الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

تاريخ الإعلام الساخر.. وخِفة دم المصريين «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
من الثابت، مما وجد على جدران الكهوف، أن النقوش الأولى كانت تتضمن حسًا اتصاليًا وليدًا يتناسب من جانب مع طبيعة تفكير البشر فى تلك العصور، ومن جانب آخر مع البيئة وما تحويه من مشاهد. ومن الثابت كذلك أن الإنسان فى تلك العصور نفسها، وانطلاقا من غريزة حب الاستطلاع، ومن أجل المحافظة على النوع، كان يسعى للتعبير عن نفسه، وعن قدرته، ولمعرفة أحوال الآخرين من بنى جنسه، ومن ثم بدأ ينقش ما يراه أمام عينيه، ويعبر بالنقش أو الرسم عن عالمه الذى يعيش فيه.
وحتى عندما حاول المصرى القديم، ونجحت محاولته فى معرفة الكتابة، فإنها قامت على فنى «النقش» و«الرسم» فكانت تنقش أولا بأشكال من بيئة هذا المصرى ومجتمعه، ومن الطبيعة خاصة الطيور والحيوان والنبات وغيرها، ثم تُنقش فوق الأدوات المختلفة الخشبية والحجرية والجلدية نقشًا ورسمًا يتلاءمان مع طابع هذه الأدوات بارزًا أو غائرًا، وكانت هذه كلها هى «الرموز المصورة» أو «الكتابة المصورة» التى اصطنعها الإنسان للدلالة على أنشطته، وتعريف الآخرين بها، ولتثبيتها وحفظها فى شكل هذه الرسائل التى بقيت إلى اليوم تنقل لنا أفكارهم.
وبذلك نجد أن الرسوم، بشكل أو بآخر، قديمة قدم جهود الإنسان الأولى للاتصال بالرموز المنطوقة. وعلى الرغم من الاختلاف البيّن بين الرسوم الأولى الموجودة على جدران الكهوف والمعابد، والرسوم الكاريكاتورية الضاحكة المعاصرة، إلا أنه توجد جذور اتصالية عامة لهذا الشكل من الفن الذيَ لقيَ شعبية كبيرة، ويكمن الفارق الجوهرى بين الاثنين فى أن الرسوم المعاصرة تتوجه للغالبية أو العديد من الناس وليس للقِلة، فى حين أن الرسوم الأولى لم تكن سوى وسيلة تزيين أو زخرفة محضة، أو وسيلة لنقل معانٍ محددة، أو الاثنين معًا.
وقد ارتبط انتشار الرسوم اليدوية - إلى حد بعيد - بظهور الطباعة، وهو الأمر الذى أتاح إمكانية عمل أكثر من نسخة من الرسم الواحد، وعن طريق فن الحفر المرتبط بفكرة الطباعة، أمكن التحكم فى التدرج الظلِّى للرسوم عن طريق سمك الخطوط المستخدمة فى الرسم نفسه، وقد أدى هذا إلى انتشار الرسوم فى شمال إيطاليا وجنوب ألمانيا، ثم انتقلت إلى فرنسا وعبرها إلى إنجلترا، فالعالم الجديد فى الولايات المتحدة، وعندما ظهرت الصحافة اعتمدت على الرسوم دون الصور، حيث كان متعذرًا فى ذلك الوقت إنتاج الصور الظلية.
وبينما لم تقف صحف اليوم عند نقطة البداية التى انطلقت منها، إلا أنها تستخدم الرسوم اليدوية لكى تذكرنا بأن كل العناصر التوضيحية التى استخدمتها حتى اختراع عملية إنتاج الصورة بطريقة التدرج الظلى فى نهاية القرن التاسع عشر، كانت فى معظمها رسومًا يدوية خطية، وتتباين هذه الرسوم تماما مع الصور الظلية، ويرجع بعض هذا التباين إلى شخصية الفنان أو الرسام، والتى تبدو أوضح وأقوى فى الرسم اليدوى عنها فى التصوير الفوتوغرافى، وهذا ما يفسر رفض بعض الصحف استخدام الصور الشخصية المرسومة (البورتريهات) مع القصص الخبرية، لأن هذا النوع من الصور يعد رأيًا وحكمًا ذاتيًا يجب ألا يجد مكانًا مع التقارير الإخبارية التى تعتمد أساسًا على الحقائق، ولكن هذا لا يمنع احتفاء بعض الصحف والمجلات بالرسم اليدوى دون غيره مثل صحيفة «لوموند» Le Monde الفرنسية ومجلتى «روز اليوسف» و«صباح الخير» المصريتين حتى وقتٍ قريب.
وتعد الصور الفوتوغرافية أدوات أساسية بالنسبة للقائم بالاتصال الذى يريد إخبار القارئ بالتحديد عما وقع فى حدث معين، فى حين يمكن القول إن القائم بالاتصال الذى يريد أن يرشد القراء حول كيفية عمل شىء ما، سوف يجد، غالبا، الرسم أكثر فاعلية، فيمكن للصحيفة أن تقدم رسوما متعددة لتبسيط أشياء معقدة حتى يمكن استيعابها. فعندما يكون الهدف الأساسى هو التفسير، يمكن أن تكون الرسوم التوضيحية أداة رئيسية، ففهم الأشياء المعقدة يمكن أن يضيع بين طوفان الكلمات، وتقديم البيانات الإحصائية يمكن أن يكون مفيدًا إذا تم تدعيمه بالرسوم البيانية، كما يمكن للرسوم أن تستخدم لتسلية القارئ، أما إذا كان هدف الصحيفة هو التأثير، فالكارتون السياسى Political Cartoon قد أثبت فاعلية كبيرة فى هذا المجال.
وهكـذا، نجـد أنه لم يعـد الهـدف من الرسـم كـفـن صحـفـيّ فى المـقـام الأول، هو رسم الأحداث أو وجوه الأشخاص، بل صارت له أهداف أخـرى كتقديم النقد الساخر لبعـض المواقف والقضايا، أو التعبير عن بعـض الأحـاسـيـس الإنسـانية الـتـى تبـغـى الصحـف التـأكـيـد علـيـهـا عندما تنـشـر إحـدى القـصـص الأدبـيـة أو الـقـصـائد الشعـرية، علاوة على أن الرسام يستطيع أن يلخص بريشته بعض الحـقـائـق الجـغـرافـيـة والعسكرية، عندما يرسم خريطة لإحدى الدول. كما أولت الصحف الرسوم التوضيحية اهتمامًا كبيرًا، لا سيّما أنها تقوم بدور مهــم فى مواجهة المنافـسـة المصورة من قبل الوسائل الاتصالية الأخرى، حـيـث تـقـدم هذه الرسوم معلومات وتفاصيل إضافية وردت فى المتن، وتجذب الانتباه إلى جانب مهم من جوانب الخبر أو الموضوع.
ويمكننا استعراض توظيف الصحافة المصرية للرسوم اليدوية الساخرة، التى تعد الفن الذى قامت عليه الصحافة الساخرة والإعلام الساخر، من خلال الأنواع المختلفة لهذه الرسوم، وأهمها الرسوم الساخرة؛ وهى مجموعة من الرسوم التى تتميز بالطرافة، وبالقدرة على جذب انتباه القارئ ونقل الفكرة إليه، والتعبير عن وجهة نظر معينة بالرسم، مثلما يعبر الكاتب عن وجهة نظره بالحروف والكلمات. ويعتمد الرسام فى هذه الرسوم على الإيجاز والتبسيط، وانتقاء صفة بارزة فى الشخصية التى يتحدث عنها لتحقيق هدف مهم وهو أن يفهم القارئ بنظرة سريعة خاطفة ما يهدف الرسام إليه فى أقصر وقت ممكن وبأقل عدد من الخطوط، وإذا فشل الرسام فى ذلك فقد الرسم صفته الأساسية وميزته.
وتعد الرسوم الساخرة ركنا أساسيا فى صفحة الرأى فى الجريدة، إلى جانب نشرها فى صفحات أخرى، وهى تنقسم إلى نوعين أساسيين هما: الكاريكاتور Caricature والكارتون Cartoon، ويرجع أصل كلمة كاريكاتور Caricatureإلى الكلمة الإيطالية Caricure، ومعناها أن يقوم الشخص بتحميل الشيء أكثر من طاقته.
وهناك فرق بين ضربى الرسوم الساخرة، فالكاريكاتور تصوير للأشخاص فيه فُكاهة يجسم ملامحهم الواضحة، ويبالغ فى إبراز ما يتميزون به من سمات فى حين أن الكارتون لا يصور الأشخاص -إذا فعل- لذواتهم، وإنما للتعبير عن المواقف والأفكار، وغالبًا ما تبحث الجرائد عن كيفية التأثير فى تفكير الجمهور من خلال الرسوم الساخرة التى تدعم وجهات نظرها الأساسية أو وجهات نظر رساميها تجاه القضايا المختلفة.