذ ذلك فى ظل جيش وليد كان يضم أتراكا وجراكسة ثم هو الآن يقوده الإنجليز وبعض أصحاب المصالح الذين تربوا تحت ظلال الاحتلال، وكتب جمال لصديقه حسن النشار رسالة مليئة بالمرارة والحزن كونه يقاتل للدفاع عن بقاء الإنجليز على أرض مصر ويشارك فى حرب عالمية لا ناقة لمصر فيها ولا جمل، وقال إنه يسعى جاهدًا للنقل من هذا المكان الذى يؤذيه نفسيًا ومعنويًا، خاصة وهو يرى جنودًا من أبناء الفلاحين الفقراء يموتون فى المعركة ويتم دفنهم فى رمال الصحراء بأوامر إنجليزية وبدم بارد، لقد كان الوضع قاسيًا ومؤلمًا لدرجة أن همهمات بدأت تسرى بين الضباط المصريين، وكان جمال أحد هؤلاء الذين راحوا يتساءلون: إلى متى سنظل تحت نيران الاستعمار؟ أليس بمقدورنا أن نرغمهم على الرحيل، لقد باءت جميع المحاولات السياسية والمعتركات الدبلوماسية التى قادها مصطفى كامل ومحمد فريد بالفشل، ثم انتهت ثورة ١٩ إلى لا شىء، ولم يستطع الوفد المصرى برئاسة سعد زغلول تحقيق الغاية الكبرى للمصريين وهى زوال الاحتلال، فكيف يمكن أن يحدث هذا الآن، وكتب جمال فى رسالة لصديقه يقول: إذا كان الآباء قد ارتضوا أن نرث هذا المستعمر الغاصب فإن جيلنا لا يجب أبدا أن يورث أبناءه هذا العار، وفى وسط هذا الجو المشحون بالأحزان والغضب تم نقل جمال بناء على رغبته إلى الكلية الحربية ليعمل مدرسًا بها، وذلك فى فبراير٤٣، وقد وجدها فرصة رائعة لبث روح الوطنية والفداء فى نفوس طلابه، فغدًا سيشكل هؤلاء الطلاب دعائم الجيش المصرى فور تخرجهم، فإذا زرع جمال فى طلابه مبادئ العزة والكرامة والوطنية والتحرر فإنه حتمًا سيحصد رأيًا عامًا داخل الجيش يتحفز للقضاء على الاستعمار، وفى هذا يقول عبدالناصر: ركزت أثناء عملى بالكلية الحربية على تأليف نواة من الضباط الذين بلغ استياؤهم من مجرى الأمور فى مصر مبلغ استيائى والذين توفرت لديهم الشجاعة الكافية والتصميم على إجراء تغيير قادم، وأثناء ذلك وفى ٢٩ يونيو ٤٤ تزوج جمال من السيدة تحية كاظم، حيث تعرف على عائلتها عن طريق عمه خليل، كما التحق بكلية أركان حرب للحصول على دراسات عسكرية أعلى، وفيها بدأ يطالع كتب كبار المؤلفين والقادة العسكريين فى العالم، ولما انتهت الحرب العالمية الثانية فى ٤٥ راح جمال يتساءل: أما آن للإنجليز أن يرحلوا وقد انتهت الحرب؟ ولأن الإجابة القطعية هى استحالة رحيل الإنجليز فى ظل الصراع الدولى القديم فقد كان لعبدالناصر خطوة تاريخية محفوفة بالمخاطر وقتذاك، لكنه قرر أن يخطوها، فبدأ يحدث صديقه عبدالحكيم عامر فى ضرورة تشكيل حركة داخل الجيش تهدف الى تحرير البلاد من الاستعمار وتطهير أجهزة الدولة من الفساد الذى استشرى فيها، كانت الفكرة أكبر بكثير من الإمكانات المتاحة وأخذ عبدالحكيم عامر ينبهه بأن الحديث فى هذا الأمر قد يؤدى الى الإعدام رميا بالرصاص أو على الأقل السجن والرفت من الجيش، ولكن عبدالناصر الذى كان دائم الاطلاع والقراءة قد أوضح لعامر بعض النقاط الغائبة عنه، فقد شرح له فى تلك الليلة خارطة القوى السياسية فى مصر وظهر من خلالها وهن الأحزاب وقوة تنظيم الإخوان من جهة والتنظيمات الشيوعية من جهه أخرى ولذا فمن الضرورى أن يتم الإتصال بهذه التنظيمات للتنسيق معها قبل إنشاء الحركة، وذكر ناصر أن الضابط عبدالمنعم عبدالرءوف على علاقة وطيدة بحسن البنا وبجماعة الإخوان وعن طريقه يستطيع عبدالناصر أن يقرأ ما يدور بخلد هؤلاء، وكان جمال قد أجر منزلا عبارة عن شقة بسيطة فى شارع أحمد سعيد المتفرع من شارع الملكة نازلى سابقا أو شارع رمسيس حاليا وقد دعا عبدالمنعم عبدالرءوف إلى بيته للعشاء وفاتحه فى الأمر وفى اليوم التالى دعا صديقه الضابط خالد محيى الدين المعروف بقربه من بعض الشيوعيين إلى بيته وفاتحه فى نفس الأمر، وهكذا بدأ عبدالناصر فى تكوين تنظيم الضباط الأحرار وكان ذلك فى بداية ٤٦، وسرعان ما لاقت الحركة قبولا عند معظم ضباط الجيش الذين كانوا إما أصدقاء لجمال أو تلاميذه حين كان مدرسا بالكلية الحربية، ولكن طفت على السطح قضية شغلت عقول جميع المصريين والعرب وهى القضية الفلسطينية، فالهجرات اليهودية كانت تتم بشكل ملفت للنظر وبرعاية إنجليزية واضحة، وكان ثمة اقتتال على أرض فلسطين بين العرب وبين المهاجرين من اليهود، ولم يكن بإستطاعة عبدالناصر وهو العروبى الذى ولد لأب بسيط سمى أحد أبنائه عز العرب لم يكن ليتجاهل ما يحدث فى فلسطين، فقد قام هو وبعض الضباط الأحرار بتدريب مجموعة من المتطوعين للقتال مع الشعب الفلسطينى وذلك قبل أن تتخذ الحكومة المصرية قرارها بدخول مصر والعرب الحرب فى ٤٨.. وللحديث بقية..