الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

قطار النوبة يتجه لدار السلام

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مع مطلع عيد الأضحى المبارك ومنذ ساعات استقبلت أسوان الآلاف من أفواج بلدان النوبة فى لقائهم السنوى، يستقلون قطار النوبة الذى وافق على تشغيله الوزير المهندس الراحل سليمان متولى، من خلال دراسة قام بها المهندس حسين حليم، رئيس هيئة السكك الحديد آنذاك، بناء على اقتراح النائبة وكيل لجنة النقل والموصلات لمجلس ١٩٩٠م حيث طالبت بتلبية رغبة أبناء النوبة، كنوع من التعويض الإنسانى لتحقيق التواصل الأسرى وتحرك القطار وتولى بتنظيم هذه الرحلة لجنة شعبية رأسها النوبى القيادى عبدالفتاح إسحق، وظل التقليد حتى يومنا جزءا من التقاليد النوبية، فكان القطار عندما يتحرك كأنه يذكر الناس بمطلع الأغنية الخالدة للمبدع عبدالوهاب حين تنطلق على شكل تساؤل يقول «يا وابور قولى رايح على فين؟» لكن هذا العام أثبتت مواد القانون الذى أصدره الرئيس السيسى وتشكيل لجنة للتعويضات برئاسة الوزير عمر مروان، أنها قامت بإعادة هذا المطلع، حيث أثبتت أن القطار لأول مرة أصبح يعرف طريقه إلى قرى النوبة حتى دار السلام.
وبهذه المناسبة، فإن أصواتنا صادقة تشرح هذا المنهج فى التعامل وفى مقدمتها التحقيقات والزيارات التى قام بها الصحفى سليمان عبدالعظيم، نجم مجلات دار الهلال، الذى صور بحق صوت النوبة فى قمة مأساتها ثم الانفراجة التاريخية.
ماذا أقول عن إبداع النوبة.. إذا تحدثنا عن ثقافتها فى العطاء فإنها من الفنون التى وضعت نفسها على خريطة الإنسانية وفى كل ركن بالعالم مهما كان موقعه تكون النوبة حاضرة دون غياب، ورغم ما تعرضت له، إلا أنها ما زالت حاضرة.
من أجل النوبة أطلق الفنان محمد خليل قاسم (شمندورته)، ومن أجلها خاض المناضل زكى مراد معارك، وقدم شيخ المحامين محمود حسن جوجو العديد من الدراسات، وأعد القانونى إبراهيم عبدالرسول أعظم مرافعة متكاملة عرضها على مؤتمر الشباب النوبى وتحمل نتائج المخاطرة.. وهناك نماذج منها المقاتل أحمد إدريس مكتشف الشفرة المصرية التى دونت باللغة النوبية واستطاع أن يوفر لها كل ضمانات تداولها، بحيث تكون مؤمنة ضد التنصت وفك الشفرة.
إن الديوان هو مصطلح ديناميكى فنجده جزءًا من تاريخ مصر وهناك مرجع عنوان (كتاب قوانين الدواوين للأسعد بن حماتي) الوزير الأيوبى المتوفى قى ١٢٠٩م وتم طبعه على نفقة الجمعية الزراعية المصرية، بإشارة صاحب السمو الأمير عمر طوسون، فهو أهم الوثائق عن حالة الزراعة ونظم الدواوين فى العصر الأيوبى فإن الوثيقة تعيد ذاكرة تركيب المحصول بوادى النيل، سواء فنون المساحة وأسماء حملة الأقلام وأسلوب المعاملات السلطانية والمواريث والتخطيط العمرانى والأفكار والسنة القمرية والضرائب.
مصر عرفت الديوان.. وهو أم الدواوين.. ويقول ابن النوبة الأصيل، الاقتصادى الكبير عز الدين بابا، وكيل أول وزارة المالية، وزميله العم محمد صالح إدريس الذى اقترح أن تقوم رابطة أبناء الديوان بالقاهرة، ببناء بيت بالطريقة النوبية ويحتوى على عدة غرف ويطلق عليه «بيت الضيافة» فى مدينة نصر بندر النوبة الجديدة لتشجيع عشرات الشباب للقيام برحلات دورية، واقتراح آخر ببناء بيت فى أبوسنبل بندر النوبة القديمة على بحيرة السد العالي.. ورابطة بشارع الشيخ ريحان بالقاهرة هى الحاضنة ليس للديوان ولكن للنوبة كلها، ولقيت دعمًا من أبو الإعلام المصرى محمد عبدالقادر حاتم، الراعى الرسمى لأبناء الديوان، وظل يحتفظ بلقب الراعى حتى الآن، حيث إنهم يعتبرون رعيته بعد رحيله قائمة على سبيل التذكار وهم يشعرون بالعرفان فى تأسيس ناديهم بالقاهرة، لأن روادها الرئيس التاريخى الأستاذ عبده حسون.
كنت أتمنى أن الدكتور رشاد راغب، مدير الأكاديمية الوطنية للتدريب والتأهيل، أن يتيح برنامج المؤتمر الوطنى المتزامن مع شباب الدفعة الأولى لتأهيل الشباب الأفريقى للقيادة الفرصة؛ لكى يتعايش هؤلاء الشباب وأن يعرض البرنامج اقتراحا على سيادة الرئيس خاصة فى لحظة مجيدة على البناء على الأرض الأفريقية وواجهة حضارتها الإنسانية، ومشاهدة عملية إعادة بناء النوبة، وأتصور أن هذا العمل يعتبر على رأس التجارب الإنسانية فى تاريخ البشرية، وإعادة فلسفة التعمير، ويعيد فتح الأبواب للبيوت التى غرقت والمقابر التى اندثرت والذكريات التى دفنت وانتشال الفجيعة التى وقعت والنفوس التى صدمت.
ويعتبر أستاذنا الكبير عباس محمود العقاد أول من أنشأ جماعة الديوان الشهيرة التى اكتشفت من المؤلفات شهرتها الواسعة فى التعدد والفكر والعقاد هو رمز جرانيتى لصلابة أسوان النوبية الديوانية.. بلدى لها طبيعة مركبة وديناميكية حضارية.. إن الأرض الديوانية لها قدرات خلاقة بناء قادرة على الحفاظ على هويتها، سواء كانت فى الثابت أو المتحرك سنجدها فى مستودع ماسى أو ذهبى لا يعرف سره أحد حتى الآن، وما زالت أرضك يا بلدى لم تكتشف بعد تستحضر من جواهرها زادنا الفكرى ونبلور منهجنا، إذا أطلقت أشعة شمسها الذهبية، حتى إذا أمطرت، وهذا نادرًا، تكون مياهها بمثابة أمطار الحنان.. وأبسط عطاء هو عطاء منعم، العيناء تحاصرنا فلا يوجد هنا مكان مظلم.. لا أريد أن أنعى مدينتى وأقول إنه مكانها، فرضت عليه تضحيات سرقت منا الزمن وإنها وضعت فى صفحات الغيب، لكن الحقيقة الوطنية أكبر من التضحيات.. وأكدت للعالم أنها وأخواتها تحولت لرمز رفيع العطاء لهذه الأمة فإن أراضيها لم تغرق.. لكن أوراق الخريطة تقول إن أرضى هنا.. ولن نكون فيها أغراب.. رءوسنا مرفوعة تقول رؤيتنا بعيدا عن أسلوب الاحتراب شمسك ما زالت.
نور الأرض التى تلتقى بإشعاع السماء.. إن الديوان أعطتنا شهادة الميلاد الأولى وشهادة الميلاد الثانية بالتضحية.. تحية للقاضى الذى يشرف على عملية تعويضات أبناء النوبة وقراراته التى تطبق بروح القاضى وضميره هو المستشار عمر مروان وزير شئون مجلس النواب.
وفى هذه المناسبة التى تشهد مصر انطلاقة غير مسبوقة بتاريخها على ساحة بناء منظومة عمرانية فى كل مكان فإن ما جرى على أرض العاصمة الإدارية فتح جديد فى عالم الإدارة المصرى؛ لترسى على أرضها قواعد عمرانية تكون عاصمة للبلاد، تليق بمكانتها وإن يرفرف عليها علم الدولة، وأقترح دراسة فلسفة تسمية العاصمة الإدارية، لكى تكون عنوانًا لديوان الحكم وصناعة القرار فالعاصمة المصرية تأرجحت على مدى القرون، سواء البعد الزمانى أو التمجيد المعنوى بصرف النظر تقديرها بمركزها وثقلها، لكن الغرض أنها تجسد روح الوطن وجوهر كيانه، والقاهرة التى تم تسميتها تفاؤلًا بالنجم القاهر وأقترح تسميتها بالديوان أو الديوان الجديدة.. فهى تعكس الحركة التاريخية وانطلاقها بالتدريج وتنظيم الهجرة بأسلوب اقتصادى وعلمى وإحصائى، فهى تلخيص لكيان مصر والتسمية لا تتصادم مع الدستور، حيث تترجم العاصمة الإدارية وآلياتها الإدارية.
أما القاهرة فهى بكل تأكيد هى العاصمة السياسية فى هذه المرحلة من تاريخ مصر.