عرفنا بريطانيا - فى بواكير صبانا – بلقب: الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس (إشارة إلى امتداد مستعمراتها من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب)، وهو ما دفع مصمم تمثال الأدميرال نيلسون (صاحب موقعة أبى قير البحرية) إلى بناء قاعدته الطويلة كقلم رصاص رفيع فى ميدان "ترافلجار" بلندن على أربعة تماثيل لأسود ينظر كل منها إلى إحدى الجهات الأربع الأصلية، تأكيدا لمعنى امتلاك الكون والهيمنة عليه، ولكن إمبراطورية المملكة المتحدة تآكلت فى القرن العشرين، وانسحبت جيوش الملكة إلى قواعدها فى الجزر البريطانية ومعها أسدها (رمز الإمبراطورية) الرث الهزيل، ولم تخرج – بعد ذلك – إلا لمهام مؤقتة فى ثمانينيات القرن الماضى إلى جزر الفوكلاندز بالأرجنتين أو إلى حرب الخليج الثانية فى مطلع التسعينيات، أو إلى غزو العراق عام 2003، أو إلى ضرب طالبان فى أفغانستان.
وأعدت هيئة الإذاعة البريطانية "B.B.C" حلقات تسجيلية شهيرة عن نهاية التمدد البريطانى فى أصقاع الأرض بعنوان: (نهاية الإمبراطورية / End – of – empire) وضمنها حلقة عن مصر.. إلا أن الدور الماكر الخبيث الذى لعبته بريطانيا (صاحبة أكثر أجهزة العالم خبرة فى الشرق الأوسط MI-6-- من أيام لورانس العرب والثورة العربية بقيادة الشريف حسين وحتى الآن) فى عملية يناير 2011 ومحاولة تفكيك مؤسسات الدولة المصرية، والتحالف مع أركان المؤامرة ضد مصر (أمريكا - تركيا – إيران – قطر – حماس - الإخوان) دفعنى إلى إطلاق تسمية أخرى على المملكة المتحدة هى: (الإمبراطورية التى لا يغيب عنها الشك).. وبروح تلك التسمية نظرت إلى تصريحات السير سيمون فرايزر الوكيل الدائم لوزارة الخارجية البريطانية ورئيس السلك الدبلوماسى والقنصلى فتشككت فى كل كلمة فيها رغم محاولة الرجل أن يتجمل، إذ علمتنا تجربة عملية يناير2011 أن الشك من حُسن الفطن، وان المخابرات البريطانية كانت على رأس 13 جهاز مخابرات دولى قادت المؤامرة على مصر.. وأفصل شكوكى فى تصريحات السير فرايزر على النحو التالى:
• أولاً: فى شأن قيادات الإخوان المقيمين فى لندن تبنى الرجل نفس المقولة المرتبطة بالإرهابيين المصريين المقيمين فى لندن والتى لطالما رددها أمامى رهط من وزراء الحكومة البريطانية فى حواراتى المنشورة معهم، وهم: مالكولم ريفكيند وزير الخارجية المحافظ – روبين كوك وزير الخارجية العمالى – چيرمى هنلى المحافظ وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط، وديريك فاتشيت العمالى وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط – وبيتر هين وزير الدولة العمالى لشئون الشرق الأوسط ومايكل بورتيللو وزير الدفاع المحافظ، ولورد چورچ روبرتسون وزير الدفاع العمالى وسكرتير عام حلف الناتو وچاك سترو وزير الداخلية العمالى.
وتنبنى المقولة على أن تقاليد الضيافة البريطانية والأعراف الديمقراطية تمنع تسليم اللاجئين السياسيين، وكنت أرى أن ذلك الإحجام البريطانى يعود إلى تجنيد الإرهابيين فى أجهزة الأمن البريطانية كمصادر تساعد تلك الأجهزة فى بناء قاعدة معلومات معتبرة عن تنظيماتهم وكذلك معاملات ارتباط بين عناصرها، كما أن المخابرات البريطانية اتخذت من وجودهم على أراضى المملكة المتحدة وسيلة للضغط على الحكومة المصرية التى كانت تلح على تسليمهم، ولم توافق لندن على تسليم المجرمين لديها الذين كان بعضهم متهما فى قضيتى محاولتى اغتيال عاطف صدقى وصفوت الشريف، وقال لى چاك سترو: "إن قانون الإرهاب الذى أعددناه يمنع تسليم أو محاكمة أولئك المتهمين إلا إذا ارتكبوا أعمالا إرهابية أو خططوا لها من على الأراضى البريطانية".
واستمر الحال – كذلك – حتى ضرب الإرهاب لندن فى أكثر من عملية وبدا أن بقاء أولئك المحكومين والمتهمين المصريين والعرب (أبو حمزة – أبو قتادة – ياسر توفيق السرى – عمر بكرى فستق) يعرض أمن بريطانيا للخطر، فتم تسليم أبو قتادة للمحاكم الأردنية بعد ثبوت تورطه فى عملية إرهابية فى الأردن، وحكمت محكمة بريطانية بتسليم أبى حمزة لأمريكا بعد تحريضه على قتل جنود بريطانيين فى أفغانستان، وقد لجأ شاكٍ إلى محكمة حقوق الإنسان الأوروبية ليمنع تنفيذ الحكم القضائى البريطانى فى حين منعت السلطات الإنجليزية عودة السورى عمر بكرى فستق (الذى تزعم حزب التحرير فى بريطانيا لفترة وطالب بإسلام الملكة اليزابيث وأن تكون بريطانيا عاصمة دولة الخلافة)، وقد سافر فستق إلى بيروت ثم حين أراد العودة إلى لندن منعه البريطانيون متذرعين بأن ذلك من حقهم قانونا إذا خرج أجنبى ثم أراد العودة.
واليوم يوجد عدد من إرهابيى الإخوان على الأراضى البريطانية يتزعمهم إبراهيم منير، وهو يقود عمليات التحريض على العنف وتمويل إرهاب وتسليح الإخوان، ولكن بريطانيا لم تتخذ ضده إجراء بما يثير الشكوك والريب ويحيى الهواجس حول الدور الذى تلعبه بريطانيا فى دعم الإخوان واحتضان مشروعهم لحكم مصر قسويا، وقهر إرادة شعبها.
• ثانياً: قال السير فرايزر – أيضا – إن بريطانيا طبقا لتاريخها وتجاربها يجب أن تحترم سيادة مصر وشعبها حول موضوع المصالحة التى لا يمكن أن تنجح فى الوقت الراهن، كما أن لندن ستواصل دعم عملية التحول السلمى فى مصر.. والواقع أن تلك المقولة – كذلك – تفرض الشك الشديد، لأن ذلك الاعتراف المتأخر جدا بأن المصالحة لا يمكن أن تنجح فى الوقت الراهن بين الإخوان والقوى الوطنية هو – فى الحقيقة – محاولة لإبراء الذمة وحفظ ماء الوجه بعدما تأكد بأدلة لا تقبل أى نقاش اشتراك بريطانيا فى عملية يناير2011 تخطيطيا ومعلوماتيا أما مسألة دعم عملية التحول السلمى فهى أمر أدعى إلى تعظيم الشكوك لأن عملية التحول السلمى تلك (وتمثلها خارطة المستقبل) هى صناعة مصرية 100% تضمنها بيان 3 يوليو الشهير الذى أعلن به المشير السيسى نهاية حكم مرسى، ولا معنى لأن تقوم بريطانيا أو أمريكا بادعاء أن كل منهما مراقب أو خولى زراعة يتابع تنفيذنا لخارطة الطريق، إذ يبدو ذلك السلوك خائباً جداً بعد فشل المؤامرة على مصر باندلاع ثورة يونيو الأسطورية، وحيث لا يمكن أن تقوم نفس الجهات التى تآمرت برعاية جهود التخلص من آثار التآمر!
• ثالثا: تناول السير سيمون فرايزر قضية الأموال المصرية المهربة لبريطانيا وقال: "لقد شكلنا لجنة للنظر فى الحقائق ذات الصلة ونريد معلومات وأحكام قضائية من مصر وليس مجرد اتهامات".. وهذا القول – كذلك – يورثنا قدرا كبيرا من الشك لأن وسائط إعلام بريطانية مملوكة لقطر (صحيفة الجارديان) هى التى هللت على الرئيس مبارك، وادعت تهريبه 70 مليار دولار إلى بريطانيا وسويسرا بالذات، وهو ما ثبت كذبه، يعنى بريطانيا التى تقول أنها تبحث عن الحقائق هى أول من زيف الحقيقة فى ذلك الملف.. ثم أن المجموعة المصرية التى راحت وجاءت من والى لندن مدعية أنها تبحث فى أمر الأموال المهربة المزعومة واستقبلها البريطانيون بضجة وزفة، ضمت رجلاً مطلوباً للعدالة هو محمد محسوب، وسليم العوا محامى المعزول والجاسوس محمد مرسى، وحسام عيسى الذى بات رمزا للصفراوية والمرارة اللتين تحركانه إزاء الرئيس مبارك، ولم يعد يصلح باحثاً عن الحقيقة فى هذا الملف أو غيره بعد أن اعتبره الناس مسخة لا ينبغى التعويل على ما تقول أو تفعل.
.............
ولتلك الأسباب – جميعا – اعتبرت بريطانيا الإمبراطورية التى لا يغيب عنها الشك.. كما لم أتقبل محاولات سير سيمون فرايزر التجمل أو الكذب.