«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».. هذا النداء الذى ترتعد معه أجسادنا، وتخشع قلوبنا ونحن نسمع ملايين المسلمين من كل بقاع الأرض يرددونه فى بيت الله الحرام، فنردده معهم، ونفوسنا تواقة لرؤية الكعبة وتلبية نداء الله وزيارة بيته، كى نستمد الطاقة الروحية التى تخلصنا من ذنوبنا وأوجاع قلوبنا.. نردده معهم ونحن نلتمس المدد من الرحمن ونطلب الغفران، ونسأله تعالى أن يمنحنا هذا الفضل ونصبح من حجاج بيته.. ومع هذه الأجواء الروحانية التى تصفو فيها النفوس، ونتبادل التهانى والأمنيات والدعوات مع الأهل والأصدقاء، شعرت بالغثيان وأنا أسمع من إحدى صديقاتى عن من يفترض أنه «أب» لأبنائها، ولكنه للأسف لم يع معنى الأبوة، أو يتحمل المسئولية التى جعلها الله فى رقبته، فالغريب أن هذا الشخص ذهب للحج هذا العام، دون أن يزور أبناءه أو يسأل عنهم منذ عدة شهور!!.. والأغرب أنه منع عنهم نفقاتهم الشهرية منذ ذلك الوقت!!.. رغم أنه مقتدر ماديا، ويعمل بوظيفة مرموقة فى أحد أهم مؤسسات الدولة !!..ترك أبناءه الذين جعلهم الله أمانة فى عنقه، دون أن يعلم عنهم شيئا، ودون أن يتساءل كيف تتحمل أمهم نفقاتهم براتبها الصغير -الذى لا يتعد عشر ما يتقاضاه- مع زيادة الأسعار وغلاء المعيشة!.. والمؤسف أنه ذهب للحج دون أن يسد ديونها التى فى رقبته منذ سنوات، وقت أن كانت تسانده وهو يعانى من ضيق الرزق!!..فحرمها وحرم أبناءه من أبسط حقوقهم!! وادعى الفقر، وعدم القدرة على الوفاء بالدين!..رضى أن يسرق أموال أبنائه كى يحج لبيت الله!!.. رغم أن الله تعالى جعل الحج لمن استطاع إليه سبيلا، ولكنه جعل الإنفاق على الأبناء والوفاء بالديون واجبا لا فرار منه!.. تناسى أن الله يسامح فى حقوقه، ولكنه لا يسامح فى حقوق العباد.. لذلك كان المعتاد أن نرى من يستعد للحج يحاول استرضاء الناس، ورد الحقوق والمظالم، حتى يغتنم هذه المنحة الربانية، ويعود منها خاليا من الذنوب كمن ولدته أمه.. ولكن يبدو أن كثرة الظلم وظلمات الذنوب تزيد غشاوة البصر والبصيرة، فيتحجر القلب ويستمر فى غيه وتجرئه على الله بسلب حقوق عباده دون استشعار بالذنب!!.. يناديهم الله ليغفر لهم، ولكنهم يتغافلون عن النداء، أو ربما يظنون أنهم كما يحتالون على الناس سيحتالون على الحق سبحانه وتعالى، فيستحلون حرمات الله ويأكلون حقوق العباد، ثم يظنون أن حجتهم ستغسل تلك الذنوب!.. ولكن لا عجب، فكثيرا ما سمعنا عن انتشار السرقات بين الحجاج، ووجود نشالين ولصوص محترفين، يستغلون انشغال العباد بالعبادة ومناجاة الخالق والتضرع إليه، ليقوموا بالسرقة!!.فنحن فى مجتمعات فقدت الثقافة والتربية والتدين الحقيقى!.. فأصبحنا نرى الكثيرين يكتفون بالمظاهر، ويأكلون الحقوق فى أكثر الأوقات روحانية، وهم فى أقدس بقاع الأرض، دون أدنى حرج!!.. فيصدق فيهم قول الله تعالى: «الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا».. فالحج ليس مجرد أداء مناسك، أو وسيلة للتباهى والتفاخر بين الناس، وخاصة بعد أن أصبحنا نصنفه حجا للبسطاء وحج ٥ أو ٧ نجوم!!.. ولكنه طواف للروح حول الكعبة قبل طواف الجسد، وبياض القلب قبل بياض الثوب.. فهى منحة ربانية لمن يدركها، وتلبية لنداء الحق سبحانه وتعالى للتوبة والإنابة، فإذا كان هناك من لا يغتنم الفرصة، فيؤدى المناسك ويردد النداء دون أن يمس قلبه ويستشعر روحانيته التى تنقى القلب وتطهر الروح، فهناك من يحج بالقلب دون الجسد، فتتوق روحه بالكعبة وتتعلق بأستارها، ويسجد لله فى بيته، وقلبه فى الحرم.. فكما قال الشاعر السكندرى المبدع أشرف الشافعى:
لو ما انكتبش أننا نحضر وقوف عرفة
تكفينا نيتنا ف الحج بقلوبنا
ممكن سـاعتها تروح روحنا لمزدلفة
وتشهد الجمرات بأننا توبنا
■ ■ ■
نلبى ونكبـّر ونقرّب المسافات
ندعى ونستغفر ع الفتنة والخلافات
رب العباد قادر يستر عيوب ما فات
وبرحمته يجعل.. الجنة مكتوبنا
■ ■ ■
الحج هجة روح من الخداع والزور
زادها الخضوع لله ولا جاه ولا ثروة
توبة ضمير مجروح بيتغسل بالنور
رافع إيديه لمولاه ما بين صفا ومروة
■ ■ ■
ف روحته وف جيته يتوضى من زمزم
سلم مصير دنيته للواحد الأعظم
وبيدعى فى آخرته يشفع نبى أكرم
مين غير إله منّـان يرجّــعه مجبور
■ ■ ■
إياك يُغرك نفخة ولا جعـير
ربك وضع فى الضُعفا سر كبير
القوة لو بالجتة والعضلات
ماكنتش قطمت قشة ضهر بَعير
■ ■ ■
ألجأ إليه مكسور بشتد بيه عودى
وإن تاهت الخطوة يهدينى لطريقى
واخضع بقلب ذليل وابكيله ف سجودى
يملانى ضى رضاه ويبل بيه ريقى
■ ■ ■
مافيش وجع بيدوم على حاله
غير لما روحك تبقى سامحاله
لو عشت خايف م الوجع يهزمك
ح تلاقى تانى الخطوة رايحاله
■ ■ ■
يارب مش طالب غِنى ولا بيت
أنا راضٍ بالمقسوم ولو فتافيت
كل اللى باحلم بيه جَميل سترك
توهبنى بيــه القوة والتثبيت