ثم فجأة يهفت الضجيج حولك ثم يتلاشى وينعدم صوت الحياة، فتظن أنك أصم، لم تعد قادرا على أن تنطق بحرف وكأنك صرت أبكما، تعيد شريط الحياة للحظات فتجد الصورة كانت مزدحمة بالأهل والأصدقاء والأحباب، لكن بعد هذه اللحظة خرج جميعهم من المشهد وأصررت أنت على إكماله برغم أنه بات بلا معنى.. فلا أحد سيشاهده ولا جمهور سيصفق لك أو حتى يوبخك.
وبينما أنا غارق في مراجعة أسباب رحيل الأبطال من فيلم حياتي، لمت نفسي كثيرا على إخفاقي وانفعالي وسقوط أدائي في أحيان كثيرة، لكني وجدت أنني في كل مشاهد الاسكريبت كنت صادقا ومحبا سواء أكانت لتلك الحبيبة التي غادرت في عجالة ولم تمنحني وقتا كافيا لأستوعب إمكانية دخول غيرها استكمالا للقصة فظل دورها دون مؤد، ولذلك الأخ الذي سافر مقتطعا جزءا من قلبي، ولأبي الذي قرر فجأة الرحيل دون أن تكتمل موهبتي في استكمال دوره في الفيلم فتعثرت.
العجيب أنني أديت دوري بحماسة وانفعال كما لو كان عرض الفيلم ممتدا إلى ما لا نهاية، حتى أنه بعد رحيل الأبطال ظننت أنهم ينتظرونني في بلاتوه آخر لعمل جزء ثانٍ للفيلم، لكن أحدهم قبل أن يغادر صاح في أذني "فركش".
"فركش" هذه جعلت الوحدة تعتصر عقلي، فخرجت أبحث عن صخب بين ضحايا معهد الأورام عن حكايات جديدة حتى وإن كانت مؤلمة.. فقادتني الصدفة إلى نفس المعنى.. طفل سألني هل سأرى أبي مرة أخرى؟
لم تعد تلك الإجابات التي كانوا يلقنوها لنا ونحن صغار قادرة على الصمود أكثر من ذلك: آه يا حبيبي، بابا في السما شايفك وحاسس بيك وسامعك، هو عند ربنا وإحنا هنروح نلاقيه مستنينا.. وغيرها من الإجابات التي صارت لا منطقية.. صمت وكرر الطفل السؤال فربت على كتفه وقولت له: في الواقع لا أعرف الإجابة؟، حينما تركته كررت نفس السؤال على نفسي؟ فكانت أميل لإجابة دون غيرها، في الغالب لن نتقابل مرة أخرى كل شيء في الذين فارقونا تعطل كل شيء إلا الروح وجزء من كارت الذاكرة يعملان فقط فترة اللحود حتى ينفخ في السور، بعدها سيتم حذف كل شيء كان على "كارت ميموري" الحياة، وإذا كان كذلك فلما نعلق صور موتانا على الجدران إذا كان الجسد تآكل وصار ثرى! لماذا نحفظ أطفالنا ملامح جدودهم وحينما سيقابلونهم سيكونون بأشكال وهيئات مختلفة؟ في الحقيقة نحن نفعل أشياء كثيرة غير مفهومة، كل يتصرف مع عالم الغيب حسب اجتهاده، لكن كيف وهناك آية تقول "يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ"، أنكون نحن نضع تلك الصور على الجدران كشعور لا إرادي من هاجس تلك اللحظة؟ أستتغير الهيئات بعد ذلك الموقف؟ أيكون بقاء الملامح كما هي لتزيد الألم الروحي للفرار! ثم الذي ذرع بداخلك إحساس أن هذا والدك أو هذه أمك يمحي ذلك ويزرع بداخلك الإحساس لغيرهما؟ لم أصل لشئ وعدت إلى إجابتي لطفل معهد الأورام في الواقع لا أعرف الإجابة؟.