بفضلها وبفضل تفانيها وعطائها من أجل وطنها ليبيا وفتيات ستينيات القرن المُنصرم، نحتفى بمرور ما يزيد على نصف قرن على تأسيسها المركز الثقافى للمرأة الليبية بطرابلس فى العام ١٩٦٣، إنها السيدة الراحلة: خديجة أبوبكر الكيلاني، التى بدأت خطواتها كمُعلمة، وكاتبة صحفية باسم مُستعار: عواطف الكيلاني، ثم صارت مُديرة لمدرسة «جامع محمود» الابتدائية الإعدادية بالمدينة القديمة وهى أكبر مدرسة، بأعداد مُعلماتها وطالباتها آنذاك، كان يومها مُقسما بين إدارة المدرسة، ونشاطات المركز المتنوعة حيث دورات: تعليم اللغة الإنجليزية، والطباعة على الآلة الكاتبة، واستقبال ومُحاورة مُرتادات المكتبة بها، وتأديتها حصصها رفقة زميلاتها ضمن دورات تعليم الحياكة والتطريز.
مُعلمة التاريخ السيدة نفيسة الكيلانى الشقيقة الصُغرى للراحلة الرائدة خديجة من زارتنى ذات مرة فى مقر عملى بكلية الفنون والإعلام، ودون معرفة مُسبقة، دخلت المكتب وقدمت نفسها وبحمية وحماسة، سألتني: لماذا لا تكتبين عن شقيقتي؟ هى أيضًا رائدة، ومُؤسسة لأول مركز ثقافى يخص المرأة فى طرابلس، حين كنت طفلة أتعب من مُرافقتها وهى لا تتعب، وقد فقدناها وهى فى قمة عطائها، صاحبة القلب المليء بالكثير من الأحلام والمشاريع.
أعجبنى دفاعها ووفاءها لصفحة من تاريخ وطنى فاعل مرت عليه عُقود من الزمن.سردت لى نفيسة ما تذكرتُه عن رفيقاتٍ رائداتٍ أيضا فى مشوار شقيقتها الراحلة خديجة الكيلاني، وقد دعتنى إلى زيارة بيت العائلة، لأن هناك شقيقة أخرى هى من قاربت وعاصرت نشاط خديجة ومركزها الثقافى، وهى السيدة فتحية الكيلانى، وكنت فى الموعد مع آلتى التسجيل والتصوير مساء خميس ١٣-١-٢٠١١م.
ويومها استهلت السيدة فتحية الكيلانى قعدتنا بعد ترحيبها الجميل: فى يوم زيارتك لنا الذى هو ليس ببعيد عن تاريخ وفاتها ١١ يناير، لقد تخرجت خديجة من معهد المعلمات عام ١٩٥٧، فيما أتذكر عقب عدوان عام ١٩٥٦، وفى الوقت الذى سافرت فيه السيدتان الرائدتان إلى مصر: خديجة عبدالقادر للدراسة فى معهد تنمية المجتمع بمعهد سرس الليان، والسيدة صالحة ظافر لتلقى دورة فى التوجيه التربوى بالقاهرة، درست شقيقتى خديجة فى النظام التعليمى إلى السادس الابتدائى ثم أربع سنوات معلمات، يومها كانت فرحة النجاح تشيع فى وسط مجتمع طرابلس، فالأوائل من ترد أسماؤهم عبر الراديو، وصباح اليوم التالى نقرأها فى الجرائد، خديجة كانت الأولى على كل الدُفعات ولأكثر من سنة تعليمية فى معهد المعلمات ومن دُفعتها الرائدة خيرية الأسود، كانتا صديقتين فى الاجتهاد، والتفوق، والعمل النسائي.
والرائدة خديجة صاحبة فكرة المركز، قدمت تصورها مُرفقًا بالأهداف إلى وزارة الشئون الاجتماعية، الذين جاءوا وشاهدوا وعاينوا المبنى الذى اختارته، «فى شارع هايتى»، ووافقوا عليه، وعلى العضوات اللاتى رشحتهن للعمل معها ومُنحت الرخصة، وكانت السيدة الرائدة ليلى العرادى أمينة سر الصندوق، وفى يوم الافتتاح حضر مُفوض من الشئون الاجتماعية، ومندوبون من وزارات، ومنها الإعلام، وكان الأستاذ الصحفى عبدالرحمن الشاطر، قد كتب مقالة فى جريدة «الرائد» بعنوان: «المولود الذى تكلم يوم ميلاده» قاصدا المركز الثقافى للمرأة الليبية، كما دعم المركز رجال مثقفون آمنوا بأهمية دور المرأة بالمركز كمؤسسة مُجتمع مدني.
خديجة الكيلانى التى فى ذلك الوقت جمعت بين إدارة المدرسة، وإدارة المركز، وبرزت مسيرة المركز الثقافى مع جهود العضوات المُشاركات ومنهن: ربيعة الشكشوكى كانت عضوة ونائبة بالمركز، وخديجة القريتلي، مريم الكانوني، فطيطيمة علي، فطيطيمة بوحلقه، عائشة الغنيمي، سالمة الجبالي، ولقد ربطت خديجة أواصرها مع أكثر من جمعية، ومركز، لإيمانها بأهمية تظافر الجهود من ذلك تواصلها مع جمعية النهضة النسائية وعضواتها واتصالاتها بالسيدتين الرائدتين حميدة العنيزي، وخديجة الجهمى الفاعلتين من بنغازي، وقد أعلمتنى شقيقة خديجة، والتى كانت كظلها فى وجودها كعضوة ذات نشاط وحيوية، أن مكتبة المركز ظلت مفتوحة صباحا ومساء لزرع الوعى بأهمية القراءة والاطلاع على مختلف العلوم، ولتثقيف الفتيات فى سن مبكرة بما يناسبهن من معارف، كما أقيمت لهن نشاطات مصاحبة وعلى التوالي: دورات فى اللغة الإنجليزية، والطباعة على الآلة الكاتبة، والحياكة والتطريز والخياطة والتفصيل.
وفى أرشيف المركز تواصل مع نشاطات المركز الثقافى المصرى بطرابلس، منها زيارات قراءة واطلاع لمجموعة من الفتيات منضمات للمركز، ومنها موعد محاضرة أسبوعية يقيمها المركز الثقافى للمرأة فى المركز المصرى تعريفا بالمرأة الليبية ونشاطاتها، وبليبيا عموما، وقد تعاون معنا الأستاذ المؤرخ والصحفى على مصطفى المصراتي، والأستاذ الأديب خليفة التليسى والأستاذ إبراهيم الغويل كقانوني، كان للمركز حضور وثقل فى حياة ويوميات طرابلس وقد عملت الرائدة خديجة الكيلانى كل جهدها لأجل ذلك.