«ترامب» يتعامل مع السياسة بطريقة «وول سيتريت»!
ربما لم تعرف الولايات المتحدة موجة من العنصرية والكراهية منذ تأسيسها قبل 250 سنة تقريبا مثل التى تعيشها الآن فى عصر الرئيس دونالد ترامب، والذى يدير السياسة الأمريكية على طريقة حى المال والأعمال (وول ستيريت) ولم يدرك أن المضاربات فى البورصة تختلف عن المضاربات الجيوسياسية وإدارة أكبر دولة فى العالم تقوم على الهجرة وتعدد الأعراق.
فالمخبول الأمريكى اختار من هم على شاكلته من المساعدين والمستشارين وبالتالى أصبح يدور فى وجهة نظر واحدة طول الوقت فى ظل غياب آراء وأفكار أخرى من شأنها أن تحدث توازنا فى سياساته سواء الداخلية أو الخارجية منها.
فعلى المستوى الداخلى ساهم فى اتساع الهوة بين أطياف المجتمع الأمريكى الذى هو فى الأصل يقف على أرض رخوة بسبب تصريحاته التى يغلف أغلبها التمييز العنصرى والميل إلى البيض على حساب الفئات الأخرى على اعتبار أنهم أصل هذا المجتمع المتعدد الأعراق!
ولم يتعظ ترامب فى أكثر مرة كان البيض هم أصحاب الاعتداءات وعمليات القتل العشوائى التى يقوم بها أفراد بين الحين والآخر فى ولايات أمريكية مختلفة وكذلك أماكن مثل المدارس والتجمعات التجارية والبنوك وغيرها بل والأدهى من ذلك التباين الكبير فى أعمار هؤلاء المخبولين الأمر الذى يكشف عن وجود خلل نفسى لدى أغلب ساكنى هذه القارة!!
ولم يدرك ترامب أن ضعف خطابه وقلة حيلته السياسية قد تصل بالمجتمع الأمريكى إلى حافة الهاوية بعدما زاد معدل الكراهية والقتل فى عهده.. وليس أدل على ذلك من حادثتى القتل فى ولايتى تكساس وأوهايو واللتين وقعتا فى أقل من أسبوع واحد وخلفتا وراءهما أكثر من ٣٠ قتيلا بخلاف المصابين!!
صحيح قد لا تظهر الآن الدوافع الحقيقية لآخر حادثتين إلا بعد انتهاء التحقيقات بشكل كامل وجاد لكن كل المؤشرات والخبراء المعنيين بالشأن الأمريكى يوجهون سهامهم إلى العنصرية والكراهية وعدم قبول الآخر والتى بدأت تأخذ منحنى جديد فى الدولة الأمريكية.
وتلك العنصرية الداخلية لها فرع خارجى يلعب دورا مؤثرا جدا فيما يحدث يتعلق بمحاربة الرئيس الأمريكى للمهاجرين بطرق غير شرعية والذين لهم أقارب وفروع بالداخل الأمريكى!
وعلى جانب السياسة الخارجية نجد الرئيس الأمريكى يتبع أسلوبا لم يستخدمه أسلافه السابقين يعتمد على البلطجة السياسية ومحاولة فرض الإتاوات على بعض الدول والتدخل السافر فى شئون البعض الآخر مثلما يفعل الآن مع فنزويلا! صحيح نجح فى فرض إتاوات على بعض دول الخليج لكنه فشل فى ذلك مع أوروبا واليابان عندما حاول فرض رسوم حماية على دول حلف الأطلنطى.. ولم يتوقف عند هذا الحد بل تعداه لزيادة الفجوة مع الصين العملاق القادم والذى يهدد الصدارة الأمريكية كأكبر دولة بالعالم اقتصاديا وعسكريا لكنه لم ينجح حتى الآن فى كسر شوكة التنين الصينى العملاق والذى يقف فى وجه التهور الأمريكى بكل قوة وصلابة.
وكعادة الأمريكان منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وظهور قوتين فى العالم بدأت الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتى واستمرت بعد تفكيكه عام 89 وإلى الآن بعد أن حلت روسيا مكان العملاق السوفيتى السابق.. وقام ترامب بالانسحاب من معاهدة انتشار الصواريخ متوسطة المدى من طرف واحد الأمر الذى يهدد الأمن فى أوروبا بصفة خاصة والعالم بصفة عامة حيث بدأ سباق تطوير مثل هذا النوع من الصواريخ القادرة على تدمير أوروبا بأكملها.
وآخيرا لا لم يستوعب ترامب دروس الإرهاب والذى يعشعش فى منطقة الشرق الأوسط والذى هو صناعة أمريكية فى الأصل وأن هذا الإرهاب سوف يرتد إلى صدر الولايات المتحدة وما أشبه اليوم بالبارحة عندما صنعت أمريكا القاعدة بقيادة أسامة بن لادن لتلعب دور الحرب بالوكالة ضد الروس فى أفغانستان وبعد انسحاب روسيا من أفغانستان فتحولت القاعدة لمحاربة أمريكا وسوف ننتظر بعض الوقت لنرى ماذا ستفعل جبهة النصرة تلك الصناعة الأمريكية الأخرى بعد خروجها من سوريا مهزومة وربما يعاود السيناريو ليتكرر من جديد.. وشخصيا لم أر مستقبلا مزدهرا لأمريكا مع مخبولها ترامب رغم تحسن الوضع الداخلى الأمريكى بعض الشىء على مستوى انخفاض البطالة وتحسن سوء العمل إلا إذا نجحت المؤسسات الأمريكية المعنية بالأمن القومى ونجحت فى إيقاف موجة الكراهية والعنصرية التى بدأت تتغلغل فى مفاصل المجتمع الأمريكى.
والله من وراء القصد.